ساعة
بعد ساعة، تتكشف المزيد من التفاصيل حول العدوان الإسرائيلي الجاري على مخيم
جنين،
وأهمها أن العملية كان مخطط لها بالاستخبارات منذ عام مضى، لكنها انطلقت عندما جاءت
الظروف مهيأة، وفق مزاعم جيش
الاحتلال، مع توفر عدد كاف من القوات الخاصة، وطقس
مناسب، مع تقدير بأن الجيش يحاول "سحب" المقاومين من مخابئهم في عمق
المخيم.
رون
بن يشاي كبير الخبراء العسكريين في صحيفة يديعوت أحرونوت، قال إن "العدوان الجاري
على جنين يهدف إلى توجيه ضربة لكبار مسؤولي المقاومة، ومن المتوقع أن تستمر هذه العملية
المستهدفة بالقدر المطلوب، اعتمادًا على الإنجازات التي ستتحقق، خاصة أنه في جنين
توجد عدة مراكز لحماس والجهاد الإسلامي وفتح، مع وجود مراكز فرعية، لكن الصعوبة
الرئيسية الآن أمام الجيش أن المسلحين يتمركزون في أماكن في عمق المخيم، ولا ينكشفون
لمواجهة القوات علانية، ولعل هذا هو السبب في عدم وجود اشتباكات حتى الآن".
وأضاف
في
مقال ترجمته "عربي21" أنه "رغم استيلاء
الجيش على جزء كبير من المتفجرات التي أعدها المقاومون في المخيم، فإنه يسعى
لإخراجهم من أماكنهم، مع توقع أن يتم الجزء الصعب نسبيًا من العملية خلال ساعات
قليلة على الأقل، لا سيما أن الجيش يعمل وفق طريقة "التحفيز ورد الفعل"،
للحصول على أكبر عدد ممكن من المقاومين لمواجهة القوات أو الاستسلام، بعدم السماح
لهم بمسارات الهروب، ومنعهم من ترسيخ وجودهم في أماكن أخرى في الضفة
الغربية".
وأشار إلى "محاولات الحكومة تبرير توقيت العدوان ضد جنين، لكن الجمهور الاسرائيلي قد
يدّعي أنها انطلقت لصرف الأنظار عن يوم تعطيل الاحتجاج على الانقلاب القانوني، لكن
تقرر شن العملية على أي حال بسبب الظروف المفصلة سابقاً، حيث كان المقامون يستعدون
منذ فترة طويلة لعملية كبيرة للجيش في المخيم، وقاموا بإعداد حواجز حديدية وعوائق على
الطرق، ووضعوا عبوات ناسفة كبيرة على الطرق، وقدّروا أن القوات ستمرّ في عربات
مدرعة، مع توفر عنصر آخر في خطتهم الدفاعية هو نظام الإنذار، بالملاحظات والرسائل
من السكان على مواقع التواصل، بمجرد أن يلاحظوا تحركات قوات الجيش".
آفي
يسسخاروف محلل الشؤون العربية بصحيفة يديعوت أحرونوت، اعترف بأن العدوان الجاري على
جنين، حتى لو جاء عبر عملية عسكرية واسعة النطاق، فإنها لن توفر سوى رد مؤقت على
سلسلة الهجمات
الفلسطينية ضد الاحتلال، ولذلك فمن المشكوك فيه ما إذا كانت عملية
كبيرة في جنين ستوفر إجابة حقيقية للتحديات الأمنية الناشئة في القطاعات الشمالية
من الضفة الغربية، ربما فقط إجابة مؤقتة، ويمكن أن يستمر تطهير خلية ميدانية من المسلحين
لبضعة أسابيع أو أشهر في أحسن الأحوال".
وأضاف
في
مقال ترجمته "عربي21" أن
"التقدير السائد في هذه الساعات أن إسرائيل ستجد نفسها في غضون أسابيع قليلة
في عملية عسكرية مكثفة أخرى في جنين، وهذا في الواقع المشكلة الرئيسية التي تتزايد
مع كل يوم، بل وتتسارع، في ضوء استئناف تنفيذ هجمات في الضفة الغربية من أجل زعزعة
الأمن الاسرائيلي، من خلال تعميم الأسلحة والمتفجرات والمعلومات التكنولوجية
الخاصة بأساليب تهريب الوسائل القتالية عند الحدود اللبنانية والأردنية".
وختم
بالقول إن "التخوف الاسرائيلي يكمن من محاولة إدخال أسلحة باستخدام طائرات
بدون طيار، بوصفها أداة بسيطة نسبيًا ورخيصة، وقد تحمل أوزانًا محدودة بالفعل،
لكنها كافية لإحداث أضرار بإسرائيل، وطالما أنه لا توجد سلطة فلسطينية عاملة
يمكنها السيطرة على الواقع الميداني في جنين ونابلس، وطالما أن إسرائيل لا تريد
إعادة احتلالها، والإقامة فيها بشكل دائم، فمن المشكوك فيه أننا سنرى حلاً أمنيًا
لتحدّي المقاومة، وهي مشكلة تلوح في الأفق الإسرائيلي".
