تلقت أكبر خمسة بنوك
مصرية ضربة جديدة بعد خفض وكالة "موديز" التصنيف الائتماني لها بدرجة واحدة، مع نظرة إيجابية مستقرة، وذلك بعد أيام من خفض تصنيف مصر من "B3" إلى "Caa1"، التي تعني: درجة تعكس المخاطر العالية في استثمار أدوات وسندات الديون المصرية.
واعتبرت وكالات التصنيف العالمية المختلفة التي دأبت على خفض تصنيف مصر تارة ووضعها على قوائم المراجعة أو الشطب تارة أخرى، أن هذه القرارات تعكس تدهور قدرة البلاد على سداد ديونها، نتيجة شح العملة الأجنبية، والزيادة المستمرة في مدفوعات خدمة الديون الخارجية.
وخفضت وكالة "موديز" تصنيف الودائع طويلة الأجل لثلاثة بنوك حكومية، وهي "البنك الأهلي المصري" و"بنك مصر" و"بنك القاهرة"، بجانب أكبر بنوك القطاع الخاص وهو "البنك التجاري الدولي" إلى "Caa1" من "B3"، فيما خفضت تصنيف بنك الإسكندرية من "B3" إلى "B2".
تخفيض تصنيفات
البنوك المصرية يعكس بحسب "بلومبيرغ" ضعف بيئة التشغيل، وحجم الحيازات الكبير لهذه البنوك من السندات الحكومية، أحد أهم أدوات الدين لتمويل عجز الموازنة.
أزمة ديون طاحنة
وتتوقع مصر أن تستحوذ مدفوعات خدمة الدين، الداخلي والخارجي، على حوالي 52.3% من الإيرادات، وتمثل 37.4% من إجمالي المصروفات، في السنة المالية 2024/ 2023 على خلفية ارتفاع أسعار الفائدة، وتكلفة الاقتراض، وتغير سعر الصرف.
وارتفعت فوائد الديون بنسبة 44.5% في الموازنة المصرية وبلغت 1.12 تريليون جنيه، مقابل 775 مليار جنيه للسنة المالية الفائتة، متجاوزة بذلك أسوأ التوقعات الحكومية، وتقديراتها لحجم زيادة الديون؛ بسبب انهيار العملة المحلية.
خفض تصنيف البنوك كان متوقعا وليس مفاجئا، بحسب رئيس شركة الاستشارات الاستثمارية "بويز إنفستمنت"، مقرها واشنطن، شريف عثمان، مشيرا إلى أنه "كان من المعروف أنه سوف يحدث تخفيض جديد للبنوك المحلية؛ لأنها تملك نسبة لا تقل عن 40% إلى 50% من أصولها مستثمرة لدى الحكومة سواء في صورة أذون أو سندات خزانة أو في حسابات لدى البنك المركزي".
وأضاف عثمان، في حديثه لـ"عربي21": "وبالتالي عندما تنكشف مؤسسة على مؤسسة أخرى تم خفض تصنيفها ينخفض تصنيفها هي الأخرى، بالإضافة إلى أن هذه البنوك تعاني من نفس مشكلة البنك المركزي وهي نقص العملة الأجنبية ومن هنا توجد نقطة مشتركة من المخاطر لأن البنوك جزء من أصولها بالعملة الأجنبية، إذ يبلغ إجمالي عجز صافي الأصول الأجنبية في الجهاز المصرفي نحو 25.9 مليار دولار بحسب تقرير البنك المركزي، والأصول الأجنبية هي ما تمتلكه من ودائع ومدخرات بالعملة الأجنبية".
أما فيما يتعلق بتأثير ذلك على قدرة مصر على سداد الديون، أشار عثمان إلى أن "كل الحلول التي اتخذتها الحكومة هي تأجيل وترحيل المشكلة مثل مد سداد الودائع وبيع الأصول التي كانت تدر دخلا، وبالتالي تقليل الإيرادات بالعملة المحلية والأجنبية خلال الفترات الحالية والمقبلة، وكلها حلول آنية، وتزيد من عمق المشكلة في المستقبل".
