أفكَار

هل يفصل المسعفون لضحايا الكوارث الليبية والمغربية بين دماء العرب والبربر؟

أحمد بن نعمان: لولا ثوابت الهوية الوطنية المتميزة (لسانا ودينا ووجدانا) كما حددها بيان الشهداء في ثورة التحرير ما كانت الثورة الجهادية لتقوم أصلا..
هل يميز الأطباء المسعفون لضحايا الكوارث  الليبية  والمغربية بين  دماء  المتطوعين من  الأشقاء  المتحدثين  باللهجات العربية  والبربرية!؟

نعتقد أن هذا السؤال المقولة يلخص حقيقة علمية وتاريخية يؤكدها العلامة الجزائري (القبائلي الزواوي ) الفضيل الورثلاني رفيق درب  الإمام عبد الحميد بن باديس (القبائلي الصنهاجي ) في النص التالي من حوار (صحفي ) له مأخوذ من كتابه (الجزائر الثائرة) نقتصر على ما يهمنا  قوله  فيما  يلي:

"ليس في المغرب العربي بربر على الإطلاق، وأتحدى من يستطيع أن يثبت غير ذلك، وإليك توضيح الأمر: كان سكان المغرب العربي قبل دخول الرسالة الإسلامية العربية، بربرا لا خلاف في ذلك، ولا يهمني ما يذهب إليه بعض المؤرخين، من أن هؤلاء البربر أنفسهم، إنما هم من أصل عربي، وإنما الذي يهمني والذي لا شك فيه، أن أولئك البربر قد تعربوا جميعا بعد الهجرات العربية المتوالية على ديارهم باستثناء الأميين الذين بقوا منعزلين  في الأرياف بعيدا عن  مؤسسات التعليم  في  الحواضر..".

أما أهم أسباب هذا التعريب (الثقافي) فثلاثة: الدين، واللغة، والتزاوج، وكان الدين أسبق الثلاثة إلى التحكم في مصير البربر، فلقد اعتنقوا الإسلام عن شوق وقناعة، وأحبوه من أعماق قلوبهم، وأخلصوا لتعاليمه أشد الإخلاص، ثم أحبوا معه، ومن أجله كل ما صحبه من مقومات، أحبوا أهله العرب حبا لم يكن يخلو من الغلو، حتى كان البربري يرى أن الإصهار إلى العربي والتقرب منه، إنما هو شرف كبير له، بل هو في نظره ضرب من العبادة، والتقرب إلى الله، لأن هذا العربي في نظره، إنما هو رسول الله إليه، وأنه مجاهد في سبيل تبليغ رسالة الحق المقدسة، وأنه مرابط في الثغور، بعيدا عن أهله وعن وطنه، وأنه يفعل كل ذلك، في سبيل إعزاز كلمة الدين والحق، وفي سبيل نشر مبادئه السمحة الخالدة.

وساعد على تسهيل التزاوج والاختلاط، أن حملة رسالة الإسلام الأول من العرب كانوا بدورهم يؤمنون بأن دينهم لا يفرق بين عربي وعجمي، ولا بين أبيض وأسود إلا بالتقوى، من هناك، شاع التزاوج  بين العرب والبربر، وابتدأ منذ الفتح، وظل يتسع نطاقه حتى يوم الناس هذا، وقد مضى أربعة عشر قرنا على هذا التلقيح".

وهذا التحليل الوارد على لسان هذا العلامة الجزائري (في سنة 1955) يقره عليه باحث آخر من المغرب الشقيق سنة 1996 هو الأستاذ الحسن بلحسن الذي  يقول:

"لا يمكن القيام بعملية بتر وفصل وتقسيم الجسد الواحد لكون العربي امتزج وتزوج بالأمازيغية كما أن الأمازيغية تناسلت من عربي، بل أكثر من هذا أننا نتحدى من يستطيع أن يميز من بين السكان الحاليين من هو العربي ومن هو الأمازيغي ذلك أن مجموعة من الناطقين بالأمازيغية هم عرب والعكس صحيح"..

