تتوالى تحذيرات علماء الجيولوجيا من زلزال كبير قادم يهدد مدينة إسطنبول، وسط استعدادات وتجهيزات من السلطات التركية للتقليل من حدة الكارثة.
وفي 6 شباط/ فبراير الماضي، وقع زلزالان مدمران طالا 11 ولاية تركية، نجم عنهما مصرع أكثر من 50 ألف مواطن، وانهيار آلاف المباني، في كارثة وصفت بـ"كارثة القرن".
وتعد ولاية إسطنبول واحدة من المدن الأكثر عرضة للزلازل، وتقع على خط صدع شمال الأناضول، وتصنف ضمن المجموعتين الثانية والثالثة من حيث المخاطر.
ويعتبر خط صدع شمال الأناضول، من أكثر خطوط التصدع نشاطا وأهمية في العالم، ويبلغ طوله 1200 كيلو متر، ويتراوح عرضه بين 100 متر و10 كيلومترات.
وأثار العالم الجيولوجي التركي جلال شنغور، الجدل بعد الكشف عن عزمه مغادرة إسطنبول، بالتزامن مع تحذيراته المتتالية من زلزال مدمر في الولاية.
وضجت مواقع التواصل الاجتماعي في
تركيا، بمزاعم أن الممثل التركي تولغهان سايشمان وزوجته، قررا مغادرة البلاد، بسبب الخشية من الزلزال المرتقب، لكنه نفى ذلك، مشيرا إلى أنه سافر لأسباب خاصة.
وقررت المغنية التركية فاطمة توركوت الانتقال من إسطنبول والاستقرار في منطقة سابانجا، عقب الزلزال المدمر في الجنوب التركي.
تنبؤات مرعبة
وفي حديث مع الصحفي فاتح ألتايلي، توقع الجيولوجي جلال شنغور، انهيار نحو 60 إلى 70 ألف بناء بشكل كلي أو جزئي، جراء زلزال إسطنبول المحتمل، ما سيتسبب بإغلاق الطرقات وإعاقة عمليات الإنقاذ.
ويتجاوز عدد سكان إسطنبول الـ16 مليون نسمة، ما ينذر بأن وقوع زلزال بقوة تفوق سبع درجات على مقياس ريختر سيخلف مأساة سيكون لها آثار كبيرة على البلاد لا سيما أن إسطنبول تعرف بالعاصمة الاقتصادية في تركيا.
من جهته قال عالم الجيولوجيا ناجي غورو، إن هناك 600 ألف مبنى في إسطنبول، وعلى افتراض أن أربعة أشخاص يقطنون في كل منزل، يعني أن 2.5 مليون شخص يواجهون خطر الموت. مشددا على أن الخسارة في الأرواح التي سيلحقها الزلزال ستكون غير قابلة للتصديق.
وفي سياق توقعاته لموعد وقوع الزلزال، أشار غورو في حديثه على "قناة TV5"، إلى أن البيانات العلمية كشفت أنه من المتوقع بعد زلزال عام 1999، وقوع زلزال بقوة تفوق 7 درجات في أي وقت خلال 30 عاما. وتابع: "إذا قلت 30 عاما، بالطبع هناك زائد ناقص 13 عاما. إذا أضفت 30 عاما بعد زلزال 1999، فسيكون العام 2029". وأضاف: "مع مرور الوقت سيحدث هذا الزلزال بالتأكيد، ونحن ما زلنا غير مستعدين لوقوعه بعد".
وكشف الأستاذ في معهد أبحاث الزلازل، دوغان كالافات، في وقت سابق عن إحصائيات تظهر النسب المئوية لحدوث زلزال محتمل في إسطنبول. وقال إن نسبة احتمال حدوث زلزال بقوة 7 درجات في المدينة قبل عام 2023 تبلغ 64 بالمئة، فيما تبلغ 75 بالمئة قبل عام 2050، و95 بالمئة قبل 2090.
