تجريب الفشل العربي مع الديكتاتور السوري

تتجاوز المحاولات العربية لتقويم سلوك النظام السوري الأعوام الـ12 الماضية، التي لم تتبدل فيها خيبة السوريين من الجهود العربية والدولية في رفع الظلم والأذى المستمر عنهم، أثر الاستنزاف السياسي والنفسي والمعنوي والبشري التي أحدثها النظام السوري في سوريا؛ من جعل أنماط التواصل السياسي العربي معه وفق الإقرار بنتائج الأمر الواقع والترويج لضرورة "استعادة النظام لدوره العربي، والحفاظ على أمنه ووحدة أرضه، والقضاء على الإرهاب، وضمان عودة اللاجئين السوريين"، أي عودة فعلية لما كان يردده النظام السوري عن أسباب استخدامه للقمع الدموي بحق السوريين.

وبعد إجراء الحسم الأمني لما كرره النظام عن مشكلته مع السوريين ونفي الطابع السياسي لجوهر المواجهة، تأتي الجهود العربية الأخيرة من اجتماع جدة الوزاري واستكمالها في عمّان لتمهيد انخراط النظام مجدداً في بوتقة الجامعة العربية وقممها المستقبلية لهذا الغرض، كمن يجرب الخديعة مجدداً..

فالنظام نفسه أعلن بلسان وزير خارجيته فيصل المقداد أكثر من مرة، أنه النظام ليس مستعجلاً للعودة للجامعة، وهذا طبيعي طالما أنه يحصل على دعم وتشجيع بعض الأنظمة العربية التي خرقت قرار الإجماع بمقاطعته وتعليق عضويته، مع أن البعض القليل من الدول العربية ترى أن أسباب مقاطعته أو تعليق عضويته ما زالت قائمة.

والرهان على التغيير الذي طرأ على التحالفات السياسية العربية والإقليمية ليدفع بمراجعة عربية للعلاقة مع النظام السوري بعيداً عن الجوهر السياسي لن يفيد بشيء. الأسباب والذرائع العربية لمقاطعة النظام والمتعلقة باستخدامه القمع والقتل لمواجهة السوريين أو إشراكه الاحتلالين الايراني والروسي في هذه المهمة؛ أفضت لتغلغل أكثر للبلدين وسيطرة واسعة على مقدرات السوريين الاقتصادية وعلى قرارات النظام الأمنية وخياراته السياسية.

نتائج هذه الشراكة على الأرض بتثبيت النظام وسيطرته بجرائم حرب وضد الإنسانية مع عمليات تطهير عرقي وديموغرافي لصالح قوى الاحتلال في سوريا، يتم القبول بها عربياً، مع حصر الأزمة مع النظام من بوابة الدعوة لحل أزمة "اللاجئين السوريين"، حيث تسبب النظام نفسه في تدمير حواضرهم وقتل بيئتهم وتهجيرها. هي محاولة لتسطيح الفاجعة السورية وحصرها بعبارة "الأزمة" أو الحرب في سوريا.

المؤكد عربياً أن الجهود المبذولة لغرض تخفيف أزمة السوريين، غير مرتبطة أبداً بمطالب السوريين السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، فبعد فشل كل الجهود الدولية بوقف جرائم النظام والتعامل معها بكثير من المحاباة والنفاق، تتماهى المواقف والجهود العربية الحثيثة بالتملق للنظام نفسه بتعقيد مستقبل الحلول المنشودة لسوريا والسوريين ببقاء النظام واستمراره بنفس العقلية التي ينظر إليها للمجتمع السوري وبنفس السلوك المبني عليه النظام المستبد، لأن أي تغيير يلجأ إليه النظام في ماكينته المستبدة بتبديل أصغر برغي فيها يؤدي لانهياره.

لكن من المؤكد أيضاً أن الأسد "المنتصر" والباقي لحكم السوريين أنقذ بعض النظام العربي الذي اهتز من الثورات العربية واستعاد بالانقلاب عليها بعضاً من استبداد وقمع النظام السوري. دوافع التقارب معه والعمل على تجميل صورته الملطخة بدماء الضحايا، وحاجة النظام السوري للنظام العربي منفعية، وحاجتهم له أمنية في تاريخها، حاجة كانت مرتبطة بوجوده ووظيفته على مدار عقود استيلاء الأسد الأب للسلطة وتوريثها للابن.

لليوم، لم يبد النظام رغبة في التعاطي مع أي جهد له علاقة بالتغيير السياسي أو بمطالب الشعب السوري، وأزهق أرواح مليون سوري ودفن وتغييب مئات الآلاف منهم في المعتقلات والمقابر الجماعية، وأنه ينظر لكل تواصل معه عربياً أو غربيا على أن قبول بنتائج سلوكه والثناء عليها، ويعطيه الفرصة مجدداً لطمس مطالب وحقوق السوريين، فخطاب النظام السوري الاستعلائي نحو السوريين ونحو العرب لم يتغير.

والسؤال: لماذا تجريب الفشل مع الديكتاتور السوري؟ أهو لمصلحة الشعب السوري؟ أم حماية للوظيفة التي يقوم عليها بناء النظام وسلوكه في التعاطي مع ملفات داخلية وعربية وإقليمية؛ ذروتها تتويج الاحتلال والاستبداد كقدرٍ يلاحق العربي ويقض مضاجع أحلامه في الحرية والمواطنة؟

موقف نظام الأسد من مسائل أساسية طالب بها السوريون ومن القرار الدولي 2254 ثابت في تجاهله، وسلوك النظام أيضاً ثابت في تحالفاته ومواقفه من تلك المسائل المعادية لتطلعات السوريين. إذا كل الجهود التي تدور وتحيط بقضية السوريين لم يطرأ عليها تغيير سوى ما نشهده عربياً من تسويق صورة وردية عن استعادة النظام لمقعده في الجامعة العربية، قبل استعادة السوريين لحريتهم أو استرجاع جثث أبنائهم والكشف عن مصير مئات آلاف المعتقلين في زنازينه. يعني كل ذلك خديعة عربية للسوريين تنضم لخديعة الديكتاتور لهم.

twitter.com/nizar_sahli