نشرت مجلة "
إيكونوميست" تقريرا حول "صعود الجماعات المسلحة بالضفة الغربية على حساب
نفوذ السلطة الفلسطينية التي لم تعد تحظى بثقة الفلسطينيين لأسباب عدة".
وقالت المجلة في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين مرشح للتصعيد الخطير، خاصة بعد تعرض "إسرائيل" لهجمات صاروخية أطلقت من غزة ولبنان وسوريا، جاءت كرد على دخول شرطة
الاحتلال المسجد الأقصى، وكشفت أشرطة الفيديو عن ضرب الشرطة للمصلين داخل المسجد.
ووسط كل هذا قالت المجلة، إن هناك طرفا كان غائبا بشكل ظاهر، وهي السلطة الفلسطينية التي أنشئت قبل 30 عاما بعد توقيع اتفاقيات أوسلو كإدارة مؤقتة تقود الفلسطينيين إلى الدولة. ولكن المؤسسة التي يترأسها اليوم محمود عباس، 87 عاما لم تعد مهمة وهي علامة أخيرة عن العملية السلمية المحتضرة، فهي غير ديمقراطية وغارقة بالفساد، وفقدت الصلة مع الفلسطينيين.
وكان هذا واضحا للعيان في العام الماضي عندما اعتقلت قوات الأمن الفلسطينية مصعب اشتية، التابع لحركة حماس من صف الوسط بمدينة نابلس في الضفة الغربية. وأدى اعتقاله لأعمال عنف في نابلس مطالبة بالإفراج عنه من الاعتقال الفلسطيني.
وتعلق المجلة أن شرعية السلطة الوطنية قامت منذ البداية على كونها شريكا في العملية السلمية التي كانت تعني إقامة دولة فلسطينية إلى جانب الدولة اليهودية، ولكنها اليوم تواجه أزمة وجودية بسبب تجمد العملية منذ عقد.
ولفتت المجلة إلى دراسة أعدها مركز استطلاعات فلسطيني بارز يديره خليل الشقاقي ووجدت أن نسبة 54% من الفلسطينيين قالت ولأول مرة إن انهيار أو حل السلطة في مصلحتهم.
الفلسطينيون فقدوا الثقة
وترى المجلة أن هناك عدة أسباب تشير إلى فقدان الفلسطينيين
الثقة بالسلطة، وأهم سبب هو عجزها في الرد على استمرار بناء المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، كما لم تكن السلطة قادرة على حماية الفلسطينيين من العنف الذي يمارسه المستوطنون الذين يعيثون الفساد في داخل البلدات والحقول الفلسطينية ويدمرون البساتين والكروم.
وزاد العنف العام الماضي وتصاعد بعد عودة بنيامين نتنياهو في كانون الأول/ديسمبر كرئيس للوزراء وبدعم من الأحزاب المتطرفة، بمن فيها أحزاب يقودها دعاة التفوق اليهودي. وتقوضت مصداقية السلطة أكثر عندما قامت إسرائيل بمداهمات في مناطق ألف التابعة لها، أي المدن الفلسطينية المفترض أنها واقعة تحت سيطرة قوات الأمن الفلسطينية.
وتقول المجلة إن الكثير من الفلسطينيين استسلموا ومنذ انهيار محادثات السلام إلى فكرة تحول السلطة من مبشر بالدولة الفلسطينية إلى بلدية مهمتها فقط هو تقديم الخدمات الأساسية.
وحتى هذا الدور باتت تفشل في أدائه، وفقا للمجلة، فالخدمات العامة شبه مشلولة نظرا للإضرابات بشأن الرواتب، فالمدارس في الضفة الغربية لم تعمل إلا بالقدر اليسير منذ إضراب 20.000 مدرس عن العمل بداية شباط/ فبراير وتعاني المستشفيات من نقص الأدوية الضرورية.
