كشف موقع "
ميدل إيست آي" البريطاني، معلومات
مسربة حول اعتزام
ليبيريا إبرام صفقة مع دولة
الإمارات العربية، يتم بموجبها منح حقوق شاملة لمؤسسة إماراتية بالتصرف في ما يزيد على العشرة بالمائة من الأراضي الليبيرية.
وفي
التقرير الذي أعدته كاثرين هيرست، جاء أنه من المحتمل أن
تتنازل ليبيريا عن 10% من أراضيها لصالح شركة إماراتية من أجل ما يسمى "حصاد مدخرات
الكربون".
وأشار التقرير إلى أن الصفقة إن تمت فإنها
"تنتهك عدداً من قوانين ليبيريا، بما في ذلك قانون حقوق الأرض لعام 2019، وهو
التشريع الذي يؤكد حق المجتمعات في الأرض العرفية".
وتابع التقرير بأن الصفقة هي تنازل عن التحكم في واحدة من أكثف مناطق الغابات في أفريقيا لصالح
مؤسسة "الكربون الأزرق" التي تتخذ من دبي مقراً لها.
وتاليا
التقرير كاملا كما ترجمته "عربي21":
من المحتمل أن تشهد صفقة للتعويض عن
الكربون تنازل ليبيريا عن 10 بالمائة من أراضيها لصالح شركة خاصة إماراتية بما
يخمد حقوق الأراضي المتعارف عليها ويمنح الإمارات العربية المتحدة حقوق تلويث
مكافئة لامتصاص الغابات للكربون.
وإذا ما تمت الصفقة فإنها سوف تمنح
الشركة تحكماً شاملاً بما يزيد على المليون هكتار من الغابات، وبعد ذلك سوف تقوم
الشركة "بحصاد" مدخرات الكربون، وذلك بحسب ما هو مفترض من خلال إعادة
تأهيل وحماية الأرض، وهو ما سوف تبيعه من بعد ذلك للملوثين الكبار من أجل تعويض ما
تبثه من انبعاثات.
فيما لو تم التوقيع عليها، فسوف تنتهك
مذكرة التفاهم عدداً من قوانين ليبيريا، بما في ذلك قانون حقوق الأرض لعام 2019،
وهو التشريع الذي يؤكد حق المجتمعات في "الأرض العرفية".
كما أنه سوف يمثل تنازلاً عن ما يكاد
يكون تحكماً تاماً بواحدة من أكثف مناطق الغابات في أفريقيا لصالح مؤسسة
"الكربون الأزرق" التي تتخذ من دبي مقراً لها، لمدة تصل إلى ثلاثين
عاماً.
بالإضافة إلى ذلك، سوف تمنع الصفقة
ليبيريا من استخدام الأرض لتحقيق غاياتها هي بشأن
المناخ الدولي.
وظلت الاتفاقية حتى وقت قريب محاطة
بالسرية التامة. فبينما تم إبرام مذكرة التفاهم في شهر مارس (آذار)، على أن يتم
التوقيع على المسودة النهائية مباشرة، يقال إن المنظمات غير الحكومية المحلية لم
تكن على دراية بالعقد إلى أن سُربت أخباره من قبل مصادر داخل الحكومة.
وفي تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال
جوناثان ييئاه، من معهد التنمية المستدامة: "لم نعرف عن مسودة الاتفاق إلا
قبل بضعة أسابيع." ويذكر أن المعهد الذي يعمل فيها جوناثان ييئاه عضو في
الآلية التنسيقية المستقلة لرصد الغابات في ليبيريا، وهو عبارة عن ائتلاف من سبع
منظمات بيئية وحقوقية مجتمعية.
بعد أو وقع التسريب، سارعت الحكومة إلى
دعوة الجهات المحلية المعنية إلى لقاءات معها. إلا أن معهد التنمية المستدامة قال
إن المشاركين زودوا بمسودة العقد قبل يوم واحد فقط من أول لقاء، بينما كانت مواعيد
اللقاءات التالية تعاد جدولتها في اللحظة الأخيرة.
وعن ذلك قال جوناثان ييئاه متحدثاً مع
موقع ميدل إيست آي: "لقد كانت الحكومة تتصرف كما لو أنه لم يكن لديها
وقت".
