كتاب عربي 21

غادة والي.. هل دخل الفنان الروسي "سوق الحرامية"؟!

- تويتر
مشهد في مقابلة الشابة "غادة والي" ذكّرني بواقعة عمرها أكثر من 35 عاماً، وذلك عندما طرح عليها "عمرو أديب" الاتهام بأنها سرقت رسومات للفنان الروسي جورج كوراسوف، فقالت إنهما نقلا عن مصدر واحد هو الحضارة الفرعونية!

كنت في بداية حياتي الصحفية، وكان رئيس التحرير الأستاذ وحيد غازي، رحمه الله، يتلذذ بتسفيه أفكار الجميع إلا واحداً من الزملاء، وذلك في الاجتماع اليومي كل صباح، وعندما تذكرت الموقف الآن، وفكرت في أسبابه، تذكرت أسباباً كانت خافية علينا وقتئذ، وهي أننا استقبلنا تعيينه رئيساً للتحرير بحركة تمرد، وكان قرارنا لا بد من إفشاله، بعدم تقديم مواد صحفية للنشر، وذهبنا للكاتب الكبير مصطفى أمين في مكتبه، وعرضنا عليه موقفنا، فحذرنا من مغبة ذلك، فلا يوجد صحيفة لم تصدر ذات صباح لأن المحررين امتنعوا عن تقديم المواد الصحفية، ومما قاله إن الإضراب قد يربك رئيس تحريرنا في البداية، لكن إذا صدر عدد بدوننا فسوف يستمرئ الأمر. ولم يكن الكلام على هوانا، فخرجنا من عنده نقول: كبر الرجل وأصابه الخرف.

بيد أننا، ومع الأيام، تأكدنا من أهمية فارق الخبرة فقد فشلت الخطة، وقررنا العمل، لكن رئيس التحرير قرر أن يخضعنا للتأديب بعض الوقت، وكان قد دأب على تسفيه الأفكار المطروحة منا، ودائماً ما يقول إن هذه الفكرة تصلح لـ"المسا"، يقصد جريدة "المساء"، ليعني قوله أنها فكرة خفيفة لا تصلح للنشر في صحيفتنا. وهذا طبيعي لأنه قادم من ذات المؤسسة التي تصدر "المساء"؛ إذ كان يشغل موقع رئيس قسم التحقيقات بجريدة "الجمهورية" التي تصدر من مؤسسة دار التحرير الصحفية.

أحدنا كان يوفر عليه الأستاذ وحيد عناء تكرار نفس السبب، فكانت لديه لزمة: "هو كان فيه موضوع.."، فيقاطعه قبل أن يكمل: ما دام (كان) فلماذا نعمله الآن؟! وهكذا، وذات صباح حدثت مفاجأة من زميل انقطعت صلته بالصحافة بعد هذا الموقف!

فبعد أن عرض فكرته، كان تعليق رئيس التحرير مختلفاً:

- هذا الموضوع نشر في مجلة روزا اليوسف!

ليكون الرد الصدمة من قبل الزميل:

- لا، لقد نشر في مجلة أكتوبر!

وأدهشنا الاعتراف، فرانَ الصمتُ في المكان، فحتى الأستاذ وحيد غازي، مع سرعة بديهته التي عُرف بها شاركنا الصمت، ولم يعلق، فقد كان مذهولاً، ومن شدة ذهوله أنه عندما تكلم تجاوز الموضوع، مع أنها فرصته ليصول ويجول، ويمارس عادته في السخرية والتسفيه!

حالة من الفكاهة خلّفها هذا الحوار، مع شابة مغامرة، وجدت من يحمي ظهرها، فتمادت في الأمر، وذهبت في دفاعها عن نفسها إلى حد أنها مثلت تعبيراً حياً لمقولة: "شر البلية ما يضحك"!

الاعتراف بالسرقة:

فالشابة غادة والي لم تنفِ السرقة، إنما قالت إنها والفنان الروسي نقلا عن مصدر واحد، وليس أكثر فكاهة من هذا الرد إلا قولها: ولماذا لا تقول إنهم لم يسرقوا مني؟ وذلك عندما واجهها عمرو أديب بالاتهام أنها سرقت غلاف كتاب قامت بتصميمه من أحد الأفلام، فلما أخبرها أن الفيلم كان سابقاً على كتابها قالت إنها لم تشاهده!

