نشرت صحيفة "
نيويورك تايمز" تقريرا
لمراسلتها في القدس المحتلة، رجاء عبد الرحيم، قالت فيه؛ إن الطفل عز الدين قصراوي،
4 أعوام، يهرع إلى شاشة التلفاز كلما سمع ضجيجا خارج المنزل؛ للتحقق من كاميرات المراقبة التسع التي نصبها
والداه؛ خوفا من هجوم من قبل المستوطنين اليهود.
تقول عائلة قصراوي؛ إن المستوطنين الذين يعيشون على
تلة قريبة على مدى عامين أرهبوهم، وحاصروا منزلهم، ورشقوا الحجارة والقنابل
الحارقة، وحاولوا التسلق فوق الجدار الخارجي.
مع كل هجوم، قامت هذه العائلة
الفلسطينية في بلدة
حوارة المحتلة بالضفة الغربية بتحصين منزلها -بإضافة الكاميرات والحواجز المعدنية
والجدار الأعلى- مع تأجيل الإجازات العائلية، واستخدام الأموال الموفرة لدفع
تكاليف دراسة أطفالهم الجامعية لدفع ثمن ذلك كله.
"قالت لينا قصراوي، 38 عاما، والدة الطفل عز الدين:
"إذا رأيت التدابير الأمنية، فلن تعتقد أن هذا منزل. يبدو الأمر وكأننا نعيش
في سجن. وفي كل مرة يهاجموننا من زاوية جديدة، نضع تحصينات جديدة".
تقع بلدة حوارة، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 8000
نسمة، على الطريق الرئيسي الوحيد الذي يربط بين شمال الضفة الغربية وجنوبها،
ويقطعها بشكل منتظم كل من الفلسطينيين والمستوطنين الإسرائيليين. وقد أدى ذلك منذ
فترة طويلة إلى وضعها على الخط الأمامي لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة
الغربية، وهي هدف لهجمات ومضايقات متكررة من قبل المستوطنين الذين يمرون عبرها.
لكن في 26 شباط/ فبراير، وصل العنف إلى مستويات
جديدة، مما تسبب في صدمة لسكان حوارة وجعلهم يخشون على سلامتهم، مع تصاعد هجمات
المستوطنين وتعهد الحكومة اليمينية الإسرائيلية بفرض سيطرة أكبر على الضفة الغربية
المحتلة.
في ذلك اليوم، قُتل مستوطنان برصاص ما يشتبه بأنه
مسلح فلسطيني في أثناء مرورهما عبر حوارة، مما دفع حشودا غاضبة من مئات الإسرائيليين
من المستوطنات الواقعة على سفوح التلال إلى الهياج عبر البلدة والقرى المجاورة،
وإلقاء الحجارة وإحراق المنازل والمتاجر والمركبات. في أعقاب الهجوم، الذي قتل فيه
فلسطيني، دعا وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، وهو نفسه مستوطن، إلى
"محو" حوارة من قبل الدولة.
ينتشر المئات من الجنود الإسرائيليين الآن في
شوارعها، ويغلقون أحيانا الطرق والتقاطعات، ويجبرون المتاجر على طول الطريق
الرئيسي على الإغلاق والاستيلاء على أسطح المنازل والمباني بأكملها.
بعد أسابيع من الهياج، ما زالت البلدة تقوم
بالإصلاحات، حيث كانت السيارات المحترقة متوقفة في بعض مصفات السيارات والمباني
التي دمرتها الحرائق تنتشر على الطريق الرئيسي. ولم يحدد الجيش الإسرائيلي، الذي
قال إن قواته موجودة لتهدئة التوتر ومنع العنف، عدد الجنود الموجودين في حوارة.
على الرغم من صغر حجم حوارة، إلا أنها كانت بمنزلة
مركز اقتصادي لهذا الجزء من الضفة الغربية. جاء الناس من القرى الفلسطينية
المجاورة، وحتى الإسرائيليون من المستوطنات المجاورة إلى هنا للتسوق من المتاجر في
جميع أنحاء المدينة، وإحضار سياراتهم ليتم إصلاحها في محلات الميكانيكيين التي تصطف
على الطريق الرئيسي.
وقال فراس ضميدي، 36 عاما، الذي يملك متجرا؛ إن
الفلسطينيين الآن، مع وجود الجنود في كل مكان، والبنادق على أهبة الاستعداد،
توقفوا عن القدوم.