أما من وجهة نظر بول كانييه، وهو ناشط
آخر في الآلية التنسيقية المستقلة لرصد الغابات في ليبيريا، فإن الانتخابات
القادمة في ليبيريا، والمقررة في شهر أكتوبر (تشرين الأول)، هي التي حفزت مسؤولي
الحكومة على الاستعجال من أجل قبض الدفعة المقدمة الأولى ومقدارها 50 مليون دولار،
وهو المبلغ الذي ورد ذكره في التسريب.
وقال كانييه في تصريح لموقع ميدل إيست
آي: "إذا أردت الحديث بشكل عام، فبإمكاني القول إن الحكومة تريد الحصول على
المال".
وبمجرد أن وقع التسريب، فقد سارعت الآلية
التنسيقية المستقلة لرصد الغابات في ليبيريا إلى ضرب جرس الإنذار، وذلك من خلال
نشر بيان على موقعها على الإنترنيت.
وجاء في بيان المجموعة ما يأتي:
"إن الادعاء بامتلاك الحقوق القانونية لتسويق كربون الغابات ستكون له تداعيات
واضحة على حقوق الملكية، وذلك أنه سيؤثر على حقوق المجتمعات في تقرير الكيفية التي
تستخدم بها أراضيها".
"نحتاج إلى المزيد من
المشاورات"
تتجاوز مسودة العقد قوانين ليبيريا
الخاصة بالأراضي، والتي تلزم المقاولين بالدخول في مفاوضات حرة ومسبقة مع
المجتمعات المحلية من أجل التوصل إلى قرار جماعي حول طريقة التصرف بالأراضي
العرفية.
بينما تلزم بنود العقد شركة
"الكربون الأزرق" ببذل كل ما في وسعها لإجراء مفاوضات حرة ومسبقة مع
المجتمعات المحلية من أجل التوصل إلى قرار جماعي، إلا أن ذلك لن يحدث إلا خلال
الشهور الثلاثة الأولى التي تلي التوقيع على الاتفاق.
في تصريح لموقع ميدل إيست آي، قالت
لوريتا آلثيا بوبي كاي، المدير التنفيذي لمؤسسة المبادرات المجتمعية: "لماذا
يجب أن يتم ذلك بعد التوقيع على العقد؟".
ومضت تقول: "نحن نتحدث عن مليون
هكتار، وذلك سوف يستغرق أكثر من ست سنين".
وأضافت: "يقولون (أي الحكومة) إنه
مشروع تجريبي، ولكننا بصدد اتفاق مدته ثلاثون عاماً، وهذه مدة طويلة جداً إذا ما
أحذنا بالاعتبار أن الأرض يتم التنازل عنها بدون إجراء مفاوضات حرة ومسبقة مع
المجتمعات المحلية من أجل التوصل إلى قرار جماعي".
وترى لوريتا آلثيا بوبي كاي، أن الأمر
يتطلب إجراء المزيد من المشاورات حتى يتسنى فهم الموضوع.
وعن ذلك تقول كاي: "إن هذا هو أول
مشروع كربون في ليبيريا، وليس لدينا إطار قانوني للحديث حول الكربون".
وتحدد مسودة العقد توزيعاً غير
متساو للأرباح التي سوف تُجنى من بيع مدخرات الكربون، بحيث تحصل شركة الكربون
الأزرق على 70 بالمائة من الأرباح بينما تحصل حكومة ليبيريا على 30 بالمائة –
نصفها تقريباً سوف يتم دفعه للمجتمعات المحلية، علماً بأن الأرباح تتوقف على
القيمة التي يتم تحديدها لهذه المدخرات.
بالإضافة إلى ذلك، تنص مسودة العقد على
أن ممثلين اثنين للشركة ومسؤول من الحكومة سوف ينضمون إلى لجان تتكون من خمسة
أفراد لاتخاذ قرار حول كيفية إنفاق الأموال، ما يثير المخاوف من أن المجتمعات
المحلية قد لا يجتمع لديها ما يكفي من الأصوات لتكون صاحبة القول الفصل في كيفية
التصرف بالأموال.