إرباك سياسي ودبلوماسي
في سياق متصل، كشف إيتمار
آيخنر المراسل السياسي لصحيفة يديعوت أحرونوت، أن "دولة الاحتلال عاشت حالة
من الارتباك حين قررت في المرحلة الأولى من العدوان على جنين عدم تسميته بـ"العملية"،
حتى سارع المتحدث باسم الجيش دانيال حاغاري لوصفها بـ"العملية المستهدفة"،
ربما لسبب أكثر أهمية هو إرسال رسالة لغزة ولبنان، بأن العملية ليست موجهة ضدهم،
ولن تمتد لساحات أخرى، والسعي الإسرائيلي يسعى لإبقائهما خارج دائرة التصعيد، بالزعم
أن هذه "ليست عملية، بل غارة واسعة النطاق"، وفقا لما جاء على لسان مسؤول
أمني كبير.
وأضاف
في
تقرير ترجمته "عربي21" أن
"الانطباع السائد في المحافل السياسية أننا لسنا أمام سور واق جديدة، الواقع
مختلف اليوم، إنها ليست حتى عملية، حتى إنه لم تتم الموافقة عليها من مجلس الوزراء،
لأن العملية على هذا المستوى لا يمكن أن تؤدي لاندلاع الحرب، ولذلك مثلا جاء في
الإعلان الأول للعدوان نيابة عن الجيش والشاباك أنه تم تحديد "نشاط
مشترك" فقط، ثم جاء إصدار إعلان رسمي لاحقًا عن "عملية محددة
وموجهة"، ثم "نشاط عملياتي" فيما بعد، حتى وصل الإرباك ذروته في اختيار
اسم للعدوان "منزل وحديقة".
وأوضح
أن "المؤسسة الإعلامية في ديوان رئاسة الوزراء وزعت على مختلف الوزراء
والهيئات الإعلامية مفردة "العملية في جنين"، لكن التفاصيل جاء فيها أن
القوات الأمنية تعمل خلال هذه الساعات بشكل مكثف لإحباط النشاط المسلح في منطقة
جنين، حتى إن كبار سفراء الاحتلال حول العالم غردوا برسائلهم باللغة الإنجليزية بأن
الحديث يدور عن أنه "عملية".
وأكد
أن الإرباك سرى على تصريحات الوزراء، ففيما أعلن رئيس الكنيست أمير أوحانا أننا
"نضرب أعشاش العنف بقوة في الزمان والمكان المناسبين"، فإن وزير الأمن
القومي إيتمار بن غفير امتنع عن التصريح بأنه فخور بالجنود "العاملين في
جنين"، وجاء مفاجئا أن غلعاد إردان سفير الاحتلال في الأمم المتحدة لم يعقب
على الإطلاق على العملية، فيما زعم عضو المجلس الوزاري المصغر للشئون الأمنية
والسياسية يسرائيل كاتس أنه "إذا لم يسيطر الجيش على جنين، فستكون هناك
بالفعل أنفاق وصواريخ"، وتحدثت عضو الكنيست ليمور سون هار-ملك عن أن
"إسرائيل لا تستطيع أن تتحمل غزة 2".
فيما قال إيتمار
آيخنر إن "وزارة الخارجية تراقب
ردود الفعل العالمية للعدوان الجاري على جنين، زاعمة أنه لا يوجد ضغط سياسي، لكن
المفهوم أن الساعة الرملية السياسية محدودة للغاية في الوقت الحالي، وكلما طالت
العملية، ازدادت الانتقادات الموجهة لإسرائيل، وبالتأكيد فإنه إذا كان هناك ضرر لمن لم
يشاركوا فيها من المدنيين الفلسطينيين، ما يعني أن الوقت الذي خصصته إسرائيل
للعملية محدود للغاية، انطلاقا من فهمها أن نطاق الشرعية الدولية لها للعمل ضد المقاومة
الفلسطينية محدود".
وأضاف
في
تقرير ترجمته "عربي21" أن
"التخوف من ردود الفعل الدولية يتزامن مع مزاعم الاحتلال حول الدعم الأمريكي للعدوان،
خاصة أنه أبلغ واشنطن بنواياه تنفيذ عملية مكثفة، وقدمت لها معلومات حول تحول
جنين إلى ملاذ للمقاومين، رغم أن الاحتلال لا يريد إطالة العملية بما يتجاوز
الحاجة، وحاجتها الملحة لأن تكون قصيرة ومركزة، ما دفع وزير الخارجية إيلي كوهين للحديث
أمام الصحفيين الأجانب أنه "بعد عام قُتل فيه عشرات الإسرائيليين في هجمات مسلحة،
شرعنا في ضرب أعشاش المسلحين في جنين بالقوة، الذين يهدفون لقتل اليهود، وزعزعة
استقرار المنطقة".