وهذا عين الحقيقة في نظرنا لأن تحديد جنس قوم من خلال لهجة أو لغة محلية مكتوبة أو شفهية بإمكان كل فرد (سليم الحواس) أن يكتسب التحدث بها مثل أهلها خلال شهور قليلة من الإقامة بينهم فضلا عن كونه مختلطا بهم (كأعمام أو أخوال) من أمشاج تلاقحت وتضاعفت أعدادها بمتواليات عبر القرون المتعاقبة دون انقطاع (مشرقا ومغربا وأندلسا..)، ولا علاقة بيولوجية تربط بين الجينات واللغات أو اللهجات على الاطلاق،  لأن واحدة  تولد مع الإنسان بلا اختيار والثانية تكتسب من الإسان الناطق بإرادته دون إجبار..

"لا يمكن القيام بعملية بتر وفصل وتقسيم الجسد الواحد لكون العربي امتزج وتزوج بالأمازيغية كما أن الأمازيغية تناسلت من عربي، بل أكثر من هذا أننا نتحدى من يستطيع أن يميز من بين السكان الحاليين من هو العربي ومن هو الأمازيغي ذلك أن مجموعة من الناطقين بالأمازيغية هم عرب والعكس صحيح"..
وهذا هو معنى قول الأستاذ بلحسن بأن هناك بربرا تعربوا وهناك عربا تبربروا، وهو كلام مجرب صحيح في واقعنا المغاربي حتى الآن وسيظل الوضع كذلك إلى ماشاء الله حتى تمحى الأمية (العلمية  والمدرسية) من كل البلاد المغربية وتستبدل العربية (الفصحى والعامية) بالبربريات الحالية التي بقيت تؤدي وظيفتها الاجتماعية مثل كل العاميات العربيات دون أي تعارض أو تناقض وطني أو قومي.

والرأي ذاته يقره الأستاذ محمد أويذير آيت عمران (رئيس المحافظة السامية للأمازيغية في الجزائر) بقوله الموثق أيضا، حيث يقول: " إجابة عن سؤالك (مخاطبا هنا أحد الصحافيين في مقابلة معه في الجزائر) قلنا منذ فترة طويلة، أن هناك جزائريين  فقط !! وذلك تجنبا وابتعادا عن المشاكل والصراعات البيزنطية: من بإمكانه اليوم أن يؤكد أنه عربي 100 بالمائة، أو بربري مائة بالمائة؟ ولهذا نفضل أن نقول إننا جزائريون فقط والجغرافيا هي التي تتحكم في التاريخ. وإذا أخذت مثال الولايات المتحدة، فتوجد هناك جنسيات متعددة استطاعت على مر السنين أن تنسجم وتتوحد في ما بينها بما فيها إدماجهم للزنوج القادمين من إفريقيا. وهم اليوم أمريكيون لا غير.. فكيف إذا، لا نستطيع أن نجد حلا في الجزائر (وكل البلاد المغربية) لهذا المشكل الصغير!؟".

وزيادة في التوضيح لقوله والتأكيد على طرحه يضيف قائلا: "ليس هناك اليوم في الجزائر (أو أي بلد مغاربي) من يجزم أنه عربي مائة بالمائة أو بربري مائة بالمائة".. ولهذا يخلص إلى القول "إن معضلة الهوية طرحت بصفة خاطئة، إذ هي مزيج من اللغات والأديان والثقافات، التي شكلت على مر العصور شخصية مواطني الجزائر (وكل سكان المنطقة) اليوم ".

ولتقريب معنى الهوية الوطنية التي يتحدث عنها صاحبنا من طرفنا  نحن نقول، لو نسال أي شخص عاقل (غير أمي أو عنصري جاهل) عن دولة النمسا الآن هل هي ألمانية؟  فالجواب يكون بالنفي بالنسبة للجنسية ولكنه يكون بالإثبات بالنسبة للهوية الثقافية لدى كل الألمان شأنها في ذلك شأن سويسرا الألمانية أو شأن كل بلاد المشرق العربي والشمال الإفريقي بالنسبة لوحدة الهوية التي ورد في شأنها بند في بيان ثورة التحرير (الفاتح من نوفمبر / تشرين أول 1954) تقول في باب الأهداف: "تحقيق وحدة شمال إفريقيا في إطارها الطبيعي العربي الإسلامي"، وهو الإعلان الصريح عن الانتماء الطبيعي والهوية الوطنية ذات الأصل الثقافي (العربي الإسلامي...) وليس العرقي الذي ينفيه البيان قطعيا في مادة أخرى صريحة أيضا تقول: "احترام جميع الحريات والحقوق  الأساسية دون   تمييز عرقي  أو ديني".

