قدّرت أوساط إسرائيلية، أن العدوان الأخير على مدينة
جنين ومخيمها، عزز من موقع اليمين المتطرف، على حساب المعارضة.
ورغم أن المعارضة الإسرائيلية أبدت دعمها الكامل لقوات
الاحتلال في عدوانه، إلا أن المكاسب الشعبوية ذهبت لصالح ائتلاف اليمين المتطرف الذي يقود الحكومة حاليا برئاسة بنيامين نتنياهو.
المحامي عميرام غيل، المحاضر في القانون بجامعة رايخمان، أكد أنه "مع نهاية العدوان الأخير على غزة، وما تبعه من عدوان على جنين، فقد أظهرت استطلاعات الرأي أن نتنياهو والائتلاف نجحا لأول مرة منذ فترة طويلة في إعادة العديد من الناخبين الذين تخلوا عنهما في أعقاب الانقلاب القانوني والاحتجاجات الجماهيرية. صحيح أن غانتس ولابيد وقادة المعارضة الآخرون أصرّوا على دعم الحكومة في عدوانها على
الفلسطينيين، لكن كان من الواضح أنه حتى هذه الجولة غير المجدية لن تغير أي شيء في موازين القوى الحزبية لصالح المعارضة".
وأضاف في
مقال نشرته القناة 13، وترجمته "عربي21" أن "المعارضة كان مطلوبا منها أن تطرح الأسئلة، وأن تشكك في إجراءات الحكومة، وقبل كل شيء أن تقدم بديلاً عن العدوان على جنين وغزة، لكن لم يحدث أيّ من ذلك، بل إن التحالف زاد قوة. والغريب أن هذه الطقوس المحبطة تكرر نفسها منذ سنوات عديدة، لأنه بالعودة إلى التاريخ القديم، فقد شهد العام 1992 هجوما فلسطينيا في مدينة بات يام، ما عزّز الغضب ضد حكومة الليكود، وساهم في فوز رابين في الانتخابات التي أجريت في ذات العام".
وأشار إلى أنه "من الصعب الإشارة إلى حالة واحدة سيطرت فيها الأجندة الأمنية والصراعات العسكرية بين إسرائيل والفلسطينيين لم تسهم بشكل مباشر في تعزيز القوة السياسية لليمين. رأينا ذلك في عام 1988، مع هجوم أريحا الذي ساهم في اللحظة الأخيرة في انتصار الليكود، وفي عام 1996 باغتيال "المهندس" يحيى عياش، ما أدى لموجة الاعتداءات التي أطلقها نتنياهو، وعملية "عناقيد الغضب" في لبنان، التي انتهت بكارثة في كفر قانا، وفي عام 2000 مع إعلان إيهود باراك أنه "لا شريك فلسطينيا"، مع اندلاع الانتفاضة الثانية التي أدت لسقوط باراك، وانتصار شارون الكاسح".
وأكد أنه "في عام 2009، بعد حرب لبنان الثانية وعملية "الرصاص المصبوب" في غزة، تسببت خيبة الأمل الإسرائيلية في إعادة نتنياهو للسلطة، وفي عام 2014 سخّر نتنياهو عملية الجرف الصامد في غزة لإحياء الشعور القومي لقمع نفتالي بينيت، وتحقيق انتصار مفاجئ على هرتسوغ وليفني. وفي عام 2021 أشعلت الاشتباكات التي اندلعت في المدن الفلسطينية المحتلة أثناء عملية "حارس الأسوار" المشاعر القومية اليهودية، وضمنت فوز نتنياهو وبن غفير في انتخابات 2022".
وأشار إلى أن "المشترك سياسيًا في كل هذه الأحداث أن اليسار لعب دورًا نشطًا في بدء ممارسة القوة العسكرية، أو إشراكها، أو دعمها من الخارج، فيما يحصد اليمين الغنائم السياسية، ويصبح أقوى وأقوى، لأنه حشد النظام السياسي بأكمله لإقناع الجمهور الإسرائيلي بأن الحل الوحيد مع الفلسطينيين هو القوة، وأنه لا يوجد شريك بينهم للتحدث معه، وأنهم لا يستحقون أن يعاملوا معاملة الإنسان، بزعم أنهم جميعهم إرهابيون، والغريب أن الجمهور الإسرائيلي يشتري هذه البضاعة، ويفضّل اليمين على اليسار".
وأوضح أن "العدوانات الأخيرة في غزة وجنين جعلت العبثية الإسرائيلية أكثر بروزاً من أي وقت مضى، لأن اليمين المتطرف بقيادة سموتريتش وبن غفير دفع إليها، وشجعها، رغم أن مساهمتهم الاستراتيجية في الوضع الأمني والسياسي للدولة معدومة. لكن نتنياهو لم يعد رئيس الوزراء المتوازن، الذي يمتنع عن استخدام القوة، بل إنه يعمل على إرضاء شركائه، والغريب أنه حتى عندما يتم رسم العمليات بألوان سياسية زاهية للصهيونية الدينية والعصبة اليهودية، يواصل قادة يسار الوسط دعمهم بحماس".
