أثارت
الهجمات
المتكررة بطائرات بدون طيار، على الأراضي الروسية، وخاصة العاصمة موسكو وشبه جزيرة
القرم، تساؤلات حول إلى أي مدى يمكن لموسكو تحمل هذه الهجمات التي تستهدف قلبها، في
ظل حديث الإعلام الروسي عن ضرورة إيجاد حلول عملية لهذه الهجمات.
ومنذ أشهر، تعيش موسكو
والعديد من المناطق في
روسيا، على وقع هجمات مفاجئة لطائرات بدون طيار، تحدث
الجانب الروسي عن العشرات منها، لكن بعضها وصل إلى موسكو وانفجر بالكرملين، وأخرى
استهدفت منطقة هامة في موسكو، وضربت مجمعات تجارية وتسببت بأضرار كبيرة وهلع واسع.
تذمر وقلق
وقال موقع الأبحاث الاستراتيجية
الروسي
"فوندسك"، إن تصاعد الهجمات بطائرات مسيرة، وبصورة مكثفة، يدفع
إلى اعتماد تدابير وقائية مناسبة لحجم التهديد.
وأوضح الموقع في تقرير
ترجمته "عربي21" أن الهجمات باستخدام طائرات بدون طيار، على المراكز
الإدارية والصناعية العسكرية الروسية، باتت حقيقة يومية، ولا ينبغي خلق جو من الرضا
عن النفس، عبر الادعاء أن الهجمات غير فعالة، بل إن المطلوب الاستعداد لضربات أقسى
مما نراه حاليا.
وحذر من أن اقتراب
الهجمات من موسكو، والمدن الكبرى، بمبانيها المكتظة، يرفع مستوى خطورة الطائرات
بلا طيار، ومجرد إسقاطها هناك سيكلف خسائر بشرية كبيرة.
وشدد على ضرورة إنشاء حقول رادارية، للدفاع
الجوي، في الاتجاه الغربي لروسيا، لفترة طويلة، رغم أن المسافة بين الحدود الأوكرانية
وموسكو تقارب 800 كم، إلا أن الطائرات تصل، ويجب التصدي لها مبكرا، وفقا لنظام
الإنذار المبكر.
وفي ظل التذمر من بطء الإجراءات لمكافحة هذه
الهجمات، قال الموقع، إن مشكلة الكشف عن هذه الطائرات في الوقت المناسب، ليس أمرا
غير قابل للحل.
لكنه طرح سؤالا حول توفر الوسائل الدفاعية
اللازمة لإسقاط الطائرات بدون طيار، لدى الجيش الروسي، الذي يمتلك وسائل دفاعية
كبيرة مثل صواريخ أس 300 و400، وهي أسلحة، تكلف ملايين الروبلات، ولا تتناسب مع
الطائرات رخيصة الثمن التي تهاجم موسكو.
وشدد على أن الجيش
الروسي، أمام تحد كبير، لحل هذه المشكلة، من أجل توزيع منظومات مواجهة الطائرات
بدون طيار، على مساحات واسعة تغطي الأراضي الروسية المهددة وفق وصف الموقع.
أعنف الهجمات
وفي إحصائيات للهجمات،
قال
موقع "لينتا" الروسي، إن هجمات
الطائرات المسيرة، باتت منتظمة على
موسكو، وكانت البدايات في 3 أيار/مايو، حين استهدفت طائرة مسيرة مبنى الكرملين،
وانفجرت فيه، دون أن تتسبب بخسائر بشرية.
وقال الموقع وفقا
لتقرير ترجمت "عربي21" مقتطفات منه، إن بعض المسيرات أسقطت في 4
تموز/يوليو و28 من الشهر ذاته، لكن أعنف الهجمات كانت في 30 أيار/مايو، و30 تموز/يوليو،
و1 و11 آب/أغسطس الجاري.
واستعرض الموقع أعداد المسيرات التي هاجمت في
التواريخ المشار إليها، وهي على النحو التالي:
هجوم 30 أيار/مايو، استهدف العاصمة موسكو
بطائرات بدون طيار، وجرى إسقاطها جميعا، وبلغ عددها 11 طائرة، أخطرها التي
سقطت على مجمع سكني، وأصيب فيه شخصان وتضررت عدة مبان.
هجوم 30 تموز/يوليو، قالت وزارة الدفاع
الروسية، إنها دمرت طائرة مسيرة بواسطة نظام دفاع جوي، وأسقطت اثنتين أخريين
بواسطة الحرب الإلكترونية، لكنهما سقطتا على مجمع مدينة موسكو، وتضررت واجهات
برجين لمكاتب تجارية، فضلا عن أضرار لمكاتب وزارة المالية الرقمية والتنمية
الاقتصادية والبنك الزراعي ومؤسسات أخرى.
