الحديث الذي جرى
تعميمه قبل عيد الفطر، أن الحراك الخارجي والداخلي سيتكثف لخلق أجواء رئاسية، يبدو أنه
سيُترجم فعليا مع الأحداث التي تسارعت في الأيام الأخيرة، والتي توحي بأنّ يدا خفية تحاول أن تضبط الداخل على توترات مفتعلة، سواء حول الملف الرئاسي، وخصوصا بعد انحسار الأسهم الرئاسية لمرشح بشار الأسد- حزب الله، سليمان
فرنجية، أو حول
الإثارة المفتعلة لملف النازحين السوريين في هذا التوقيت بالذات، ومحاولة بعض الأطراف
في الداخل الاستثمار على هذا الملف.
واللافت سياسيا،
هو أنّ منسوب التوتر والانفعال آخذ في الارتفاع على غير صعيد مرتبط بالملف
الرئاسي. ويتبدّى ذلك بشكل واضح في إطلالات القادة السياسيين من كل التوجهات والتحيزات،
وتحديدا المعارضين لوصول سليمان فرنجية لسدة
الرئاسة، فيما أتت الإطلالة الأخيرة
لفرنجية كضربة قاضية لحظوظه، انطلاقا من إعلانه الصريح والمستمر للتحالف المتين
مع الأسد والحزب، وقدرته على الاستثمار في هذه العلاقة.
لذا، فإن الصورة
الموازية للانفعال الداخلي، تؤشر إلى حراك مكثف مرتبط بالملف الرئاسي، على أكثر من
مستوى دولي وإقليمي، بدءا بالحضور الفرنسي الذي سيتحرك بزخم أكبر الأيام المقبلة،
مرورا بالانتظار المرتقب للموفد القطري الوزير الخليفي مطلع الأسبوع المقبل، والحديث
عن ورقة عمل واضحة سيجري طرحها، وصولا إلى الحراك السعودي المرتقب مع عودة السفير
البخاري إلى بيروت. ولا ينعزل عن ذلك الحضور الإيراني الذي يتجلّى بزيارة وزير
الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان.
وزيارة الوزير الإيراني
إلى بيروت قادما من مسقط، أثارت الشكوك حولها من قِبل خصوم حزب الله، وتحاط هذه
الزيارة بمجموعة من التساؤلات حول ما دفع إليها في هذا التوقيت بالذات، وكذلك حول أهدافها،
باعتبار أنها غير معزولة عن التطورات الإيجابية التي شهدتها المنطقة، ولا سيما
الاتفاق السعودي- الإيراني، الذي يجمع كل المعنيين بهذا الاتفاق أنّ إيجابياته
ستلفح
لبنان إن عاجلا أو آجلا.
وأهمية الزيارة في
هذا التوقيت الدقيق، تنطلق من أنها عقبت زيارة الرجل إلى سلطنة عمان، وهي التي تستضيف
حوارات إقليمية ودولية مهمة؛ على رأسها ملفات اليمن بين السعودية وحزب الله، وبين
الإيرانيين والأمريكيين، وكذلك بين الاستخبارات السورية والأمريكية حيال مصير
مواطنين أمريكيين في سوريا، كذلك باعتبار أن هذه الزيارة هي الأولى بعد الاتفاق
السعودي الإيراني.
وكان لافتا الدعوات التي وجهتها سفارة طهران في بيروت للنواب من مختلف الكتل البرلمانية للقاء
مع عبد اللهيان. والأكيد أن اللقاءات الأساسية هي مع أمين عام حزب الله حسن نصر الله، بالإضافة لنائب رئيس حركة حماس صالح العاروري وأمين عام الجهاد الإسلامي زياد
النخالة، خصوصا بعد التطورات الميدانية في الجنوب اللبناني مع الجانب الإسرائيلي،
على اعتبار أنها حدثت إثر لقاءات عقدت بين نصر الله وقيادات حماس والجهاد
الإسلامي، إضافة للقاءات مع قوى سياسية وأمنية.
لذا، لا بد من
انتظار انعكاسات جولة الوزير الإيراني، وخاصة أنه يعقبها زيارة لدمشق للقاء الأسد،
في ظل اعتقاد جازم للأطراف اللبنانية أن تلك الزيارة قد توضح الكثير من النقاط المجمدة،
باعتبار أن حلفاء حزب الله يعتبرون أنها زيارة تشير إلى عدم تخلي إيراني عنهم في
هذه المرحلة الحاسمة، وإثبات الحضور الإيراني على الساحة اللبنانية بعد الاتفاق
السعودي الإيراني.