الاحتلال غير واثق
بحسب إيتمار
آيخنر فإن الاحتلال الإسرائيلي غير واثق من تبريراته أمام المحافل الدولية للعدوان على جنين، كما أنه غير متأكد من نجاح الهجوم.
وقال إننا "لسنا أمام غارة عادية
على جنين، بل هو تحرك عسكري تتغلغل فيه قوة ما في مناطق معادية، ويبدو أنها إقامة
عملياتية في منطقة القتال، من خلال بدء ألف جندي من لواء الكوماندوز وطرادات
المشاة في الجيش يومهم الثاني في جنين، ناقلا عن قائد المنطقة الوسطى يهودا فوكس قوله: "لا أعرف كم ستستمر العملية، وإذا علمت فلن أقول"، في غضون ذلك يستمر
القتال، رغم وجود نقطة ضعف عملياتية بسبب حقيقة أن مئات الجنود يعملون في وقت واحد،
وفي منطقة مزدحمة".
وأضاف
في
تقرير ترجمته "عربي21" أنه "حتى
لو غادر الجنود جنين، وانتهت العملية، فإن المؤسسة الأمنية لا تستبعد العودة لعمليات
مماثلة في المستقبل، رغم أن هذه أول جولة قتال فعلية وممتدة في الضفة الغربية على
غرار الجولات في قطاع غزة، وقد تم إعداد العملية لتحقيق إنجازات قابلة للقياس مثل
اعتقال مطلوبين، وتفكيك البنية التحتية للمقاومة، والوصول إلى مختبرات المتفجرات،
وزيادة حرية العمل العملياتي للجيش، وتطهير "فخاخ الموت"، مع توفر المزيد
من بنك الأهداف التي يريد الجيش تحقيقها".
ونقل
عن "مسؤولين كبار أن القرار مستمر حاليا دون تجاهل الإمكانات السلبية التي
يحملها استمرار العملية، مثل إلحاق الضرر بالبنية التحتية، وإضعاف السلطة الفلسطينية،
رغم أنه من مصلحة الاحتلال تقوية السلطة، ولذلك يأمل أن تسمح الظروف بعد العدوان
للأجهزة الأمنية الفلسطينية بالعودة للعمل في جنين، صحيح أن أبا مازن أعلن عن وقف
التنسيق الأمني، لكن هذا غير صحيح، لأنها ليست المرة الأولى التي يعلن فيها عن ذلك،
وهذا أحد العوامل المؤثرة في اتخاذ قرار مواصلة العملية، لأن إسرائيل غير معنية
بإسقاط السلطة".
وذكر أن كبار الضباط يعتقدون أن "جنين منخرطة في تصدير العمليات الدامية من خلال المسلحين،
وإذا لم نصل إليهم في المخيم فسنلتقي بهم في المرحلة الأولى ضد الجيش، وفي المرحلة
الثانية في المستوطنات، وفي المرحلة الثالثة عند الحواجز العسكرية، وفي المرحلة
الرابعة في العفولة وتل أبيب، كما أنه يرسل الاحتلال رسائل واضحة إلى لبنان وغزة مفادها
أن العملية محصورة في جنين".
بدوره، قال يوسي
يهوشاع الخبير العسكري بصحيفة يديعوت أحرونوت، إن "دخول العدوان على جنين
يومه الثاني يؤكد أنه لمنع المقاومة المنطلقة من المخيم، فمن المستحيل الاكتفاء
بعملية واحدة، مع أن الجيش سبق له أن نفذ مزيدا من الحشود العسكرية السابقة، واستمرت
لأشهر، في مقارنة مع عملية السور الواقي من الانتفاضة الثانية، مع أن تطور
العمليات الفدائية جاءت نتيجة لضعف وعدم سيطرة السلطة، ما يفسح المجال لانتقاد
السياسة الإسرائيلية التي حوّلت المخيم إلى وجهة محصنة، تجتذب المسلحين، ومخزونات
الأسلحة، وتحظى بدعم من المنظمات الفلسطينية".
وأضاف
في
تقرير ترجمته "عربي21" أن
"العدوان الاسرائيلي على جنين جاء عقب سلسلة من الهجمات المسلحة، بشكل رئيسي إطلاق
النار التي أودت بحياة عشرات الإسرائيليين، وهذا واقع لا يمكن لإسرائيل قبوله،
وقدرت المؤسسة الأمنية أنه عندما اجتاحت القوات المخيم فستكون كمية كبيرة من
الذخيرة المختلفة، وإطلاق الصواريخ، لكننا لم نر كميات غير معتادة من مضادات الطائرات،
أو أسلحة تخرق المعادلة، وسيكون مرضياً أن ينهي الجيش هذه العملية بدون خسائر
لقواته، رغم القناعة بأن عملية واحدة، مهما نجحت، لن تقلب مخيم جنين إلى واحة
هادئة، لأننا تعلمنا أن الساحة الفلسطينية بحاجة لمزيج من جهود الردع العملياتية القوية".