وقال: "لقد حولها الجيش من مركز اقتصادي كبير
إلى مدينة أشباح. لقد دمرونا اقتصاديا".
في الماضي، اعتمد العديد من الفلسطينيين في المنطقة
على الأرض المحيطة بحوارة لكسب عيشهم، وزراعة محاصيل مثل الزيتون والتمر، والبحث
عن الخضروات البرية. لكن بعد
احتلال إسرائيل للضفة الغربية في عام 1967 وفي العقود
التي تلت ذلك، أصبحت أراضيهم الزراعية محظورة بشكل متزايد مع توسع المستوطنات في
المنطقة، وتقسم أراضي الضفة الغربية التي يأمل السكان في أن تصبح يوما ما دولة
فلسطينية.
واحدة من تلك المستوطنات المتنامية هي يتسهار، وهي
مستوطنة دينية مبنية جزئيا على أرض فلسطينية مملوكة ملكية خاصة، وتقع على التلال فوق
حوارة، وهي الآن على مسافة قريبة من المدينة. وبعض المستوطنين هناك من أتباع
حاخامين متطرفين، أحدهما الحاخام يتسحاق شابيرا نشر كتابا عام 2009 يقدم تبريرا
دينيا لقتل غير اليهود الذين يشكلون خطرا على اليهود.
يقول سكان حوارة؛ إن معظم المهاجمين في 26 شباط/ فبراير
جاؤوا من يتسهار، التي يمكن رؤية حدودها المتوسعة من شرفة عائلة قصراوي.
كان الشقيقان اللذان تسبب قتلهما في اندلاع الهيجان،
وهما هليل وياجل يانيف، يسكنان في هار براخا، وهي مستوطنة يهودية في التلال المطلة
على نابلس.
وتصاعد العنف بين المستوطنين والفلسطينيين في الضفة
الغربية المحتلة هذا العام.
في الفترة من 1 كانون الثاني/ يناير إلى 13 آذار/ مارس،
سجلت الأمم المتحدة 219 هجمة على صلة بالمستوطنين أدت إلى مقتل أربعة فلسطينيين، بالإضافة إلى إصابات أو أضرار بممتلكات فلسطينية، أي أكثر من ضعف العدد في الفترة نفسها من العام الماضي. وقتلت القوات الإسرائيلية أكثر من 70 فلسطينيا في الضفة الغربية
خلال تلك الفترة.
وقالت الأمم المتحدة؛ إن الهجمات التي يشنها
الفلسطينيون على المستوطنين، تضاعفت أيضا في تلك الفترة، حيث بلغ عددها 20 هذا
العام، مما أسفر عن مقتل 12 مستوطنا وأجنبي واحد.
وعدت الحكومة الإسرائيلية بمزيد من الدعم للمستوطنات
اليهودية في الضفة الغربية، التي يعتبرها معظم العالم غير قانونية بموجب القانون
الدولي، ولكنها توسعت بشكل مطرد على مدى السنوات الأربعين الماضية.
سموتريتش، وزير المالية الذي دعا إلى محو حوارة، هو من
بين قادة الحكومة الإسرائيلية الذين يؤيدون في نهاية المطاف ضم كل الضفة الغربية،
معتقدين أن كل الأراضي المحتلة قد وعدها الله اليهود.
تصنف المحكمة الجنائية الدولية فعل قيام قوة احتلال
بنقل سكانها إلى أرض محتلة على أنه جريمة حرب. ويقول الفلسطينيون؛ إن الهجمات
المتكررة من قبل المستوطنين تهدف إلى طردهم من أراضيهم.
في عام 2021، بلغ عدد المستوطنين الإسرائيليين في
الضفة الغربية أكثر من 465 ألف مستوطن، بحسب حركة السلام الآن، وهي مجموعة
إسرائيلية تراقب النشاط الاستيطاني. هذا بالمقارنة مع ما يزيد قليلا عن 200000 في
عام 2001.
يقول سكان حوارة؛ إنهم معرضون لمزيد من الهجمات لأنه
لم يتم اعتقال الكثير من المستوطنين بعد الهجمات في شباط/ فبراير وآذار/ مارس، وسط
ما يقول الفلسطينيون إنه افتقار عام للمساءلة.