وهو عين العلم  والتاريخ والحقيقة الأنثروبولوجية والسياسية التي جعلت الجزائر تترأس قمة الجامعة  العربية قبل سنة بالانتماء والاكتساب وليس بفصائل الدماء المختلطة في الأرحام والأصلاب  !!

ولذلك يتعين علينا هنا رفع اللبس الذي يكتنف هذه المغالطة التي يرددها بعض المغرضين (عن جهل أو قصد وفعل فاعل وتواطؤ مع عدو غير جاهل !؟) لتجريم وتخطئة بيان الشهداء المذكور آنفا وادعاء رفع المظلومية عن مكون أو حقبة من تاريخ الذات الوطنية المتمثلة في ما يسمونه بالبعد النوميدي (أو البربري) للهوية الوطنية التي أهملها البيان المذكور حسب زعمهم وكأنهم اكتشفوا البارود بهذه الهوية الثلاثية التركيب (عربية بربرية إسلامية) الموجودة فعلا كحلقة من أطوار التاريخ الوطني في الاتجاه العمودي عبر الزمان وتتمثل في كون الهوية الوطنية الجزائرية أو المغاربية والعربية عموما هي بربرية عربية إسلامية، أو بابلية عربية إسلامية، أو سريانية عربية إسلامية، أو فرعونية عربية إسلامية، أو كنعانية عربية إسلامية... ولكنها في الاتجاه الأفقي في المكان الواحد  هي عربية إسلامية فقط... أو بربرية إسلامية فقط أو فرنسية إسلامية فقط!؟

مثلما كانت طوال 132 سنة تحت الاحتلال بالنسبة للجزائر بالذات!؟

وإن أي طرح لهذه الهوية الثلاثية المركبة والمرتبة على هذا النحو المغالط والمريب لا تكون نتيجته الحتمية إلا تمزيق الوطن الواحد والشعب الواحد، إلى أشتات لا حصر لها من الشعوب والهويات القومية والطائفية والعرقية على أساس اختلاف اللهجات المحلية على المدى القريب والبعيد مثل الدول الأوروبية  الغربية الحالية!؟

"إن معضلة الهوية طرحت بصفة خاطئة، إذ هي مزيج من اللغات والأديان والثقافات، التي شكلت على مر العصور شخصية مواطني الجزائر (وكل سكان المنطقة) اليوم ".
ونتحدى فرنسا صاحبة هذا التركيب والترتيب الثلاثي (العرقي واللساني) والمرسم عندنا لتقسيم أرض الوطن أفقيا إلى: (أرض عربية وأرض بربرية) وبشريا إلى (شعب عربي وشعب  بربري) نتحداها أن تطبق هذا التقسيم ذاته على أرضها بتقسيمها أفقيا إلى (أرض غالية أو سلتية وأرض فرنسية أو رومانية) وعلى شعبها بتقسيمه أفقيا إلى (غولوا أصليين ورومان أو فرنسييين مستوطنين لاحقين..).

و المثال ذاته ينطبق على كل الدول الغربية مثلها على أرضها وكامل شعبها من أبنائنا وأبنائها المستوطنين على أرضها من كل الأخلاط البشرية دون أي تمييز في حقوق المواطنة والجنسية أو اعتبار لاختلاف أصولهم العرقية واختلاف لغات أمهاتهم في أوطانهم الأصلية. ودين آبائهم وأجدادهم والمعتنقين الجدد منهم للإسلام  أو المسيحية  بالملايين...!؟  لأن الدين عندهم لله وحده أما الوطن الموحد بلسانه الوطني الواحد فهو للجميع وعلى الجميع في الوطن دون استثناء جهوي أو قبلي أو قروي.

