الدكتور
علي جمعة مفتي
مصر السابق، شخصية لا
تراعي سنها، ولا ما آتاه الله من علم، فقد ارتمى في أحضان السلطة بشكل جعله يرمي
خلف ظهره كل ما يتعلق بالعلم وسلوكياته، فلأجل تصفية خصومات شخصية، أو التقرب من
السلطة، أصبح لا مانع لديه من استمراء عدم الدقة وربما الافتراء على خصوم هذه
السلطة.
على مدار ما يقرب من الساعتين، في لقاء إعلامي
مع محمد الباز، ظل يكيل الاتهامات لكل معارض للسيسي وانقلابه العسكري، فلأجل تمجيد
الانقلاب الذي تم في الثالث من تموز/ يوليو سنة 2013م، وما سبقه من تظاهرات
مدعومة مخابراتيا، ومدعومة ماليا من الخليج، ظل لساعتين يدعي على الرئيس الشهيد
محمد مرسي رحمه الله، وعلى السفير الشريف محمد رفاعة الطهطاوي فك الله أسره، وعلى
العلامة الدكتور يوسف القرضاوي رحمه الله.
لقد اختلق علي جمعة تخيلات كي يمتدح السيسي،
ويذم مرسي، فادعى أن مرسي اتصل به كي يصلي معه الجمعة في الجامع الأزهر، ولما ذهب
جمعة، أجلسه مرسي عن يمينه، وأجلس شيخ الأزهر عن شماله، وأن ذلك يدل على أن مرسي
والإخوان لا يعلمون كيف تدار الدول، ولا مقام الناس، فشيخ الأزهر هو شيخ الإسلام.
ثم ادعى أن مرسي أخبره أنه يستجيب لأي نصح منه،
وعليه الاتصال به، فطلب جمعة رقم هاتفه، فأعطاه محمد رفاعة الطهطاوي الرقم خطأ عن
عمد، ثم جاءه طرد من خارج مصر، مكتوب عليه: دار الإفتاء المصرية، وبين قوسين (رئاسة الجمهورية)، وأنه اتصل بالرقم فوجده خطأ، فاتصل بالأرقام القديمة التي عنده
بقصر عابدين، فكلم الطهطاوي، وأخبره بأن الطرد لهم فعلا.
سأله الباز: ألم تعرف من أين؟ قال: ليس
مكتوبا عليه، وسأله: ألم تفتحه، أو يدعوك الفضول لذلك؟ قال: لا، وأنه التقى بعد
ذلك بمدة بالطهطاوي في سحور سلاح (الصاعقة) في الجيش المصري، وقال له: هل وصلكم
الطرد؟ قال: نعم، قال جمعة: لم يشكروني، ولما جاء ذكر مرسي، قال جمعة: إنه لا
يترحم عليه، إلا بعد أن ترحم عليه السيسي، لأن مرسي منضم لجماعة، وهو ابتداع، وضد
وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قديما قالوا: إذا كنت كذوبا، فكن ذكورا. لأن
الكذب يحتاج أن تكون صاحب ذاكرة قوية، وكلام جمعة من أوله لآخره، افتراء وكذب
تماما، بل زاد بالكذب على الشرع نفسه في قضية الترحم على مرسي، والأمر من أيسر ما
يكون أن يراجعه الناس فيثبتون عدم صحته.
إن الخطبة التي حضرها علي جمعة مع مرسي،
كانت بتاريخ 29 رمضان سنة 1433هـ ـ 17 أغسطس سنة 2012م، أي أن الخطبة كانت في آخر
يوم في رمضان، وقد التقى بعدها بمدة بالطهطاوي في سحور رمضان، أي في رمضان الذي
يليه، ومن الثابت تاريخيا وواقعيا، أن مرسي لم يحكم سوى رمضان واحد، ورمضان الذي
يليه كان مرسي والطهطاوي في السجن، فقد قام الانقلاب قبل رمضان بأيام، فهل التقاه
جمعة في السجن، أم التقاه في منام خادع، أم في واقع يدعيه خيالا؟!
ثم كيف لرئاسة الجمهورية حين يأتيها طرد من
خارج مصر أن ترسله لدار الإفتاء؟ فلو أرادته من خارج مصر لدخل عن طريق الحقيبة
الدبلوماسية، ولو من الداخل فما الحاجة لإرساله لدار الإفتاء، ثم كيف يأتي طرد من
خارج مصر، وعن طريق البريد الرسمي، دون أن يكتب عليه من خارجه مصدر الطرد، إنه
كلام مصاطب ليس له هدف سوى الإساءة والكذب على مرسي والطهطاوي.
فلو كان الكلام نابعا من علي جمعة من باب
غيرته على الأزهر وشيخه، فما رأيه حين ذهب السيسي لصلاة الجمعة في سنة 2016م، وكان
شيخ الأزهر جالسا عن يمينه، وصدقي صبحي وزير الدفاع آنذاك عن شماله، فجاء حرس
السيسي وأزاحوا شيخ الأزهر، وجلسوا بينه والسيسي، أليست هذه إهانة بالغة، وبخاصة
أن حرس السيسي لم يجلس بينه وصدقي صبحي؟!