كما أن مسودة العقد لا تشتمل إلا على
النزر اليسير جداً من التفاصيل الخاصة بأسلوب تقييم مدخرات الكربون الذي سوف يتم
اللجوء إليه عند بيع هذه المدخرات.
في تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال
جوناثان كوك، الخبير الذي يعمل في مراقبة سوق الكربون: "ليس واضحاً بتاتاً ما
الذي سوف يتم فعله من أجل حساب كمية ما يتم تخفيضه من انبعاثات".
تقول شركة الكربون الأزرق إنها ملتزمة
بمعايير "ريد زائد"، أي المبادرة الدولية لخفض الانبعاثات الناجمة عن
إزالة أشجار الغابات.
إلا أن "ريد زائد" تتطلب
إضافة الانبعاثات، والتي تملي ضرورة أن تكون للمشروع فوائد إضافية تتولد عنه، مثل
خفض الكربون، إلى جانب تلك التي تحدث طبيعياً بغض النظر عنه.
من خلال شراء أراض تشتمل على احتياطيات
طبيعية قائمة، فإن شركة الكربون الأزرق لن تتمكن من توفير أي فوائد إضافية.
وعن ذلك يقول كوك: "إن تقييم
إضافة الانبعاثات أمر في غاية التعقيد. فمن أجل أن تتمكن منهجية ما من تحديد
القيمة التي تولدها إضافة الانبعاثات، فإنها ستكون بحاجة لإثبات أنها تتفوق على ما
يتم إنجازه حالياً وتتجاوز ما هو مطلوب بنص القانون، ولسوف تحتاج من أجل ذلك إلى
الاعتماد على توفر التمويل".
ويضيف: "إذا لم تكن الفوائد
الناجمة عن ذلك إضافية، فلن تكون لها أي قيمة".
تواصل موقع ميدل إيست آي مع شركة
الكربون الأزرق من أجل التعليق على الموضوع، ولكنه لم يتلق أي رد حتى موعد النشر.
الكربون الأزرق
يترأس شركة الكربون الأزرق أحمد دلموك
آل مكتوم، وهو من أفراد الأسرة الإماراتية الحاكمة، والذي يترأس كذلك مجموعة
العامري، التي تستثمر بكثافة في مشاريع النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال
أفريقيا.
تأسست شركة الكربون الأزرق قبل عام
واحد فقط، وليست لديها أي خبرة سابقة في إدارة الكربون، وبحسب ما جاء في موقعها
على الإنترنيت، فإن المؤسسة تمتلك عدداً من الشركات المتخصصة في إقامة البنى
التحتية في مشاريع النفط والغاز.
تأتي الاتفاقية المبرمة مع ليبيريا
كجزء من عدد من مذكرات التفاهم المشابهة التي وقعتها الشركة مع بابوا نيو غيني في
نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2022، وكذلك مع كل من تنزانيا وزامبيا في مواعيد
متقاربة خلال شهر فبراير (شباط) من عام 2023.
وفي تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال
كريستيان هندرسون، الباحث المتخصص في الاقتصاد السياسي والتنمية في منطقة الشرق
الأوسط: "أعتد أن هذا يمثل استراتيجية تنتهجها دول الخليج، والتي يهمها أن
تتمكن من الزعم بأنها تقوم بتعويض انبعاثاتها الكربونية".
وأضاف: "هذه البلدان ليست لديها
النية بالتوقف عن إنتاج النفط، وقد عبروا عن ذلك بجلاء".
أكدت مذكرة التفاهم مع ليبيريا ما لدى
نشطاء
البيئة من مخاوف من أن النقاشات التي تدور حول أسواق النفط سوف تخيم بظلالها
على مساعي التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري خلال قمة المناخ القادمة كوب 28،
والتي من المقرر أن تستضيفها دولة الإمارات العربية المتحدة في شهر نوفمبر (تشرين
الثاني). وكان منح الإمارات لهذا الدور قد قوبل بعاصفة شديدة من النقد في أوساط
النشطاء المدافعين عن البيئة حول العالم.
من الممكن أيضاً أن تستخدم مدخرات
الكربون التي يتم تجميعها في تعويض الانبعاثات التي تبثها الإمارات العربية
المتحدة نفسها، وذلك أن العقد لا يحدد ما إذا كانت بالإمكان بيع المدخرات في
الأسواق الطوعية (التي تعمل خارج السوق الملتزم بالمعايير المتفق عليها)، حيث يمكن
أن تشتريها المؤسسات أو قد يتم ذلك عبر صفقات يجري إبرامها مع الحكومات.
