أثار الهجوم على مبنى الكلية العسكرية التابعة لنظام
بشار الأسد في مدينة
حمص وسط البلاد موجة من الاتهامات حول تورط النظام في دمشق في الحادثة، وذلك لوقوع المنطقة في عمق مناطق سيطرته وسط تجمع من المنشآت العسكرية يعرف محليا بـ "تجمع الكليات الحربية".
وتعرض مبنى الكلية العسكرية ظهر الخميس الماضي، إلى هجوم بطائرة مسيرة مسلحة أثناء حفل تخريج دورة من الضباط، ما تسبب بمقتل 89 شخصا وإصابة 277 آخرين بينهم عسكريون ومدنيون، بحسب آخر إحصائية لوزارة الصحة في حكومة النظام.
وشهد الحفل حضور قيادات كبيرة من جيش الأسد، بينهم وزير الدفاع علي محمود عباس، الذي انسحب قبل 21 دقيقة من وقوع الهجوم بحسب وكالة "سبوتنيك" الروسية، ما أثار تكهنات حول تورط النظام بالحادثة ومعرفته بموعد وقوعها، لا سيما أن الجهة التي تمكنت من تنفيذ هذا الهجوم كان بإمكانها توجيه الطائرة أثناء العرض لضرب قادة القوى العسكرية، بحسب العقيد والمحلل السياسي أحمد حمادة.
"قصف انتقامي"
واتهم النظام ما وصفها بـ "التنظيمات الإرهابية المسلحة المدعومة من أطراف دولية معروفة" بالوقوف وراء الهجوم دون أن يتطرق إلى هويات تلك الجهات، فيما بدا وكأنها إشارة إلى فصائل المعارضة المتواجدة في شمالي البلاد.
وبالفعل، كثفت قوات النظام هجماتها بعد استهداف كليته الحربية على مناطق سيطرة المعارضة في ريفي إدلب وحلب ما تسبب بوقوع عدد من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين.
ووصف الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) تصاعد وتيرة هجمات النظام بأنه "انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، الذي يحظر صراحة استهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية"، مشيرا إلى أنه "عمل يدل على تجاهل كامل لحياة الإنسان وتعمد لقتل المدنيين وكافة مسببات استقرارهم وسبل عيشهم".
بدورها أعربت الأمم المتحدة عن قلقها البالغ إزاء الهجوم الذي وقع في الكلية الحربية بحمص، وما تبعه من "قصف انتقامي" شنته قوات النظام على مدن وبلدات شمال غربي
سوريا.
وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، إن "الأمين العام للمنظمة أنطونيو غوتيريش يدين بشدة جميع أعمال العنف في سوريا ويحث كل الأطراف على احترام التزاماتها بموجب القانون الدولي".
وكانت حسابات إخبارية موالية للنظام أوضحت أن حملة الأخير على مناطق المعارضة، والتي تزايدت حدتها بشكل ملحوظ بعد الهجوم بالمسيرة المسلحة تأتي في إطار "الانتقام وأخذ الثأر".
ومن جهتها، أشارت صحيفة "الوطن" المقربة من النظام إلى أن التصعيد يهدف إلى الرد على
هجوم الكلية الحربية في حمص، وهو ما ذكره أيضا العقيد حمادة خلال حديثه لـ"عربي21".
"منطقة محصنة"
وشدد حمادة على أن "النظام السوري يعيش على الحرب ولا يمكن له أن يبقى بدونها"، موضحا أن أحد الأسباب التي تشير إلى "وقوف النظام وراء هجوم حمص هو حاجته إلى التظاهر أمام العالم بأنه لا يزال في حالة حرب ومواجهة ضد التنظيمات الإرهابية".
وأضاف المحلل السياسي خلال حديثه لـ"عربي21" أنه "في ظل التردي الاقتصادي القائم وسط تواصل التظاهرات الداعية إلى إسقاط النظام في السويداء ومناطق في الساحل السوري يسعى النظام إلى استعطاف الرأي العام الساخط على أدائه بعدما هدأت وتيرة الحرب منذ سنوات في مناطق سيطرته".
وعززت طبيعة المكان الذي جرى فيه الهجوم، الاتهامات الموجهة للنظام، حيث تقع محافظة حمص في عمق مناطق سيطرته والتي تبعد أكثر من 100 كيلومتر عن أقرب نقطة تماس مع قوات المعارضة، كما يحيط بالمدينة مواقع الفرقة 11 وعدد من القطعات العسكرية والألوية الأخرى.