هجوم 1 آب/أغسطس، قالت وزارة الدفاع الروسية،
إن 3 طائرات مسيرة، حاولت مهاجمة العاصمة، وقامت الدفاعات الجوية بتدمير اثنتين،
أما الطائرة الثالثة فأفلتت من الدفاعات، وتمكنت من الوصول إلى هدف، وتفجير نفسها
بمجمع مدينة موسكو، وهو ما تسبب في أضرار بنفس البرج الذي استهدف سابقا، وخلفت أضرارا وخسائر مادية.
هجوم 11 آب/أغسطس، كان بطائرة مسيرة، اخترقت أجواء موسكو، وجرى التعامل معها وفقا لنظم الحرب الإلكترونية، وتم إسقاطها في منطقة جسر كاراميشيفسكايا، في مكان مليء بالغابات.
توازن رعب
وتعليقا على مدى تحمل موسكو، لتلك الهجمات،
قال الخبير العسكري، العميد أحمد رحال، إن هذه الضربات بواسطة طائرات مسيرة، تأخذ
حتى اللحظة الطابع المعنوي، أكثر من التدمير العسكري، الذي يؤلم الخصم ويكبده
خسائر فادحة.
وأوضح رحال لـ"عربي21" أن وصول هذه
الطائرات لسماء العاصمة الروسية موسكو، يعطي دافعا معنويا للجنود والشعب
الأوكراني، بقدرتهم على تحقيق شيء ولو قليل، مقابل رسالة سلبية للقيادة والشعب
الروسي في ظل الحرب.
وأضاف: "هناك هدف لدى الأوكرانيين بخلق
ما يسمى بتوازن الرعب، بأنه في الوقت الذي تهدد فيه المدن الأوكرانية وتقف بأشد
الصواريخ والقذائف، فإن هناك بالمقابل، قدرة على خلق رعب مشابه في المناطق
الروسية، وخاصة العاصمة التي من المفترض أن تكون الأكثر تأمينا خلال الحرب".
وردا على سؤال متى تصبح هذه الهجمات مؤرقة
للجانب الروسي، قال الخبير العسكري: "هي مزعجة ومثيرة للقلق لديهم منذ اللحظة
الأولى التي جرت بها، لأن مجرد وصول جسم يحمل متفجرات رغم أنه بدائي أو صغير،
فهناك احتمالية لخلق خسائر بشرية ومادية وإثارة رعب وهلع ولو كان محدودا".
وتابع: "حين نتحدث
عن الجانب الأوكراني الضعيف، مقابل القوات الاستراتيجية، والدفاع الجوي المتقدم،
والسلاح الثقيل لروسيا، وتفوقها النوعي، وكل هذه الميزانيات الهائلة لوزارة الدفاع
والجيش الروسي، فهنا نستطيع الحديث عن أن المسيرات البسيطة الأوكرانية، تخلق نوعا
من التوازن في الرعب".
وأشار إلى أن هناك أجواء من
الاعتراض على الحرب في روسيا، بعد هجمات المسيرات الأوكرانية على موسكو وغيرها،
لأن شرار الحرب، بدأ يطال المواطن الروسي البعيد عنها في بيته ومناطقه، هذا إضافة
إلى بعض التقارير التي تتحدث عن أن مصدر المسيرات ليس فقط من داخل أوكرانيا، بل من
الأراضي الروسية، واتهامات للروس الغاضبين من الحرب باستغلال الوضع للضغط على
الكرملين.
لكن الخبير العسكري
قال في الوقت ذاته، إن مثل هذه الهجمات، لن تدفع موسكو، لتنفيذ هجوم كبير، حتى لو
استمرت المسيرات بقصف موسكو، على غرار استخدام سلاح ردع استراتيجي.
وأضاف، "ما نلاحظه أن
الغرب لا يمنح كييف أسلحة هجومية قادرة على إلحاق الأذى بالعمق الروسي، وكل
الأسلحة حتى الآن دفاعية، وغاية الغرب، طالما بيد روسيا سلاح نووي، أن تتوقف الحرب
فقط، وأن يذهب بوتين إلى طاولة المفاوضات، لا أن تخسر روسيا الحرب".
وختم بالقول:
"الغرب يريد منح سلم لبوتين لينزل عن الشجرة، وهو محطم فقط لينهي هذه
الحرب".