وكان العالم التركي شنغور في حديث له عقب زلزال جنوب تركيا قسم أحياء إسطنبول الـ39 إلى مجموعات وفقا لدرجة الخطورة ونوعية الأبنية الموجودة فيها وتاريخ بنائها. وجاء تصنيف شنغور على النحو التالي:
- مناطق متينة ومقاومة وهي كل من أحياء بايرام باشا، الفاتح، ساري يير، شيلا، بيكوز، أتا شهير، بي أوغلو، بيشان تاشي وغبوة.
- مناطق متينة بشكل نسبي وتتضمن أحياء أرناؤوط كوي، باشاك شهير، تشكيم كوي، غازي عثمان باشا، بهشلي ايفلر، إسنيورت.
- مناطق شديدة الخطورة وهي أيوب سلطان، كاغت هانة، بشكتاش، أفجلار وبيوك وكوتشوك تشيكمجي.
سعي رسمي لتجنب الكارثة
وأعلنت الحكومة التركية، عن استعداداتها لسيناريو زلزال كبير في إسطنبول ومنطقة مرمرة، مشيرة إلى أنها بدأت بعمليات اتخاذ الإجراءات الوقائية.
وكشفت ولاية إسطنبول ومديرية إدارة الكوارث (أفاد)، استعدادات واسعة النطاق لمواجهة آثار الزلزال الذي قد يضرب المنطقة، شملت قرارا رئاسيا، بتعيين 39 واليا على مناطق إسطنبول، وذلك تفاديا لفراغ إداري في حال أصيب مسؤولو المناطق الحاليون جراء الزلزال.
وتعزيز مقاومة 2.576 مبنى حكوميا ضد الزلزال تشمل مدارس ومشافي ومباني إدارية، وإنشاء مكاتب تواصل في 963 حيا وتعيين موظفين فيها.
واستكمال وضع خطة عمل لتقليل المخاطر ومتابعة الأنشطة الزلزالية للمنطقة على مدار الساعة من خلال 250 محطة استشعار. وإنشاء شبكة اتصال وتواصل لاسلكي واختبار فاعليتها يوميا من قبل "أفاد". ورفع عدد النقاط المخصصة للتجمعات أوقات الكوارث إلى 5.578 نقطة.
وبدوره، قال وزير البيئة والعمران التركي محمد أوزاسكي في لقاء على قناة "سي إن إن" التركية، إن "مبنى من كل 4 مبان في إسطنبول محفوفة بخطر التضرر من الزلزال"، مشيرا إلى أن 600 ألف شقة ستنهار في حال وقوع زلزال بقوة 7 درجات.
كما كشف عمل وزارته على تقديم مشروع قانون خاص بإسطنبول للتحول الحضري السريع لمواجهة الزلزال المرتقب، ورفع العوائق أمام جهود تجهيز المدينة لخطر الزلازل.
التعاون من أجل التحول الحضري
ودعا رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، إلى التعاون بين البلدية والحكومة للإسراع في تجهيز المدينة المعرضة لخطر الزلزال، مشيرا في تصريحات عقب لقاء جمعه مع وزير البيئة والعمران، أن الوزارة ستضع استراتيجية عمل، وسيطلب من بلدية إسطنبول مجموعات عمل تشارك بها، مضيفا أنه من أجل إعادة هيكلة عشرات الآلاف من المباني خلال فترة زمنية معينة، يتطلب منا التعبئة من أجل ذلك، وهذا لا يقتصر على بلدية منطقة أو بلدية ولاية أو وزارة أو وزارات معينة فقط.
وأضاف إمام أوغلو أنه من الممكن تطوير مدينة إسطنبول بتعاون كبير بين القطاعات المالية ووزارة البيئة والعمران، وبلدية إسطنبول والولاية، وبلديات المحافظة، والمنظمات غير الحكومية والقطاعات الأخرى, ولطالما قلت إن الجميع يفعل ما عليه، ولكن وفق هذا المعدل نحتاج إلى 70 أو 80 عاما من أجل تحول إسطنبول.
من جهته قال وزير البيئة والعمران محمد أوزاسكي، إنه سيتم بدء العمل على خطة التحول الحضري لـ1.5 مليون مبنى في إسطنبول، بسبب المخاطر التي تواجهها من جراء الزلزال المحتمل.