الخلاصة الإسرائيلية أن استمرار الخطاب العام في إملائه من قبل اليمين، ومن قبله وحده، فإنه بطبيعة الحال من يجني الثمار في اليوم التالي للعدوان، أما السياسيون والاستراتيجيون في معسكر يسار الوسط، ممن خسروا العملية السياسية منذ عقود، فإنهم مستمرون في التمسك بنفس الصيغة الفاشلة، رغم أن انخفاض نسبتهم في استطلاعات الرأي تبدو أكبر، ما يكشف عن مزيد من الانهزامية والخوف، وباتت تستوعب نزع الشرعية عنهم، لأنه إذا كانت الأجندة الأمنية لليمين المتطرف ستحظى على أي حال بدعم يسار الوسط، فلماذا يحتاج الإسرائيليون للمعارضة؟
تخوف من تصاعد قوة حماس
في سياق متصل، وبعد أيام من انتهاء عدوان جنين، تزداد التقديرات بأن حركة حماس أعلنت الحرب على المستوطنات والمستوطنين، ودعت الفلسطينيين لمهاجمتهم في كل مكان بالضفة الغربية، في ضوء المخاوف من تصاعد قوة حماس، وتزايد الأصوات في جهاز الأمن الإسرائيلي المطالبة بجباية ثمن باهظ منها، في ضوء نواياها شنّ حرب استنزاف ضد المستوطنات والمستوطنين من خلال الهجمات المسلحة، وإلحاق الضرر بالبنية التحتية للمستوطنات.
يوني بن مناحيم الضابط السابق في جهاز الاستخبارات العسكرية- أمان، زعم أن "العمليات الاخيرة لحماس في الضفة الغربية تأتي بهدف زعزعة المشروع الاستيطاني، ويبدو أنها تخطط لها بشكل جيد منذ فترة طويلة، وجاء إعلان جناحها العسكري مسؤوليته عن الهجمات كخطوة غير عادية، لأنها عادة ما تحافظ على السرية، ولا تتحمل المسؤولية عنها، لكن تقدير حماس أن الجيش الإسرائيلي ضعف في الضفة الغربية، خاصة في شمالها، وقد حان الوقت لإشعال انتفاضة مسلحة فيها".
وأضاف في
مقال نشره موقع زمن إسرائيل، وترجمته "عربي21" أن "عمليات حماس تركّز على استهداف المستوطنات من أجل وقف استمرار البناء فيها، وحمل المستوطنين على مغادرتها، والانتقال للعيش داخل الخط الأخضر، دون أن تفرض إسرائيل ثمنًا على قيادة حماس في غزة التي تدير خلايا مسلحة في الضفة الغربية، ونظام تحريض مكثف في وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية، وتتزايد الأصوات في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لتغيير الاستراتيجية ضد حماس، وتحصيل ثمن منها في غزة".
وأشار إلى أن "سلطات الاحتلال مطالبة بأن تقوم بعمليات على الأرض ضد البنية التحتية لحماس في الضفة الغربية من أجل إضعافها، لمساعدة السلطة الفلسطينية وإسرائيل، مع العلم أن الحركة بجانب عملها العسكري، فهي أيضًا منظمة اجتماعية، ولديها بنية تحتية مدنية".
عامي روحكس دومبا المراسل العسكري لموقع يسرائيل ديفينس، أكد أن "إسرائيل تخشى صعود حماس، وتلقي بشريان الحياة للسلطة الفلسطينية، لأن القناعة الإسرائيلية أن سلطة فاسدة ومختلة في الضفة الغربية أفضل من حماس، وهذه الروح السائدة بين صناع القرار في إسرائيل منذ عقود، واليوم لا يوجد شيء مختلف في قرار حكومة نتنياهو، التي وافقت بعد أيام قليلة من العدوان على مخيم جنين على مزايا اقتصادية للسلطة الفلسطينية، وتشمل تطوير حقل غاز أمام غزة، وإقامة مناطق صناعية، وتوسيع جسر اللنبي، ومزايا ضريبية".
وأضاف في
مقال ترجمته "عربي21" أن "الدعم الاسرائيلي للسلطة، وفي الوقت ذاته ملاحقة حماس، يأتي بعد أن حذر الشاباك من أن السلطة تواجه الانهيار، ولذلك ستعمل إسرائيل على منع انهيارها، مع دفع مطالبتها بوقف أنشطتها ضدها في الساحة القانونية والسياسية الدولية، والتحريض في وسائل الإعلام والتعليم، ووقف دفع رواتب الأسرى، والبناء في المنطقة "ج".
واستدرك بالقول إنه "لا يوجد عمليا ما ينقذ السلطة، لأن سيطرتها خارج حدود رام الله معدومة، والعمليات العسكرية في الضفة نفذت من قبل الجيش والشاباك لعدة أشهر بدلاً من قوات السلطة، وواضح للجميع أن الاختبار الحقيقي سيكون عندما يختفي أبو مازن من الساحة السياسية، وحتى ذلك الحين يمكن لإسرائيل تأجيل موعد سيطرة حماس على الضفة الغربية، لأنها تخشى، وهي محقة في ذلك، أن تنقل حماس صواريخها من غزة للضفة".
وختم بالقول إن "السلطة تحاول إعادة سيطرتها على مخيم جنين، دون نجاح، لأنها لا تنوي الدخول في مواجهة أمامية مع حماس، وفي الختام فإن إسرائيل في قرارها إنقاذ السلطة تواصل روح قيادة "فرق تسد" بين غزة والضفة، والشيء الرئيسي لديها هو تأجيل صعود حماس إلى السلطة".
تكشف هذه الشهادات الإسرائيلية أنه في غياب حلّ لدى الاحتلال لموجة العمليات الفدائية، وفي ظل عدم قدرته على كبح جماحها في الضفة الغربية، فإن تخوفه يكمن في إمكانية انتشار نموذج هذا المخيم كقرية محصنة إلى تجمعات فلسطينية أخرى، ما سيعيق عمل جيش الاحتلال فيها، ويفرض عليه تحدّياَ من نوع جديد، في ضوء تصاعد قوى المقاومة، وفي الوقت ذاته تراجع تأثير السلطة الفلسطينية.