القضية التي أحيلت أوراقها إلى المفتي هي نموذج للمحاكمات الصورية الانتقامية من الخصوم السياسيين، ومعاقبة الضحايا مع ترك الجناة بل وتكريمهم. فأحداث المنصة التي وقعت عقب 3 أسابيع من الانقلاب العسكري، كانت بدايتها بمحاولة رجال الشرطة مدعومين بمليشيات ترتدي ملابس مدنية للاعتداء على المعتصمين السلميين في ميدان رابعة، وقد تصدى لهم المعتصمونوهذه القضية مثل العديد من القضايا التي سبقتها هي محض انتقام سياسي للنظام من خصومه ومعارضيه، وقد سبق للنظام المصري تنفيذ الإعدام بحق 105 مواطنين، في حين يوجد 95 آخرون صدرت بحقهم أحكام إعدام نهائية وينتظرون التنفيذ في أي لحظة، ناهيك عن مئات الأحكام غير النهائية الأخرى، بما يجعل مصر تتصدر عالميا في أحكام الإعدام وتنفيذها، بينما يتجه العالم إلى إلغاء عقوبة الإعدام حماية لأرواح قد تُزهق بأحكام خاطئة لا يمكن استدراكها بعد التنفيذ.
لم تمر خطوات التنفيس التي ذكرناها بسلام، إذ تصدى لها جهاز الأمن الوطني فأفرغها جميعا من مضمونها، بدءا باستراتيجية حقوق الإنسان التي ظلت محض حبر على ورق، ثم لجنة العفو الرئاسي التي لم تفرج إلا عن أعداد محدودة جدا، بينما كانت هناك اتفاقات بين القوى السياسية والمخابرات العامة على قوائم لأعداد كبيرة تجاوزت الألف في إحداهاوقد حرص هذا الجهاز أيضا على إفشال ما يسمى بالحوار الوطني رغم أنه يجري بين معسكر 30 يونيو فقط، وكان من علامات ذلك رفض الإفراج عن رموز وكوادر الأحزاب المشاركة في الحوار (وقد كان الإفراج شرطا مسبقا لهم للمشاركة في الحوار)، بل لم يقتصر الأمر على ذلك، إذ عمد هذا الجهاز إلى اعتقال المزيد خلال فترة الحوار الوطني، وفي يوم انطلاق جلسته الافتتاحية تم اعتقال أحد الصحفيين في تحدٍّ ظاهر، وهو ما استوجب ردود فعل معاكسة من الطرف الآخر، ومن نقابة الصحفيين، أسفرت في النهاية عن إطلاق الصحفي في نفس اليوم وقبل بدء جلسة الحوار تجنبا لتهديد نقابة الصحفيين بعدم المشاركة. ثم كان هذا المظهر الأخير الخاص بالإعدامات، إذ نجح فريق التهدئة في وقف صدور أحكام جديدة على مدار أكثر من عام، لكن الأمن الوطني تمكن أخيرا من قطع ذلك الطريق بهذه الأحكام الجديدة.
من المفترض نظريا أن ينحاز السيسي إلى موقف المخابرات التي يجلس على رأسها صديقه الحميم اللواء عباس كامل، والتي تعتقد أن قدرا قليلا من التهدئة، وانتخابات رئاسية أقل فجاجة في العام المقبل؛ هي أمور ضرورية لبقاء النظام، لكنه -أي السيسي- ينحاز عمليا في الغالب إلى رؤى الأمن الوطني الأكثر تشددا واحترازامن المفترض نظريا أن ينحاز السيسي إلى موقف المخابرات التي يجلس على رأسها صديقه الحميم اللواء عباس كامل، والتي تعتقد أن قدرا قليلا من التهدئة، وانتخابات رئاسية أقل فجاجة في العام المقبل؛ هي أمور ضرورية لبقاء النظام، لكنه -أي السيسي- ينحاز عمليا في الغالب إلى رؤى الأمن الوطني الأكثر تشددا واحترازا، ذلك بحكم ما يسكنه هو شخصيا من هواجس يغذيها جهاز الأمن الوطني نفسه.
العسكر والإخوان.. قتلوا أبناءهم ثم أحالوهم للمفتي!!
العشرية السوداء.. الفنكوش والفناكيش ودولة مفيش (19)
العشرية السوداء.. عندما صرخ الجنرال في قومه "أنا مش سياسي" (18)