وأكد الوزير أن هناك نحو 5.8 ملايين وحدة سكنية في إسطنبول، من بينها 1.5 مليون وحدة معرضة للخطر، مشيرا إلى أن هناك 600 ألف وحدة سكنية تعتبر الأكثر خطورة وقد تنهار، ولذلك يجب تحويلها في أقرب وقت ممكن.
ونوه إلى أنه تم التوصل إلى اتفاق مبدئي مع إمام أوغلو، ورؤساء البلديات الأخرى، من أجل تشكيل وحدة خاصة لإسطنبول بهدف تنفيذ الخطة.
هلع وخوف شعبي
وفي ظل إثارة الحديث عن الزلزال المدمر في إسطنبول، تتنامى مشاعر الخوف لدى السكان لا سيما في الأحياء التي صنفت على أنها شديدة الخطورة.
وتقول نورغول سايماز الأم لثلاثة أبناء، والتي تعيش في منطقة زيتون بورنو، إنها تعبت من متابعة الأحاديث المتداولة عن زلزال إسطنبول المرتقب فحتى لو كانت على سبيل التحذير وأخذ الحيطة إلا أنها تثير فيها الرعب والخوف على أبنائها.
وفي حديثها لـ "عربي21" أشارت إلى أنه من غير الممكن حجب هذه الأخبار عن أطفالها في وقت يحمل فيه كل طفل هاتفا متصلا بالإنترنت عليه حساباته الخاصة على مواقع التواصل.
وبالمقابل، قالت عفراء غوندام إن الحديث عن زلزال مرتقب في إسطنبول مبالغ فيه جدا، حيث أن المدينة بطبيعتها كانت وستبقى قابلة لوقوع الزلازل. وتساءلت خلال حديثها لـ "عربي21": هل يجب علينا أن نترك المدينة؟
وأضافت أنها "لا تحب متابعة هذا النوع من الأخبار والأحاديث لأنها تبث الرعب بين الناس دون جدوى إذ لا أحد يعلم على وجه اليقين إن كان الزلزال سيحدث اليوم أو بعد عشرات السنين".
ويمتد جدل الزلزال إلى منصات التواصل الاجتماعي، ورصدت "عربي21" مخاوف المواطنين الأتراك التي يتناقلونها عبر حساباتهم الشخصية.
ويقول الصحفي جان داش تولغا في هذا السياق عبر حسابه على منصة "إكس": "يجب إنشاء جيش بحث وإنقاذ مدني قوامه مليون شخص على الأقل في إسطنبول". مضيفا أن "على الدولة توفير التدريب على البحث والإنقاذ والإسعافات الأولية لكل من يعيش في المدينة".
ويرى الكاتب زينال يمان في معرض تعليقه على أنباء ترك بعض المشاهير لمدينة إسطنبول أن منطق الابتعاد عن مكان الخطر يجنب الشخص الموت أو الإصابة كلام غير منطقي بالنسبة له، مشيرا إلى أن "هذا ليس هو الحل المنشود".
وتقول هوليا كلبيك على منصة "إكس": "هناك علماء يعطون تاريخا مثل الكهانة لزلزال محتمل في إسطنبول، أهالي المدينة في حالة ذعر". وتابعت: "أنا أتفق مع ضرورة رفع الوعي بالزلزال لكننا نتأرجح بين الإفراط والتقليل، إننا نشعر بالذعر والقلق الشديد".
ويرى الصحفي المعارض فاتح برتقال، أن كلام جلال شنغور الذي يحذر فيه من سيناريو مخيف، "كلام علمي لا يجب أن يؤخذ على محمل بث الرعب والهلع بين قاطني المدينة، لأنه كلام مختص يؤدي واجبه، ويجب أن يتم التعامل معه بجدية"، حسب قوله.
ويذكر أن آخر زلزال قوي ضرب منطقة مرمرة، وقع عام 1999 في منطقة جولجوك بلغت شدته 7.4 درجات على مقياس ريختر وامتدت آثاره المدمرة إلى مدن إسطنبول وكوجالي ويالوفا وسكاريا، كما خلف نحو 18 ألف قتيل ودمر 365 ألف منزل. ولا يزال ساكنو منطقة مرمرة يتذكرون اللحظات الأليمة التي عاشوها إثر ذلك الزلزال المروع.