أقرت "لجنة العلاقات الخارجية" في مجلس النواب الأمريكي،
يوم أول أمس الثلاثاء بأغلبية ساحقة مشروع
قانون "مكافحة التطبيع مع النظام السوري 2023"، بعد طرحه من قبل
"التحالف الأمريكي لأجل
سوريا"، الذي انضوت تحته عشر منظمات أمريكية
مختصة بالشأن السوري، تنشط في العاصمة الأمريكية واشنطن.
القانون الجديد يمنع الإدارات الأمريكية من الاعتراف بأي حكومة
يترأسها رئيس النظام السوري بشار الأسد، ويوسع العقوبات المفروضة على النظام بموجب
قانون "قيصر" الأمريكي الذي تم إقراره في العام 2019، مقدما بذلك رسائل
للجامعة العربية وقمتها الـ 32 المتوقع انعقادها يوم غد الجمعة في مدينة جدة بأن أمريكا
ومن ورائها إسرائيل ستبقى حاضرة يصعب تجاوزها أو تجاهل مصالحها في سوريا وخصوصا
المجموعات الانفصالية التي تدعمها ممثلة بقوات سوريا الديموقراطية (قسد).
تسارع الخطوات الأمريكية لإقرار قانون (مناهضة التطبيع) جاء قبل يوم
واحد من انعقاد مجلس
الجامعة العربية لوزراء الخارجية العرب بحضور وزير الخارحية
السوري فيصل المقداد؛ تمهيدا للقمة العربية الـ 32 التي يتوقع أن يشارك فيها
الرئيس السوري بشار الأسد؛ لتكون المشاركة الأولى من نوعها منذ 12 عاما.
القانون مثل محاولة جادة من قبل الولايات المتحدة لفرض شروطها على
الدول العربية للانفتاح على دمشق؛ من خلال تفريغ قرارات الجامعة العربية من
مضمونها من خلال إعاقة التطبيع الدبلوماسي بوضع قيود على الحكومة السورية التي يترأسها بشار الأسد؛ ووضع العوائق أمام
التطبيع الاقتصادي بوضع معوقات أمام إعادة الإعمار وعودة الاستثمارات والنشاط
التجاري إلى سوريا وفرضها حظرا على شركة الطيران السورية من دخول المطارات وتهديد
الدول والشركات بعقوبات في حال التعاطي مع النظام السوري.
قانون (مناهضة التطبيع) الأمريكي من
ناحية أخرى يمثل جهدا أمريكيا لمحاصرة روسيا وإيران في سوريا عبر نزع الشرعية من
الأسد وحكومته؛ فالاعتراف بشرعية الأسد تعني الاعتراف بشرعية الوجود الروسي والإيراني
ووضع الوجود الأمريكي محل تساؤل وشك؛ خصوصا بعد انتفاء مبررات الوجود الأمريكي
شمال شرقي سوريا بانتهاء مهام التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب واقتصار دورها على
دعم قوات سوريا الديموقراطية الانفصالية (قسد) الموالية للولايات المتحدة الأمريكية
والمعادية لتركيا في الآن ذاته؛ ما يعني محاصرة النفوذ الأمريكي في سوريا الأمر
الذي تسعى واشنطن لتجنبه عبر العقوبات وطرح المزيد من الأوراق لمساومة الدول
العربية والقوى الإقليمية.
قانون مناهضة التطبيع والانفتاح العربي على دمشق وضع الولايات المتحدة والجامعة العربية في مسار تصادمي في سوريا للمرة الأولى منذ اندلاع الأزمة في سوريا؛ إذ لم تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من إبطاء جهود التطبيع العربية مع دمشق رغم الزيارة التي قام بها مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إلى الرياض في الثامن من أيار/ مايو الحالي ورغم التلويح والإعلان عن قانون مناهضة التطبيع مع دمشق بشكل وضع الدول العربية وجامعتها في مسار تصادمي مع واشنطن على الأرض السورية
اللافت في الحسابات الأمريكية أنها باتت معقدة إذ جاءت نتاجا لتخلي
حلفائها وشركائها في الخليج العربي عن دعمها وعلى رأسهم الإمارات العربية المتحدة
والسعودية؛ فالرياض تبنت سياسة التطبيع مع سوريا بعد أن تمكنت من تحقيق
مصالحة مع جارتها الخليجية إيران في بكين ومن قبلها مع تركيا وقطر؛ وهي سياسة تمثل امتدادا لسياسة التحدي
والممانعة التي تبديها الرياض لواشنطن بتمسكها باتفاق (أوبك بلس) مع روسيا
وشراكتها القوية مع الصين التي توجت بقمة عربية صينية بالرياض في كانون أول (ديسمبر)
من العام 2022 .
قانون مناهضة التطبيع والانفتاح العربي على دمشق وضع الولايات
المتحدة والجامعة العربية في مسار تصادمي في سوريا للمرة الأولى منذ اندلاع الأزمة
في سوريا؛ إذ لم تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من إبطاء جهود التطبيع العربية
مع دمشق رغم الزيارة التي قام بها مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إلى الرياض في
الثامن من أيار/ مايو الحالي ورغم التلويح
والإعلان عن قانون مناهضة التطبيع مع دمشق بشكل وضع الدول العربية وجامعتها في
مسار تصادمي مع واشنطن على الأرض السورية؛ فهل تمضي الدول العربية قدما نحو تجاوز
مصالح واشنطن مدعومة بموقف الجامعة والتفاهمات مع القوى الإقليمية كإيران وتركيا والقوى الدولية كروسيا
والصين أم أنها ستتراجع عن اندفاعتها نحو دمشق؟
الموقف العربي من النظام السوري رغم التباين في
المواقف بين أطرافه
العربية كالأردن وقطر؛ إلا أنه رسم لوحة
جديدة تتطلب من دمشق وحلفائها في طهران وموسكو قدرا كبيرا من المرونة والتعاون لإنجاز
مصالحة عربية سورية وأخرى داخلية محلية بعيدا عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي
اللتان أصبحتا أكثر إلحاحا بعد الحرب الأوكرانية والتوتر في مضيق تايوان.
ختاما..
قانون مناهضة التطبيع الأمريكي محاولة لتوجيه الأنظار بعيدا عن
الوجود الأمريكي في سوريا وأنسنته بادعاء الدفاع عن حقوق الإنسان؛ غير أنه ورقة
تدافع بها أمريكا عن نفوذها في موازاة النفوذ الإيراني والروسي والتركي في سوريا؛
فهل تقود العقوبات الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية بعد موجة التطبيع
الدبلوماسي العربي مع دمشق التي توجت باستعادتها مقعدها في الجامعة العربية إلى
صدام عربي أمريكي في سوريا؛ أم أنها ستقدم إضافات تسمح للدول العربية بالمناورة
والمساومة للضغط على دمشق وشركائها لتقديم مزيد من التنازلات في الملفات الإنسانية
السورية الداخلية ضمن مسار الخطوة مقابل الخطوة التي تقوم بها الخارجية الأردنية؛ أم
ستنتهي إلى تعزيز الانقسام العربي والعودة إلى الاصطفافات الإقليمية بين موسكو
وبكين وواشنطن وبروكسل (الاتحاد الأوروبي) أم ستدفع نحو مسار أكثر صدامية مع
واشنطن في سوريا والإقليم؟
انها اسئلة ستبقى مفتوحة لا يمكن الإجابة عليها في ظل الاضطرابات
الجيوسياسية الدولية والسيولة العالية في المشهد الدولي والإقليمي.
hazem ayyad
@hma36