حالة من الفكاهة خلّفها هذا الحوار، مع شابة مغامرة، وجدت من يحمي ظهرها، فتمادت في الأمر، وذهبت في دفاعها عن نفسها إلى حد أنها مثلت تعبيراً حياً لمقولة: "شر البلية ما يضحك"!

أما أن ظهرها محمي، فلأن الدولة المصرية تعاملت معها، واشترت منها لوحات استخدمتها في مترو الأنفاق، مع أنها ليست من فناني مصر الكبار، فليست مثلاً الفنان أحمد نوار، ولا يمكن تصور أن العسكري المغامر، وزير النقل، لديه خبرة في الفن التشكيلي ليحدد جودة اللوحات المشتراة من الشابة غادة، ولماذا هي دون غيرها، ما دام القوم رأوا أن يتم استخدام لوحات فنية في المترو، تماشياً مع ذوقهم الفني الرفيع كخبراء في كل شيء!

لقد أعلن الفنان الروسي أنها لوحاته المسروقة، وكانت "فضيحة بجلاجل"، ترتب عليها أن تم رفع المسروقات من المحطات. وكان اللافت في وقت الرفع أنها ليست لوحات كما هو معلن، ولكنها لافتات بلاستيك كتلك التي تستخدم في الدعاية الانتخابية، تم لصقها على جدار إحدى محطات الخطوط الجديدة للمترو، وقيل إن المدفوع فيها هو 120 مليون جنيه، وقد أذيع نفي من غير مسؤول، فلم نسمع من السلطة المتورطة (عن جهل أو عن عمد) في هذه العملية، ما يفيد بقيمة المبلغ المدفوع، وإن كان قد تم استرداده، أم ترك للشابة غادة "عربون محبة"!

وقد سبق للسيسي أن كرّمها، وللإنصاف، فليس منطقياً أن يكون على علم بقصة حياة كل من يكرّمهم، لكن السؤال المهم هنا: من رفع اسمها للتكريم، ليضع رأس السلطة في هذا الحرج، فيتبين أنه يكرّم متهمة بالسرقة وقد صارت الفضيحة عالمية نظراً لكون أحد أطرافها الفنان الروسي؟!

إن الأمر له علاقة بالفن التشكيلي، وهو من أصعب الفنون إن لم يكن أصعبها، فهل من رفعوا اسمها للتكريم هم من أهل الاختصاص، أم أن الاختيار كان من جانب العسكر الذين يعرفون كل شيء، ولا يرون أحداً أمامهم، وإني لأغمض عيني حين أغمضها على كثير، ولكني لا أرى أحداً؟!

فإذا تجاوزنا هذه النقطة المفصلية، أفَلَيس تعدد الأجهزة الأمنية، كان يمكن من خلالها معرفة تفاصيل عنها، وهي التي سبق لزملائها في الجامعة اتهامها بسرقة أعمالهم ونسبتها لنفسها؟ والأمر ليس بسيطاً، فالأستاذة لن تكرم من جانب وزير ولكن من رأس السلطة الذي لا يجوز التعامل مع من سيلتقيهم بهذه الخفة؟!

كان أهل الحكم قد أقروا بصحة ما ذكره الفنان الروسي، وعليه قاموا برفع الملصقات، فلماذا لم تُحل واقعة التعامل معها للنيابة الإدارية؟ ولماذا لم تُحل هي للنيابة العامة بجريمة جنائية هي النصب على الدولة، والشق المالي في الموضوع هو فعل جنائي أيضاً؟!

ولعل هذا يقودنا لسؤال مهم، وهو إذا كان أهل الحكم قد أقروا بصحة ما ذكره الفنان الروسي، وعليه قاموا برفع الملصقات، فلماذا لم تُحل واقعة التعامل معها للنيابة الإدارية؟ ولماذا لم تُحل هي للنيابة العامة بجريمة جنائية هي النصب على الدولة، والشق المالي في الموضوع هو فعل جنائي أيضاً؟!

