حذر علماء
بيئة من أن كوكب
الأرض أصبح خارج نطاق "العمل الآمن" بالنسبة للبشر، بسبب التلوث الذي يسببه الإنسان إلى جانب التأثيرات البشرية الأخرى.
وأشارت دراسة أجراها فريق دولي من 29 عالما، إلى أنّ التغير
المناخي وإزالة الغابات وخسارة التنوع البيولوجي، وكمية المواد الكيميائية الاصطناعية (بينها المواد البلاستيكية)، وندرة المياه العذبة وتوازن دورة النيتروجين، هي الحدود الستة التي يتم تجاوزها بصورة كبيرة.
وثمة عاملان آخران هما زيادة حموضة المحيطات وكثافة الجزيئات الدقيقة الملوّثة في الغلاف الجوي، قريبان من عتبات الإنذار
ونشرت صحيفة "
الغارديان" تقريرا لمحررها لشؤون البيئة، داميان كارينغتون، قال فيه؛ إن العلماء حذروا من أن أنظمة دعم الحياة على الأرض تضررت بشدة، لدرجة أن الكوكب أصبح "خارج نطاق العمل الآمن للبشرية".
ووجد تقييمهم أن ستة من أصل تسعة "حدود كوكبية" قد تم كسرها بسبب التلوث الذي يسببه الإنسان وتدمير العالم الطبيعي. وحدود الكواكب هي حدود أنظمة رئيسية، إذا تم تجاوزها، فإن القدرة على الحفاظ على كوكب صحي معرضة لخطر الفشل".
ما معنى انكسار "الحدود الكوكبية"؟
تعني الحدود المخترقة أن الأنظمة قد تم دفعها بعيدا عن الحالة الآمنة والمستقرة، التي كانت موجودة منذ نهاية العصر الجليدي الأخير، قبل 10 آلاف عام، إلى بداية الثورة الصناعية.
ونشأت الحضارة الحديثة بأكملها في هذه الفترة الزمنية، التي تسمى العصر الهولوسيني.
وقال الباحثون؛ إن التقييم كان الأول من بين جميع حدود الكوكب التسعة، ويمثل "أول فحص صحي علمي للكوكب بأكمله".
والحد الوحيد غير المهدد هو "طبقة الأوزون" في الغلاف الجوي، بعد أن أدت الإجراءات للتخلص التدريجي من المواد الكيميائية المدمرة في العقود الأخيرة إلى تقلص ثقب الأوزون.
وأوضح العلماء أن النتيجة "الأكثر إثارة للقلق"، هي أن الحدود البيولوجية التي تغطي العالم الحي، كانت عند أو قريبة من أعلى مستوى للخطر. ويعد "العالم الحي" حيويا بشكل خاص للأرض؛ لأنه يوفر المرونة من خلال تعويض بعض التغيرات الفيزيائية، على سبيل المثال، امتصاص الأشجار للتلوث بثاني أكسيد الكربون.
كما أشار العلماء إلى أن حدود الكواكب ليست نقاط تحول لا رجعة فيها، يحدث بعدها تدهور مفاجئ وخطير، بل هي نقاط ترتفع بعدها بشكل كبير مخاطر حدوث تغييرات جوهرية في أنظمة دعم الحياة الفيزيائية والبيولوجية والكيميائية للأرض.
وكانت "حدود الكواكب" قد ابتكرت لأول مرة في عام 2009 وتم تحديثها في عام 2015، عندما أمكن تقييم سبعة فقط.
"الأرض.. مريض يعاني من ضغط الدم"
وقال البروفيسور يوهان روكستروم، مدير مركز ستوكهولم للمرونة آنذاك، الذي قاد الفريق الذي طور إطار الحدود: "العلم والعالم بأسره قلقون حقا بشأن جميع الأحداث المناخية المتطرفة، التي تضرب المجتمعات في جميع أنحاء الكوكب. ولكن ما يقلقنا أكثر، هو العلامات المتزايدة على تضاؤل مرونة الكوكب".
وأضاف روكستروم، الذي يشغل الآن منصب المدير المشارك لمعهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ في ألمانيا، أن هذا الفشل في المرونة يمكن أن يجعل تقييد ظاهرة الاحتباس الحراري إلى هدف المناخ البالغ 1.5 درجة مئوية مستحيلا، ويمكن أن يجعل العالم أقرب إلى نقاط التحول الحقيقية. وقال العلماء في أيلول /سبتمبر؛ إن العالم كان على شفا نقاط تحول كارثية متعددة.
وبدروها، علقت البروفيسور كاثرين ريتشاردسون، من جامعة كوبنهاغن التي قادت التحليل، بالقول: "نحن نعلم على وجه اليقين أن البشرية يمكن أن تزدهر في ظل الظروف التي كانت موجودة منذ 10 آلاف عام. لا نعرف أننا نستطيع أن نزدهر في ظل تغييرات كبيرة ودراماتيكية، [و] تتزايد تأثيرات البشر على نظام الأرض ككل طيلة الوقت".
وقالت؛ إنه "يمكن اعتبار الأرض كمريض يعاني من ارتفاع شديد في ضغط الدم"، موضحة أن "هذا لا يشير إلى نوبة قلبية معينة، لكنه يزيد من خطر الإصابة بشكل كبير".