السلطة تبرر
ويرد المسؤولون الفلسطينيون أن الاحتلال الإسرائيلي يصعب مهمتهم في الحكم، وهناك مشكلة المال وتعليق إسرائيل لأربعة مليارات شيكل (1.1 مليار دولار) من موارد الضريبة التي تجمعها إسرائيل نيابة عن السلطة.
وترد إسرائيل بأن السلطة الوطنية لم تف بالتزاماتها للحفاظ على السلام ولأنها تدفع رواتب لعائلات منفذي عمليات ضدها، لكن عضو حراك المعلمين يوسف جحا يقول إن المسألة ليست في الرواتب بل هي أزمة ثقة بالسلطة.
وتشير المجلة إلى أن مشاكل الميزانية وتداعي قدرات السلطة الإدارية تؤثر على الأمن والقوات الأمنية أيضا. وقال ضابط بارز إن حوالي 2500 عنصر من عناصر قوات الأمن البالغ عددهم 83.000 عنصر لا يحضرون لممارسة واجباتهم لأنهم يحاولون دعم رواتبهم بأعمال في قطاع البناء أو الفنادق في إسرائيل. ويمكن أن يحصل الجنرال على راتب 12160 شيكلا أما العناصر في الصفوف المتدنية فلا يحصل الواحد منهم إلا على 1900 شيكل، وبالمقارنة يحصل العامل اليدوي في إسرائيل على 9000 شيكل في الشهر.
وفي الأشهر الأخيرة، فقدت السلطة السيطرة على ما يبدو في الضفة الغربية، حيث ظهرت جماعات مسلحة في نابلس وجنين مثل عرين الأسود. وتعرضت السلطة لضغوط دولية كي تعيد السيطرة على نابلس وجنين، وهي في مأزق، فلو أرسلت قواتها كما فعلت في العام الماضي في حالة اشتية، فستواجه خطر خسارة المزيد من شرعيتها في عيون الفلسطينيين. ولو لم تفعل فمن المحتمل تدخل إسرائيل وبنتائج قاتلة.
أزمة شرعية
ولم تساعد الطرق غير الديمقراطية السلطة التي تعاني أزمة شرعية. فآخر مرة صوت فيها الفلسطينيون لمجلس تشريعي كانت عام 2006، وانتخب عباس لأول مرة عام 2005 وهو في الحكم منذ 18 عاما وفي الفترة الرابعة. ولا يظهر أي رغبات بمغادرة الرئاسة، والمؤكد أنه سيغادرها لو وضع اسمه أمام صناديق الاقتراع. وألغى انتخابات في 2021 بعدما اقترحت استطلاعات الرأي أن فتح، حزب الرئيس ستخسرها، وقبل الفلسطينيون على مضض أنه لن تجري انتخابات إلا بعد وفاته.
وشعر المانحون الدوليون بالإحباط من غياب الديمقراطية لدى السلطة. وقال دبلوماسي غربي "لقد شددنا الشروط" مشيرا إلى أن الأموال والمساعدات تذهب مباشرة للمستشفيات والمنظمات غير الحكومية و"نادرا ما نتعامل مع السلطة الوطنية".
ويعارض الجيل القديم العودة للعمل المسلح لأنه سيكرر انتفاضة مثل الانتفاضة الثانية التي قتل فيها أكثر من 3000 فلسطيني و1000 إسرائيلي. ولكن المواقف تتغير، فحسب استطلاع أجراه مركز خليل الشقاقي الشهر الماضي وجد أن 54% من الفلسطينيين يعتقدون أن العمل المسلح هو الطريق الوحيد لإنهاء الاحتلال، ودعمت نسبة 68% تشكيلات مثل "عرين الأسود" التي لا تسيطر عليها السلطة.
وتختم المجلة بالقول إن محمود عباس والسلطة يتحملان الكثير من اللوم على المأزق الذي تعاني منه السلطة، لكن إسرائيل عملت جهدها لإضعافها، من خلال التركيز على التعاون الأمني. ولو تفككت السلطة فستخلق فراغا تملأه جماعات لم تعد تؤمن بالسلام.