المسكوت عنه، أن هذا التكريم وهذا التعامل بالأمر المباشر، هو لأن الشابة غادة والي قريبة للوزيرة السابقة ووكيلة الأمم المتحدة غادة والي.. أيضاً، وبهذا التعامل وهذا التستر لا يمكن فهمه إلا في هذا السياق!

وإذ قالت الشابة إنها لا تمت بصلة قرابة لأحد، وليست قريبة لأي والي، فإن نشر صور لها مع الوزيرة، في مواضع مختلفة وليس صورة واحدة بوضع واحد، يحتاج إلى بيان من الوزيرة السابقة نفسها!

لكن مهما كانت قرابتها للوزيرة، فالأصل أن مقام الرئاسة أكبر من أن تسيء إليه محتالة، سبق لها أن نشرت اعترافاً بما فعلت واعتذاراً عنه، لكنها في اللقاء قالت إنها كانت مريضة، وإن من اعتذر كان شخصا غيرها، فلماذا سكتت عليه وقد منّ الله عليها بالشفاء قبل هذا اللقاء؟!

المسنودة:

هي مسنودة، لأن بلاغ الفنان الروسي لم يأخذ مجراه أمام القضاء المصري، على النحو الذي قاله عمرو أديب. فمن عطّل سير العدالة؟ ومن يحمي هذا الاحتيال إلا إذا كانت صاحبتهم مسنودة، وإلى حد أن الروسي هدد هذه المرة باللجوء للقضاء الأمريكي؟!

مصر فيها كليات عدة للفنون الجميلة بالجامعات المصرية المختلفة، وأن مصر فيها فنانون تشكيليون كبار، وفيها نقابة للتشكيليين، ومع ذلك لم تكن هناك دعوة للنفير العام، دفاعاً عن سمعة الفن المصري، بل ودفاعاً عن مصر نفسها من أن تسيء إليها محتالة، ولو بفحص الأعمال، والرد على دفاع غادة والي من أنها والفنان الروسي نقلا عن مصدر واحد، وأن بعض لوحاتها قد تكون بسبب التأثر بآخرين تأثّر بهم الفنان الروسي؟!

إن اللافت هنا، أن مصر فيها كليات عدة للفنون الجميلة بالجامعات المصرية المختلفة، وأن مصر فيها فنانون تشكيليون كبار، وفيها نقابة للتشكيليين، ومع ذلك لم تكن هناك دعوة للنفير العام، دفاعاً عن سمعة الفن المصري، بل ودفاعاً عن مصر نفسها من أن تسيء إليها محتالة، ولو بفحص الأعمال، والرد على دفاع غادة والي من أنها والفنان الروسي نقلا عن مصدر واحد، وأن بعض لوحاتها قد تكون بسبب التأثر بآخرين تأثّر بهم الفنان الروسي؟!

إن هذا الصمت مشين، فلا مسؤول يتدخل، ولا جهة اختصاص كالنقابة والجامعات تقول الرأي العام، ولا قضاء يحرك القضية، فيبدو الفنان الروسي أمام العالم كما لو كان دخل برجليه لسوق الحرامية.

وبالمناسبة، فإن سوقاً في إحدى الدول العربية يطلق عليه "سوق الحرامية"، وكنت مع مجموعة من الزملاء عندما دخلناه بأرجلنا بدون سابق معرفة، وقد استقبلنا الباعة فيه بما يشتت الأذهان، فأكثر من واحد يكلمك في نفس الوقت، وكنت قد امتنعت عن التجاوب معهم بالحديث وفحص المعروضات التي هي هواتف محمولة، لكن زميلاً تورط واستبدل جهازه بجهازين من نفس النوع، وقد دفع الفرق المطلوب، وعند العودة للقاهرة، كانت المفاجأة أنهما لا يعملان، فلما سألنا عن هذا السوق، وكنا لا نعرفه، قالوا لنا "سوق الحرامية"!

فهل وقع الفنان الروسي في "سوق الحرامية"، لأن هناك جهات تسبغ حمايتها على المذكورة؟!

twitter.com/selimazouz1