وعند الاختلاف يحسم الخلاف بين الأطراف بالاستفتاء العام والحكم  للأغلبية الشعبية مثل الذي حدث في أمريكا حول اللغة الإنجليزية في عهد جورج واشنطن أو الذي حدث عندنا، في الجزائر سنة 1962 والذي تم بموجب نتائجه الساحقة (97 % لصالح الاستقلال) نتيجة اختلاف مقومات الهوية بين الشعبين (الفرنسي والجزائري) وقد تم اعتراف فرنسا رسميا باستقلال الجزائر بناء على  هذا الأساس الهوياتي الثقافي الانتمائي الحضاري.

ولولا تمسك شعبنا المغاربي بهويته الموحدة بثوابتها المقدسة المعروفة (وطنا ودينا ولسانا) لأصبحت اليوم غرناطة فرنسية بصفة رسمية بناء على نص اتفاقيات إيفيان كما قال لي الرئيس بن يوسف بن خدة ـ رحمه الله ـ الذي فاوض فرنسا على توقيف القتال وتقرير المصير والاستقلال (انظر مقالنا ذي الصلة  في "عربي21"  حول العلاقة العضوية بين الثقافة  والهوية).

والعروبة كما أثبتنا في عدة مقالات موثقة ( هنا في "عربي21" وفي مؤلفاتنا المتعددة ذات الصلة هي  بالثقافة  والرسالة  وليس بخرافة النقاوة العرقية للسلالة لأن ديننا الحنيف الذي اعتنقناه بملكنا وتحررنا بالجهاد تحت رايته كلنا قد علمنا "أن أكرمكم عند الله أتقاكم"، وليس أذكاكم أو أغناكم أو أكثركم جندا ونفرا  وزيتونا  وتمرا!؟

وعن  نبي الإسلام الذي قال لنا  بأنه "لا فرق بين عربي وعجمي الابالتقوى"، وقال للمسلم في مسألة الزواج بالمسلمة من أي لسان أومكان "... أضفر بذات الدين تربت يداك.."،  وقال أيضا: "من ترضون دينه وخلقه فزوجوه".

وهذا هو العامل الأساسي في اختلاط الدماء وتماهي الأنساب والأرحام بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها على مر التاريخ الإسلامي وحتى يومنا هذا وسيظل كذلك ما دامت أغلبية شعوبنا تدين بالإسلام  .

ولذلك أؤكد على مسؤوليتي أننا هنا في شمال أفريقيا كلنا عبارة عن خليط من مختلف الأعراق والألوان البشرية من كل القارات كما تثبت تحليلات الأحماض النووية في المخابر العلمية التي هي تحت تصرف كل المتشككين في انحدارهم من نفس واحدة في أصولها الآدمية لا يفصل بينها عندنا إلا الدين المكتسب.. "لكم دينكم ولي دين"، وأن الناس وإن ولدوا في أوطانهم وعائلاتهم مكرهين على الخروج إلى الحياة غير مخيرين فإنهم أصبحوا مسلمين بالاختيار وتصاهروا مع العرب المسلمين (كحالة الأدارسة في المغرب الأقصى) طواعية وتبركا دون إجبار كما قال الأستاذ الورثلاني قبل حين ونحن نقره على ذلك وطنيا وعلميا واجتماعيا ودينيا وسياسيا.

ولذلك فإن ما يسمى (بالقومية الأمازيغية أو البربرية) تغليطا وتضليلا أيديولوجيا للعامة من الناس هو غير القبائلية أو الشاوية أو الشلحية أو التارقية أو السوسية أوالريفية وغيرها من اللهجات ذات الأصل البربري في العديد من البلاد العربية الحالية مشرقا ومغربا ...

ولذلك قال أحد لازعمائهم في حديث موثق له بالصوت والصورة: لا توجد أمازيغية ولكن توجد قبائلية وغيرها مما ذكرنا من اللهجات مثل اللهجات اللاتينية التي أصبحت الآن لغات مستقلة بذاتها في أوروبا الغربية (كالفرنسية والإيطالية والرومانية والإسبانية والبرتغالية والكطلانيية وغيرها...).

ولذا قال هذا الشخص ذاته: "أنا قبائلي ولست جزائريا"، لأنه يدرك في قرارة نفسه أن كلمة جزائري أو مغربي أو تونسي أو ليبي تعني بالضرورة أنه (عربي مسلم) حتى عند الفرنسيين أنفسهم لأن كل سكان شمال أفريقيا يعتبرون عربا مسلمين حتى ولو ظن بعضهم أنهم في الأصل وندال ورومان ونوميديون  وبربر وبلغار وأقباط  وغيرهم...!!