وتابع بأن الأمر "يعكس تراجعا كبيرا في القدرة على سداد ديوننا والتزامتنا بالعملة الأجنبية، ويضاف إلى ذلك التأثير السلبي للعدوان على غزة مع إلغاء نسبة من الحجوزات السياحية في مصر وتضرر هذا القطاع الاستراتيجي".
خفض حتمي للعملة وليس اختياريا
تدفع تخفيضات المؤسسات والكيانات الدولية، الدولة المصرية، نحو خفض قيمة عملتها المحلية، ما ينذر باستمرار كابوس الغلاء والتضخم، ورغم ذلك حذرت المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، من "مغبة تأجيل مصر خفض قيمة عملتها مرة أخرى، وإلا سوف تنزف احتياطاتها الثمينة".
تجدر الإشارة، إلى أن صافي الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي المصري، يبلغ 34.970 مليار دولار نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي، ويبلغ إجمالي الدين الخارجي نحو 165 مليار دولار.
إلى ذلك، يتعين على مصر سداد 55.2 مليار دولار بين ودائع وأقساط ديون، في الفترة من آذار/ مارس 2023 إلى آذار/ مارس 2024، وفقا لبيانات حديثة صادرة عن البنك الدولي.
شكوك حول استقلالية البنوك المحلية
اعتبر خبير الاقتصاد السياسي، مصطفى يوسف، أن "خفض تصنيف الديون يعكس عدم استقلالية البنوك المحلية في مصر التي تذعن لرغبات وطلبات البنك المركزي المصري بشراء أكبر قدر ممكن من أدوات الدين الحكومية لدعم الموازنة التي تعاني من عجز كبير بسبب تفاقم حجم الديون وفوائدها".
وتوقع في تصريحات لـ"عربي21" أن "تتواصل التخفيضات الائتمانية لمصر، وننتظر الأسوأ خلال الفترة المقبلة عندما تُقدِم وكالات مثل "فيتش" و"ستاندرد آند بورز" على خفض تصنيف مصر الائتماني، يستتبعه تخفيض تصنيف البنوك المصرية مجددا".
ورأى يوسف أن "قدرة البلاد على سداد ديونها على المحك وتحتاج إلى تدفق رؤوس أموال أجنبية كبيرة وليس بيع أصول لأنه يعتبر خرابا مستعجلا للاقتصاد وهي التي تدر عوائد لسداد الديون وخدمات الديون، كما أن الموارد الأساسية ليست عند درجاتها المناسبة مثل السياحة وتحويلات المصريين بالخارج والصادرات".
وأعرب عن اعتقاده أن "أزمة البنوك المحلية في مصر هو توجيه جزء كبير من أموال المودعين لإقراض الحكومة، وزيادة أسعار الفائدة، وبالتالي ارتفاع معدلات التضخم وطباعة المزيد من النقود، ومن الوارد أن ندخل في أزمة ودائع إن ظل الوضع كما هو عليه دون خلق حلول حقيقية لأن الوضع أصبح هشا وينذر بكارثة".
الديون تنافس الناتج المحلي الإجمالي
رصد صندوق النقد الدولي، حجم الفوائد التي تدفعها مصر على ديونها حاليا بنحو 7% من الناتج المحلي الإجمالي، ورجح أن تزيد خلال العامين المقبلين بوتيرة أسرع، وبالتالي زيادة حجم العجز ودفعه إلى مستويات أعلى.
وقفز إجمالي الديون المصرية إلى 93% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يدفع السلطات المصرية إلى حشد الإيرادات لتقليص هذا الدين، وذلك وفق إفادة نائب مدير إدارة شؤون المالية العامة بصندوق النقد الدولي، رود دي مويغ، على هامش فعاليات الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين، المنعقدة في مدينة مراكش بالمغرب.
كما خفضت عدة مؤسسات وبنوك دولية توقعاتها لنمو
الاقتصاد المصري بوتيرة أسرع، ورجح صندوق النقد الدولي، للمرة الثانية، تباطؤ الاقتصاد المصري أكثر من المتوقع لعام 2024 إلى 3.6% من توقعاته السابقة البالغة 4.1% في تموز/ يوليو نزولا من 5%؛ بسبب نقص السيولة من النقد الأجنبي وتضاؤل ثقة المستثمرين.