وتقع الكلية الحربية المستهدفة بحمص في حي الوعر المحاط بعدد من الكليات العسكرية والثكنات، منها كلية الشؤون الفنية وكلية المدرعات وكلية الإشارة، إضافة إلى مدرسة الشرطة والمشفى العسكري وكتيبة البيانات، فضلا عن مراكز الكشف الراداري المحيطة بالمدينة.
وحول إمكانية وقوف المعارضة حول الهجوم، أوضح حمادة في حديثه لـ "عربي21" أن الطيران المسير يمتلك القدرة على القيام بمثل هذا النوع من الهجمات، لكنه استدرك قائلا إن "فصائل المعارضة لا تملك هذا المستوى من التكنولوجيا الحربية لا سيما أن الكلية العسكرية تبتعد 125 كيلومترا عن أقرب نقطة لتواجد المعارضة".
وشدد المحلل العسكري على أنه "في حال انطلقت الطائرة المسيرة من مناطق شمالي سوريا التابعة للمعارضة فستمر حتما عبر سلسلة من وسائط الدفاع الجوي ومراكز الرادار؛ منها اللواء 99 في حماة، ومركز رادار حماة، ومركز رادار شين، إضافة إلى مركز رادار دير عطية، ومركز رادار شنشار".
ونوه حمادة إلى أنه في الاحتفالات العسكرية الكبيرة على غرار التي حصلت في الكلية الحربية وحضرها وزير الدفاع وكبار قيادات الجيش، ينتشر الحراس على أظهر الكليات بهدف "الحراسة النظرية" فضلا عن استنفار القطع الأمنية المحيطة بالمنطقة، ما يجعل "عدم رصد الطائرة المسيرة عبر تقنيات الرادار أو الرؤية المجردة أمرا مستحيلا".
اتهامات تطال إيران
أشار حمادة إلى أن ريفي حمص الشرقي والجنوبي عبارة عن ميادين تدريب للطيران المسير الإيراني، الذي اعتاد الأهالي على مشاهدته في الأجواء، مضيفا أن مطار الضبعة المهجور جنوبي المدينة يعد مركزا لخدمة صيانة الطائرات المسيرة الإيرانية.
واعتبر المحلل العسكري ذلك دليلا على قدرة حليفة الأسد على توجيه الطائرة التي استهدفت الكلية الحربية عبر التنسيق مع تشكيلات الدفاع الجوي لضمان الوصول دون عوائق، بحسب حمادة.
وفي السياق ذاته، وجه العميد الركن أحمد رحال خلال حديثه لـ"عربي21" أصابع الاتهام إلى القوات الموالية لإيران، مشيرا إلى وجود تعاون بين استخبارات النظام والقوات الإيرانية في المنطقة لبعث رسالة مفادها أنه "لا صوت يعلو على صوت الرصاص" في ظل تصاعد الأصوات الساخطة على نظام الأسد جراء تدهور الظروف المعيشية والاقتصادية والأمنية بمناطق سيطرته.
وذكر رحال أن ما حصل يعيد إلى الأذهان سيناريو "تفجير خلية الأزمة" في العاصمة دمشق عام 2012، والذي نتج عنه مقتل كبار القادة العسكريين في حكومة النظام، من بينهم صهر الأسد ونائب وزير الدفاع آصف شوكت، إذ توجهت أصابع الاتهام إلى النظام بالوقوف وراء الهجوم آنذاك.
ويأتي هجوم حمص بعد تصريحات أدلى بها بشار الأسد خلال زيارته الأخيرة إلى الصين، زعم فيها أنه "لا يزال يقود حربا على الإرهاب في سوريا"، في إشارة إلى استمرار المواجهات العسكرية التي تعيق تحقيق تنمية اقتصادية أو البدء في إعادة الإعمار لخلق البنية التحتية اللازمة لعودة اللاجئين، وفقا لرؤية النظام.
ورأى رحال أن حديث الأسد عن استمرار الحرب محاولة لـ "الاستثمار بالإرهاب" وسط مخاوف لدى النظام من انتقال احتجاجات السويداء إلى مناطق الساحل السوري ومدن أخرى تحت سيطرته، مع تصاعد السخط الشعبي جراء الأزمة الاقتصادية الخانقة.
ومنذ منتصف آب /أغسطس الماضي، تشهد السويداء موجة احتجاجات متواصلة ضد النظام، تنديدا بتردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، رفع المتظاهرون خلالها شعارات تطالب برحيل النظام وتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 لتحقيق الانتقال السياسي في البلاد.