مثل ملايين الفرنسيين الحاليين من ذوي الأصول الأفريقية والشرق أوسطية والمتوسطية المقيمين على الأرض الفرنسية بقطع النظر عن أصولهم العرقية والقارية واللسانية والدينية كما أسلفنا.. علما أن نسبة الفرنسيين الحاليين الذين ينحدرون من الغولوا (سكان فرنسا قبل الرومان على غرار البربر وغيرهم عندنا في الجاهلية قبل الإسلام ) لا يتجاوزون 10 % من السكان الحاليين الذائبين في الثقافة واللغة الفرنسية الوطنية والرسمية الوحيدة هناك على كامل التراب الفرنسي رغم وجود أكثر من 10 لغات جهوية شفوية (مثل الغولوا = البربرية) أو ذات حروف واستعمالات محلية (مثل البروطانية والكورسيكية والاوسيتانية وغيرها..)

وليعلم الجميع أن عدد اللغات في العالم تقدر بحوالي 6700 منها فقط 150 ذات حروف وقواعد نحوية يتقاسمها كل المتعلمين فوق الكرة الأرضية... ولذلك يقال بأن اللغات الشفهية مثل الحوت إذا خرجت من بحر الأمية إلى اللغة المدرسية  تموت !؟

وإذا كان لكل حشد بشري أو عشيرة  لغة محلية (يتفاهم بها الأمويون فيما بينهم) الحق في المطالبة بإنشاء دولة مستقلة وعضوة في الأمم المتحدة  فلماذا لا يتجاوز عدد الدول الأعضاء في المنظمة الدولية  الآن أكثر من 194 دولة فقط تتقاسم 98 % منها 10 لغات حية تأتي العربية في المرتبة الرابعة بعد الإنجليزية والصينية والإسبانية وتأتي الفرنسية التاسعة قبل الألمانية...

العروبة كما أثبتنا في عدة مقالات موثقة ( هنا في "عربي21" وفي مؤلفاتنا المتعددة ذات الصلة هي بالثقافة والرسالة وليس بخرافة النقاوة العرقية للسلالة لأن ديننا الحنيف الذي اعتنقناه بملكنا وتحررنا بالجهاد تحت رايته كلنا قد علمنا "أن أكرمكم عند الله أتقاكم"، وليس أذكاكم أو أغناكم أو أكثركم جندا ونفرا وزيتونا وتمرا!؟
وكما قلنا في عشرات المنشورات بان لغة الأم (الأمية) هي غير (اللغة الأم) الوطنية والقومية..!!

 فلغة ابن باديس والطاهر بن عاشور ومولود قاسم مع أمه الأمية ومولود معمري ومولود فرعون وكاتب ياسين وأبي القاسم سعد الله ومالك بن نبي ومالك حداد ومحمد عبد الكريم الخطابي ومحمد عزيز الحبابي وعبد الله العروي وعابد الجابري وعلال الفاسي والجنرال دوغول ذاته وأناطول فرانس وفولتير وشيكسبير وغيرهم هي غير لغاتهم الإبداعية والتأليفية الوطنية.. ولذلك قلت بأنني سأعمل دون عقدة أو حرج من أجل أن تبقى لهجتي المحلية خادمة للغتي الوطنية مثل لغة الجنرال دوغول الفرنسية التي تبناها أجداده بعد اعتناق المسيحية كما يقول في كتابه (الأمل ص 49 من الطبعة العربية بيروت 1968)، وذلك تماما مثل أجدادنا المؤمنين الصادقين في إسلامهم بقطع النظر عن اختلاف أعراقهم وأنسابهم من الذين تبنوا لغة البيان القرآني مع الدين الإسلامي بعد الفتح... وهي اللغة التي حاربها عندنا الجنرال ليوطي والجنرال دوغول مثل أجداده طوال حياته وفرض علينا بدلها لغة صليبة الروماني بالدعوة التبشيرية المرنة والقوة العسكرية الخشنة...!