فيما خصوم طهران،
قد يعتبرون أن الزيارة ستكون بهدف إبلاغ الحلفاء بضرورة تسهيل عملية انتخاب رئيس
للجمهورية، والقبول برئيس وسطي يجمع كل الأطراف على طاولة بحث سياسي للأزمات
السياسية والاقتصادية؛ على رأسها سلاح الحزب وملف اللاجئين السوريين.
والأكيد، أن حلفاء
حزب الله وإيران يعتقدون أن عبد اللهيان سيشجع على التسوية، لا سيما في ظل وجود
قناعة لدى الحزب بأن حظوظ سليمان فرنجية قد ترتفع إذا وافقت السعودية على هذا
الطرح، القاضي بالإتيان بنواف سلام مقابل فرنجية، وهذا السياق بات يحتاج لخلق
مقومات داخلية.
أما القوى
المسيحية والسنية والمعارضة، فباتت تميل لطرح ينطوي على أن هناك أولوية تتقدم على
شخصية الرئيس يفترض أن تكون قائمة لدى حزب الله، وهي الحفاظ على الضمانات
الاستراتيجية وخاصة السلاح والحضور الأمني المعقد، إضافة لتثبيت الامتيازات
السياسية في الحكومة والمرفق العام على رأسها وزارة المال، وضمان التوافق المشترك
على حاكم للمصرف وقائد للجيش وطبقة قضائية جديدة منفصلة عن مدارات تأثير جبران
باسيل.
وهذا كله قد يكون
على حساب شخص فرنجية، مقابل ضمانة عودة العلاقات والدعم العربي والدولي، والحصول
على مساعدات خارجية تخفف من وطأة شروط صندوق النقد الدولي، وكل تلك المواصفات لا
تنطبق على فرنجية، وهذا ما بدا من الموقف السعودي والاندفاعة القطرية والعقوبات الأمريكية
على أصدقاء الرجل.
وهناك من بات
يعتقد أن كل السقوف العالية المرفوعة من حزب الله وحركة أمل عبر تبني ترشيح
فرنجية، هدفه تحسين شروط التفاوض داخليا وخارجيا، عند لحظة التسوية المنتظرة التي قد تزخم عقب انعقاد القمة العربية في الرياض، والتي ستكون إعلانا لانطلاق
قطار الحل.
وهذا السياق، يدفع
الحزب للتشدد في المرحلة الحالية، وعدم الاستعجال في التنازل، وحين يحين وقت
التسوية يبدأ الحزب باستدراج العروض الخارجية، ولذلك لاتزال الأمور على حالها
وقابلة لأن تستمر لوقت أكبر، باعتبار أن الحزب يريد ثمن تنازله أولا من الجانب الأمريكي، وثانيا من الجانب العربي، وتحديدا السعودية وقطر.
بالتوازي، يحاول
الفرنسيون الاستفادة من هذا المسار بشكل أكبر، ومعادلة ماكرون قائمة على نسج مشروع
جديدة يقوم على تعاون باريس مع حزب الله، ركيزته الساحة اللبنانية ويطاول الأسواق
الإيرانية لاحقا، أيضا السورية، لكن الحسابات لم تكن مشبعة بدرس التعقيدات
السياسية اللبنانية الداخلية والإقليمية.
لذلك، تكثر
التساؤلات حول إمكانية أن يزاوج ماكرون بين حضوره المتضعضع على الساحل اللبناني، واحتمال عودة الأزمة العسكرية والسياسية في دول المتوسط، في ظل العسكري الروسي
القوي في سوريا، فيما الدول الأوروبية منخرطة في حرب أوكرانيا، مع عدم إغفال النوايا
الإسرائيلية في شرق المتوسط.
وهناك من بات
يعتقد أن واشنطن وجهت صفعات عديدة للحراك الفرنسي في لبنان أولا عبر ضبابية
موقفها، وثانيا عبر العقوبات على الأخوين رحمة المقربين من فرنجية، فيما مواقف
مساعده وزير الخارجية الأمريكية باربارا ليف بالاجتماعات المغلقة، باتت تسرب بشكل
جدي عن أطماع باريس في لبنان والسيطرة على استثماراته.
ومن ثم، فإن
التعويل على مواقف مساعدة ومسهلة للمبادرة الفرنسية الرئاسية في لبنان لا يبدو
واقعيا، وهو ما سيظهر بعد أسابيع في البيان الختامي للقمة العربية في الرياض.