على الشرفات وأسطح المنازل في جميع أنحاء حوارة، جمع
السكان دلاء من الحجارة لصد الهجمات، قائلين؛ إنهم لا يثقون في الجنود لحمايتهم.
شكلت حوارة، مثلها مثل بعض البلدات الفلسطينية الأخرى، مجموعات مراقبة في الأحياء
لإعطاء تحذيرات مبكرة من المشاكل المحتملة من مآذن المساجد المحلية.
قالت قصراوي، وهي أم لأربعة أطفال ومديرة مدرسة، متذكّرة
ليلة 26 شباط/ فبراير: "لقد هاجمونا من قبل، لكن لا شيء من هذا القبيل.
اعتقدت أنهم سيذبحوننا ويحرقوننا أحياء". وثقت جماعات حقوقية بعض الهجمات على
منزل عائلة قصراوي.
نوال ضميدي، 70 سنة، تعيش في شقة فوق سوبر ماركت
ابنها في حوارة. وأظهرت لقطات كاميرات المراقبة من السوق يوم 26 شباط/ فبراير
المستوطنين وهم يكدسون الألواح والأباريق البلاستيكية على الباب الأمامي للمبنى
ويضرمون النار فيها. من خلفهم، يمكن رؤية الأضواء الزرقاء والحمراء لعربة الشرطة
الإسرائيلية، لكن السلطات لم تتدخل بعد أن أشعل
المستوطنون النار وأخذوا يغذونها.
من الشرفة الأمامية، أشار ابنها فراس إلى ما قال إنه
دليل على أن القوات الإسرائيلية ساعدت المستوطنين: قنابل غاز مسيل للدموع وقنابل صوت
عليها كتابة عبرية.
في الأيام التي أعقبت الهجوم، قدم شكوى إلى الشرطة.
لم يحصل على أي نتيجة بعد.
قال فراس ضميدي: "القاضي والجلاد هما الشخصه نفس".
قال الجيش الإسرائيلي؛ إن التحقيق في رد الجيش على
هجمات 26 شباط/ فبراير خلص إلى أنه لم يكن هناك عدد كاف من الجنود في المنطقة لمنع
"أعمال شغب عنيفة". وأضافت أنها تعلمت دروسا بشأن إرسال تعزيزات بشكل
أسرع "عندما يكون هناك اشتباه في تكرار مثل هذا الحادث الخطير".
لكن السكان قالوا؛ إن الجنود وشرطة الحدود لم يتدخلوا
لمساعدتهم فحسب، بل عندما ألقوا بالحجارة ومقذوفات أخرى ردا على المستوطنين، ردت
القوات الإسرائيلية على الفلسطينيين بقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع، وفي بعض
الحالات، الذخيرة الحية.
في زعترة، إحدى القرى الأخرى التي تعرضت للهجوم في 26
شباط/ فبراير، حاول سامح الأقطش، وهو أب لخمسة أطفال، وسكان آخرون منع المستوطنين
من إلقاء الحجارة والسعي إلى اقتحام القرية. وقال السكان؛ إن من خلفهم جنودا إسرائيليين. اندلع إطلاق نار وأصيب الأقطش في بطنه.
ولأن المستوطنين والقوات الإسرائيلية كانوا يغلقون
الطريق الوحيد للخروج من زعترة، اضطرت عائلته إلى اصطحابه في شاحنة عبر الممرات
الجبلية. مات في الطريق إلى المستشفى. وقالت الأمم المتحدة إنه قتل على أيدي
المستوطنين أو القوات الإسرائيلية.
وقال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي؛ إنه لن يحقق في
مقتل الأقطش. وأحال الجيش الأسئلة إلى الشرطة التي أكدت أنها فتحت تحقيقا في وفاته.
في الوقت الحالي، يقول سكان حوارة إنهم يعيشون في خوف
من المزيد من الهجمات.
كان أحد الأشياء التي أرعبتهم، مقطع فيديو موسيقي
به أغنية مستوحاة من أغنية بوب دينية يهودية شعبية، بدأت تنتشر عبر الإنترنت وفي
مجموعات "واتساب" المستوطنين، في الأيام التي أعقبت هجوم 26 شباط/ فبراير.
وكلمات
الأغنية هي:
بمن تشتعل
النيران الآن؟.. حوارة
منازل وسيارات أيضا – حوارة.
طردنا منها المسنين والنساء والفتيات.
احترقت طوال الليل.