رعاة بقر الكربون
ليست الإمارات العربية المتحدة اللاعب
الوحيد الذي يلهث وراء استملاك الأراضي في أفريقيا.
في تصريح لموقع ميدل إيست آي، قالت
أليكسندرا بنجامين، التي تعمل في تنظيم الحملات حول أسلوب إدارة الغابات لدى منظمة
غير حكومية اسمها فيرن: "هناك موجة مما أطلق عليه اسم رعاة بقر الكربون، من
بين هؤلاء الناس الذين لا يتوفر لديهم إلا النزر القليل من الخبرة في هذا المجال
... الذين يدخلون عالم تعويض الانبعاثات الكربونية، وخاصة في أفريقيا حيث تتسم
حقوق الأراضي بالهشاشة البالغة".
في عام 2009، انهارت محاولات إبرام عقد
مع مؤسسة حصاد الكربون التي تتخذ من بريطانيا مقراً لها، والتي كان من المقرر أن
يتم بموجبها الحصول على 400 ألف هكتار من الغابات في ليبيريا، وذلك عندما تبين أن
العقد ينتهك عدداً من قوانين ليبيريا، ونجم عن ذلك توجيه اتهامات للعديد من
المسؤولين الحكوميين رفيعي المستوى بالرشوة والفساد.
ويتعرض المدافعون عن الأرض ونشطاء
البيئة، الذين ناضلوا في معارك خاضوها لسنوات طويلة من أجل تحدي تلك العقود
والوقوف في وجهها، لحملات من التخويف، بل وحتى التهديد بالقتل.
ومن الأمثلة على ذلك المحامي ألفريد
براونيل، المتخصص في قضايا البيئة، والذي ساعد في وقف عمليات إزالة أشجار الغابات
التي كانت ضالعة فيها شركة تعمل في إنتاج زيت النخيل اسمها غولدن فيروليام، وقد اضطر إلى مغادرة ليبيريا في عام 2016 بعد تعرضه لحملة متصاعدة من المضايقات
والتهديد بالقتل.
وقال نشطاء الآلية التنسيقية
المستقلة لرصد الغابات إنهم تلقوا تهديدات وخضعوا للمراقبة والمتابعة من قبل
سيارات غير مرقمة أثناء عملهم في قضية شركة الكربون الأزرق.
وفي تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال أحد
نشطاء الآلية التنسيقية المستقلة لرصد الغابات واسمه أبراهام بيلي: "تسعى
الحكومة إلى تخويف الناس، ولذلك فإن عليك توخي الحذر عندما تخالط الناس وتظهر في أوساط
الجمهور".
وفي حين أن من المقرر أن يحتل تقييم مدخرات
الكربون رأس قائمة المواضيع التي سوف يتم التداول بشأنها في قمة المناخ القادمة، فإن دراسة حديثة منشورة في موقع فيرا، أكبر منصة عالمية متخصصة في مجال
الانبعاثات الكربونية، خلصت إلى أن 94 بالمائة من المدخرات الكربونية لا تعود على
المناخ بأي فوائد.
وعن ذلك يقول هندرسون: "من المريب
بالفعل أن يفكر المرء أن بإمكانه بكل بساطة إجراء معادلة يمكنه من خلالها شراء
مساحة معينة من الأرض.... ثم يضمن ذلك له تعويض انبعاثاته الكربونية من خلال
القدرة الطبيعية للمنظومة البيئية على تنحية الكربون".
ويرى هندرسون أن سوق الكربون يعيد بكل
بساطة إنتاج نفس هرميات أزمة المناخ – حيث يفرض على البلدان الأفقر تسديد قيمة
فاتورة ما تستهلكه البلدان الأكثر ثراء.
وعن ذلك يقول: "من المفروض في
الواقع أن تتلقى البلدان الأفقر تمويلاً من البلدان الأكثر ثراء كتعويض من أجل
السماح لها بتنفيذ برامج التكييف المناخي الكربوني، وليس التخفيف.