ألا يسمع ويرى علي جمعة بنفسه إعلام
الانقلاب وهو يهين الأزهر مؤسسة ومشيخة، قولا وفعلا، بل آخر مشروع افتتحه السيسي
قدم مستشاره الديني الدكتور أسامة الأزهري، ولم يأت شيخ الأزهر إلا متأخرا، ولم
يسلم عليه السيسي، في مشهد لا يخلو من سوء معاملة، وهو مشهد متكرر، لو كان كلام
جمعة دفاعا عن الأزهر، وتقييما لمن يحكم، فالسيسي أكثر أهل السلطة إساءة للأزهر
شيخا ومؤسسة.
ثم بلغ توقح علي جمعة أنه لم يكتف بالتدليس
على الناس، بل تمادى بالافتراء على الشرع، فادعى أنه لم يكن ليترحم على مرسي لولا
أن السيسي يترحم عليه، وكأن السيسي من مصادر التشريع الإسلامي، وحاول أن يبني ذلك على
كلام ينسبه للشرع، فازداد كذبا وتناقضا، بأن مرسي انضم لجماعة، والنبي صلى الله
عليه وسلم ينهانا عن ذلك.
وجمعة يعلم علم اليقين، أن الانضمام لأي عمل
جماعة كانت، أو مذهب، أو طريقة صوفية، أو جمعية، هو وسيلة، والوسيلة تأخذ حكم
المقصد الذي تسعى إليه، والعجيب أن جمعة نفسه ينضوي تحت لواء طريقة صوفية، وليس
عضوا عاديا، بل شيخ طريقة، وهو نفس الحكم الذي يسري على حكم الانضمام لجماعات.
ادعاءات علي جمعة واضحة، بأنها غيرة من كل صاحب موقف رجولي، لأن مواقفهم تكشف أمثاله، فالحقد على مرسي، لأنه لم يمد له الخدمة في الإفتاء، وأنى لمرسي ذلك، فجمعة رجل مبارك وأجهزته الأمنية، وعدو ثورة يناير، ولولا ثورة يناير ما كان لمرسي أن يكون رئيسا، ثم إن ملفات جمعة التي خرجت من مقر أمن الدولة، وكلها لا تليق برجل في منصبه سلوكا، لا يمكن أن يمدد له بها.
والأعجب أن علي جمعة الذي أراد بكلامه نزع
الرضا الشرعي عن الإخوان، يحاول أن يخفي تاريخ علاقته بالجماعة، فأول كتاب علمي
قام به، كان تحقيقا لكتاب: شهيد المحراب عمر بن الخطاب، للأستاذ عمر التلمساني،
مرشد الإخوان الثالث، والرجل ليس عالما شرعيا مشهورا بذلك، أي أنه لا يوجد في
كتابه ما يغري بالتحقيق، ولكن جمعة قام بتحقيقه.
بل ما لا يعلمه الكثيرون أن علي جمعة متزوج
بابنة الشيخ علي إسماعيل، أخو الشيخ عبد الفتاح إسماعيل، أي أن عم زوجته هو أحد من
قام نظام عبد الناصر بإعدامه مع الأستاذ سيد قطب، وهو من قام بإحياء التنظيم فترة
وجود الإخوان في السجن، فهل منع والد زوجته، أو زوجته من الترحم على عمها، عملا
بفتواه في مرسي، أم أنه استفتى السيسي في الأمر، فأفتاه بجواز ترحم زوجته على
عمها؟!
ادعاءات علي جمعة واضحة، بأنها غيرة من كل
صاحب موقف رجولي، لأن مواقفهم تكشف أمثاله، فالحقد على مرسي، لأنه لم يمد له
الخدمة في الإفتاء، وأنى لمرسي ذلك، فجمعة رجل مبارك وأجهزته الأمنية، وعدو ثورة
يناير، ولولا ثورة يناير ما كان لمرسي أن يكون رئيسا، ثم إن ملفات جمعة التي خرجت
من مقر أمن الدولة، وكلها لا تليق برجل في منصبه سلوكا، لا يمكن أن يمدد له بها.
وحقده على الطهطاوي، أنه رجل صاحب موقف، كان يستطيع أن يخرج إلى بيته معززا مكرما،
لو أراد، لكنه أبى أن يدخل مع مرسي القصر، فيتركه في السجن.
مشكلة علي جمعة أن ادعاءاته مكشوفة، وبينة
وواضحة لكل ذي عقل، فهو يتحدث بعدم الدقة عن تاريخ عاشه الناس، وعاينوه يوما بيوم،
ومهما حاول إعلام السيسي تجميله، فلا يزيده ذلك إلا كشفا وخزيا بين الناس، وحسابا
ثقيلا عند رب الناس.