متى بدأ اختراق الحدود الكوكبية؟
وأشار التقييم، الذي نُشر في مجلة "Science Advances" واستند إلى 2000 دراسة، إلى أن العديد من حدود الكواكب قد تم تجاوزها منذ فترة طويلة. وقال الباحثون؛ إن حدود سلامة المحيط الحيوي، التي تشمل الأداء الصحي للنظم البيئية، قد تم كسرها في أواخر القرن التاسع عشر، حيث أدى تدمير العالم الطبيعي إلى تدمير الحياة البرية. نفس الدمار، وخاصة إزالة الغابات، يعني أن حدود استخدام الأراضي قد تم كسرها في القرن الماضي.
وتلفت النماذج المناخية إلى أنه تم تجاوز الحدود الآمنة لتغير المناخ في أواخر الثمانينيات. بالنسبة للمياه العذبة، وأظهر مقياس جديد يشمل مياه البحيرات والأنهار وفي التربة، أن هذه الحدود قد تم تجاوزها في أوائل القرن العشرين.
والحدود الأخرى هي تدفق النيتروجين والفوسفور في البيئة، وتعد هذه العناصر حيوية للحياة، لكن الاستخدام المفرط للأسمدة، يعني أن العديد من المياه ملوثة بشدة بهذه العناصر المغذية، ما قد يؤدي إلى تكاثر الطحالب ونشوء مناطق ميتة في المحيطات. ووفقا لبيانات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، تتم إضافة ثلاثة أضعاف المستوى الآمن من النيتروجين إلى الحقول كل عام.
وتبين أن حدود التلوث الاصطناعي، مثل المبيدات الحشرية والمواد البلاستيكية والنفايات النووية، قد تم تجاوزها من خلال دراسة أجريت عام 2022.
وقام التحليل الذي قادته ريتشاردسون بتقييم تلوث الهواء لأول مرة، ما يؤثر على نمو النباتات والأمطار الموسمية. ووجدت أن تلوث الهواء قد تجاوز حدود الكوكب في بعض المناطق مثل جنوب آسيا والصين، ولكن ليس على مستوى العالم بعد. كما تم تقييم تحمض المحيطات على أنه يزداد سوءا ويقترب من تجاوز الحدود الآمنة.
"خارج النطاق الآمن للبشر"
وقال العلماء: "يجد هذا التحديث أن ستة من الحدود التسعة قد تم انتهاكها، ما يشير إلى أن الأرض الآن خارج نطاق العمل الآمن للبشرية".
وقال روكستروم: "إذا كنت ترغب في تحقيق الأمن والازدهار والمساواة للبشرية على الأرض، عليك العودة إلى الفضاء الآمن، ونحن لا نرى هذا التقدم حاليا في العالم".
ويعد التخلص التدريجي من حرق الوقود الأحفوري وإنهاء الزراعة المدمرة، إجراءات أساسية مطلوبة.
ويتم تعيين حدود الكواكب باستخدام مقاييس محددة، مثل مستوى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي كمؤشر لتغير المناخ.
وتتمتع أنظمة الأرض بالمرونة تجاه مستوى معين من التغيير، لذلك تم تعيين معظم الحدود عند مستوى أعلى من ذلك الذي استمر على مدى العشرة آلاف عام الماضية. على سبيل المثال، كان معدل ثاني أكسيد الكربون عند 280 جزءا في المليون حتى الثورة الصناعية، لكن الحد الأقصى للكوكب تم تحديده عند 350 جزءا في المليون.
وقال البروفيسور سايمون لويس، من جامعة" UCL" في لندن: "هذا تحديث قاتم بشكل لافت للنظر لصورة مثيرة للقلق بالفعل. إن الكوكب يدخل حالة جديدة وأقل استقرارا بكثير".
وتابع؛ "إن مفهوم حدود الكواكب هو محاولة ضخمة لتبسيط العالم، لكنه ربما يكون مبسطا جدا بحيث لا يمكن استخدامه في إدارة الأرض عمليا. على سبيل المثال، فإن الأضرار والمعاناة الناجمة عن الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.6 درجة مئوية، باستخدام سياسات مؤيدة للتنمية والاستثمارات الكبرى في التكيف مع تغير المناخ، ستكون أقل بكثير من الأضرار والمعاناة الناجمة عن الحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية، ولكن القيام بذلك باستخدام سياسات تساعد الأغنياء وتتجاهل الفقراء. لكن هذا المفهوم يعمل كمثل يقوده العلم في عصرنا".
وقد فحص تقييم ذو صلة، نُشر في شهر أيار /مايو الماضي، حدود الكواكب جنبا إلى جنب مع قضايا العدالة الاجتماعية، ووجد أن ستة من "حدود نظام الأرض" الثمانية هذه قد تم تجاوزها.
وقال الباحثون؛ إن هناك حاجة إلى مزيد من البيانات لتعميق فهم الوضع الحالي، بالإضافة إلى مزيد من الأبحاث حول كيف تتفاعل تجاوزات حدود الكواكب بعضها مع بعض. وأضافوا أن أنظمة الأرض قد دخلت في حالة من عدم التوازن، ونتيجة لذلك، ظلت "الظروف البيئية العالمية النهائية" غير مؤكدة.
كما انطلقت مبادرة منفصلة في تموز /يوليو لتحديد نهاية العصر الهولوسيني، وبداية عصر جديد تهيمن عليه الأنشطة البشرية، حيث اختار العلماء بحيرة كندية كموقع لتمثيل بداية الأنثروبوسين "حقبة التأثير البشري".