ولذلك أتمسك بلغتي الوطنية مثل تمسكه هو بلغته الوطنية والرسمية (وليست لغة أمه الأمية)، وأحافظ على لهجتي المحلية ولغة أمي الأمية في قريتي الصغيرة لتبقى جزءا من وطني وأمتي الكبيرة دون أي تناقض بين القرية واللهجة ولغة  الوطن والأمة...

 وإذا فرضت عليّ مخططات الأعداء أن أختار بين لهجتي المحلية ولغتي الوطنية أو بين قريتي ووحدة وطني وأمتي، فإنني لا أتردد لحظة في أن أضحي بلهجتي المحلية، من أجل لغتي الوطنية وأضحي بقريتي من أجل وطني وأمتي..!!!

لأن زوال اللهجة لا يضر بقاء وحدة اللغة وزوال القرية لا يضر بقاء وحدة الوطن والأمة، ولكن زوال اللغة الوطنية الجامعة وزوال وحدة الوطن والأمة لا تبقى معه أية لهجة أو قرية قائمة في الوجود ضمن الحدود المعلمة والمرسمة.

وهذا ما يريده الأعداء السابقون واللاحقون المراهنون هنا وهناك على "مسمار" الجنرال دوغول الذي غرسه في أرضنا وصانه بحركييه الذين تركهم لتحقيق مرماه في الاستحلال بعد أن عجز عن تحقيقه في الاحتلال (انظر مقالنا في عربي21 ليوم 10 يوليو 2023)، والدليل على ذلك أنه طلب ترجمة فورية لخطابه من الفرنسية إلى العربية (وليس إلى القبائلية) عندما خاطب الجماهير الشعبية المحلية أثناء زيارته الرسمية الأخيرة لمدينة تيزي وزو سنة 1961 اعترافا منه مرغما بأن العربية هي لغة الشعب الجزائري الوحيدة الجامعة لمعظم أفراده (الأميين والمتعلمين..) على حد سواء وعلى امتداد كل تاريخ الدول الوطنية المتعاقبة على الجزائر المسلمة العربية من الفتح الإسلامي إلى غزو جيوشه الفرنسية سنة 1830.

 ولولا ثوابت تلك الهوية الوطنية المتميزة (لسانا ودينا ووجدانا) كما حددها بيان الشهداء المذكور أعلاه ما كانت الثورة الجهادية لتقوم أصلا فضلا عن أن تنجح لو كان عندنا يومها شعبان مختلفان في تصور الهوية والتلفظ بالتحية بين أبناء الشعب الواحد: (هذا يقول أزول بالبربرية... والآخر يتشهد ويصلي ويلقي السلام بالعربية) وهنا تكمن القضية الجوهرية في وحدة الهوية الوطنية التي أخرجت الاحتلال من الباب وفي نفسه الشيء الكثير من الحقد عليها والذي لا نرى أنه سيزول في اعتقادنا حتى يقضي على آخر مواطن مسلم ناطق بالعربية من أهلها!؟

 أو تقضي هي على كل مرتد أو قومي متعصب متمسك بأثر (جريمة حربه) الفرنسية على أرضها (كما فصلنا الحديث حولها في مقالنا ليوم 10 يولو 2023!!) وإن ما وحدته يد الرحمان لا تفرقه  نزغات الشيطان  بين الأشقاء في أي مكان من بلاد المسلمين الصادقين  غير المرتدين وغير والمنافقين من الحكام والمحكومين والله أعلم بالمتقين منهم الذين ستكون لهم العاقبة في الأولين والآخرين وإن هذا الابتلاء المبين لنا جميعا بهذه  الكوارث والنوازل  القاهرة للمهتدين والضالين المتكبرين ما هو  إلا تمحيص من الله وتذكرة لكل عباده الصالحين والفاسدين أجمعين.

ولذلك يبقى التنبؤ بالزلازل سرا من الامور الغيبية مثل الروح المخفية عن الإنسان، وأقصى ما يتنبأ به العلماء  هو وشوك وقوعه  من رصد سلوك  بعض الحيوان.. حتى  لا يطغى الإنسان  المغرور  بنفسه ويتمادى في حمقه بتحدي إرادة  الرحمان. 

ويبقى الكافر خاضعا لسيف القدر المحتوم الذي يقضيه مدبر  الأكوان.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع