نشرت
مجلة "
فورين بوليسي" تقريرا للصحفية داليا حتوقة، من الضفة الغربية، قالت فيه
إن ممثلين من "
إسرائيل" والأردن والسلطة
الفلسطينية والولايات المتحدة ومصر، التقوا في منتجع شرم الشيخ في 19 آذار/ مارس في محاولة لمعالجة العنف المتصاعد في المنطقة. وأتى الاجتماع قبل حلول شهر رمضان المبارك وعيد الفصح اليهودي الذي يتزامن معه.
أدت
القيود الإسرائيلية على المسجد الأقصى في القدس إلى سلسلة من ردود الفعل أدت إلى عدوان
إسرائيلي على غزة استمر 11 يوما. استشهد فيه 261 فلسطينيا، وفقا لإحصاءات الأمم المتحدة.
وأدى
تنصيب أكثر حكومة يمينية إسرائيلية تطرفا في التاريخ في أواخر كانون الأول/ ديسمبر
الماضي إلى جعل الوضع في الضفة الغربية أكثر كآبة. وفي الشهر الماضي قتل فلسطيني بالرصاص
في بلدة حوارة بالضفة الغربية مستوطنين إسرائيليين انتقاما لقتل الجيش الإسرائيلي
11 فلسطينيا وجرح أكثر من 100 في مداهمة على مدينة نابلس قبل أيام قليلة فقط. وردت
غوغاء المستوطنين على إطلاق النار بهجوم قاتل وصفه البعض بأنه مذبحة.
قمة
شرم الشيخ، مثل قمة مماثلة في مدينة العقبة الأردنية على البحر الأحمر في شباط/ فبراير،
سرعان ما أثبتت عدم جدواها. وقد أدى إطلاق نار آخر في حوارة في نفس اليوم إلى إصابة مستوطن
إسرائيلي بجروح خطيرة.
ثم،
هذا الأسبوع، وافق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تأجيل خطة الإصلاح
القضائي المثيرة للجدل التي أثارت احتجاجات حاشدة بين الإسرائيليين إلى الجلسة الصيفية
للبرلمان. وفي مقابل موافقة شريكه في الائتلاف، وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، فقد وافق
نتنياهو على تشكيل قوة أمنية جديدة تعمل بموجب أوامر مباشرة من بن غفير، الذي سبقت إدانته
بالتحريض على العنصرية. ويخشى بعض الفلسطينيين من أن هذه الخطوة ستصب الزيت على النار
المشتعلة بالفعل في الضفة الغربية.
وأثبتت
السلطة الفلسطينية معظم الوقت أنها غير قادرة على وقف الهجمات على النحو الذي يمليه
تفاهمها للتنسيق الأمني مع تل أبيب. كما أنها أثبتت عدم قدرتها على القضاء على جماعات
المقاومة
المسلحة الجديدة التي ظهرت في جميع أنحاء الأراضي المحتلة ردا على سياسات الاستيطان
الإسرائيلية وعمليات القتل شبه اليومية للفلسطينيين على أيدي الجيش الإسرائيلي.
وفي آذار/
مارس الماضي، شن الجيش الإسرائيلي عملية حواجز الأمواج، حيث أغارت على الضفة الغربية
بشكل شبه يومي بعد موجة من الهجمات الفلسطينية. وبعد اثني عشر شهرا، لم تظهر أعمال العنف
سوى القليل من علامات التراجع. وانتهى عام 2022 ليكون العام الأكثر دموية على الإطلاق
بالنسبة لفلسطينيي الضفة الغربية منذ نهاية الانتفاضة الفلسطينية الثانية، في عام
2005. وإن عام 2023 في طريقه ليكون أكثر فتكا فقد قتلت القوات الإسرائيلية نحو 75 فلسطينيا
حتى الآن هذا العام. وقتل مقاتلون فلسطينيون 14 إسرائيليا خلال نفس الفترة، وفقا للأمم
المتحدة.
وحفز
ارتفاع عدد القتلى جيلا جديدا من المقاتلين الفلسطينيين على تنظيم جهودهم لمقاومة الاقتحامات
العسكرية الإسرائيلية في مجتمعاتهم.. في تحد للسلطة الفلسطينية، التي تنخرط في تعاون
أمني مع إسرائيل وتستهدف في كثير من الأحيان هذه المجموعات نفسها. وينحدر معظمهم من
الشباب من جميع أنحاء الضفة الغربية، من مدينة أريحا إلى مدينة إلى مخيم جنين وغالبا
ما يُشاهَدون وهم يحملون بنادق M16 ويرتدون أقنعة لتجنب التعرف عليهم.
تقليديا،
عملت الجماعات الفلسطينية المسلحة كأجنحة مسلحة للأحزاب السياسية، مثل حماس وفتح التابعة
للسلطة الفلسطينية. لكن خلال الانتفاضة الثانية، انتشرت هجمات الذئاب المنفردة. وفي
أعقاب الانتفاضة - وتحت ضغط من المخابرات الإسرائيلية - رأت العديد من الجماعات التقليدية
أن صفوفها تتضاءل وهياكلها التنظيمية تنهار. وقد أفسح ذلك المجال لنموذج لامركزي للمقاومة،
من خلايا صغيرة وفصائل منشقة تهيمن على المشهد العسكري.
منذ
عام 2022، بدأ مقاتلون من فصائل تقليدية مختلفة بالتعاون تحت مظلة مجموعات جديدة. وقرر
العديد من الشباب تولي زمام الأمور بأنفسهم بعد أن رأوا ترسخ الاحتلال الإسرائيلي،
والقصف الروتيني لقطاع غزة، وتنامي المستوطنات الإسرائيلية. كما أنهم يشعرون بخيبة
أمل من السلطة الفلسطينية التي لم تسفر استراتيجيتها السياسية عن نتائج ملموسة خلال
حياتهم.
"عرين
الأسود" في نابلس و"كتيبة جنين" هما أكبر المجموعات الجديدة. لكن مجموعات
أصغر ظهرت أيضا، مثل "كتيبة بلاطة" في مخيم اللاجئين الذي يحمل الاسم نفسه،
وكتيبة "عش الدبابير" الموجودة أيضا في مخيم جنين. وإسرائيل والسلطة الفلسطينية تكافحان من أجل السيطرة عليهم جميعا.
قال
خلدون البرغوثي، المحلل الفلسطيني المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، إن "عرين الأسود
في نابلس وكتيبة جنين يمثلان تهديدا أمنيا للقوات الإسرائيلية والمستوطنين الذين يعيشون
في الضفة الغربية والقدس".
انخرطت
مجموعة "عرين الأسود" بانتظام في اشتباكات مسلحة مع جنود ومستوطنين إسرائيليين
وإطلاق النار عليهم في الضفة الغربية. ففي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أطلقت المجموعة
النار وقتلت جنديا إسرائيليا في الأراضي المحتلة. وفي شباط/ فبراير، قالت "كتيبة
نابلس" و"عرين الأسود" و"كتائب شهداء الأقصى" (الجناح العسكري
لحركة فتح) في نابلس إن عناصرها أطلقوا النار على القوات الإسرائيلية التي كانت تداهم
المدينة.
صعود
هذه المجموعات لم يكن مفاجأة للمراقبين، بالنظر إلى القبضة الحديدية التي تحكم بها
إسرائيل الضفة الغربية وعجز السلطة الفلسطينية عن قمع هذه التجمعات دون إثارة غضب الرأي
العام.
وقالت
نور عودة، المتحدثة السابقة باسم حكومة السلطة الفلسطينية، إن "عرين الأسود والتشكيلات
الأخرى في مدن الضفة الغربية هي نتيجة ثانوية طبيعية لثلاثين عاما من الفشل الدولي
المتعمد لإنهاء الاحتلال والرضا بسلطة فلسطينية تفعل ما يُطلب منها. إنها أيضا رد فعل
طبيعي على صعود الأحزاب الفاشية العنصرية في إسرائيل التي تهدد أجندتها وجود الشعب
الفلسطيني".
حكومة
"إسرائيل" الجديدة هي الأكثر يمينية وقومية وتطرفا في تاريخها.. والسلطة
الفلسطينية غير قادرة وغير راغبة في فعل أي شيء للرد على الطوفان المستمر للحكومة الإسرائيلية
الجديدة من الإجراءات والخطابات المعادية للفلسطينيين. وقطعت التنسيق الأمني مع "إسرائيل"
بعد الغارة القاتلة على نابلس في شباط/ فبراير، لتعيده بعد ذلك بوقت قصير. يُنظر على
نطاق واسع إلى رئيس فلسطين والسلطة الفلسطينية محمود عباس، البالغ من العمر الآن
88 عاما، على أنه غير صالح للمنصب، لكن لديه زمرة من المساعدين الذين وافقت عليهم "إسرائيل"
والولايات المتحدة والذين يحافظون على استمرار الوضع الراهن.
في أعقاب
الانتفاضة الثانية، قامت السلطة الفلسطينية بدمج أعضاء بارزين في كتائب شهداء الأقصى
في أجهزتها الأمنية الرسمية كجزء من برنامج نزع السلاح والتسريح، ما سمح للتنظيم بالحفاظ
على بعض السيطرة على مستوى الشارع. ومع ذلك، فيبدو أن قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية
غير قادرة على السيطرة على العنف على الأرض بعد الآن، وتجد نفسها متفرجا على صراع جديد
محتدم أمام أعينها.
وكان
هناك تصاعد في أعمال العنف في أنحاء الضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية. الاختلاف
اليوم هو أن الجماعات المسلحة الجديدة قد طمست خطوط الفصائل السياسية الفلسطينية التقليدية
من خلال العمل عبر الصدوع القديمة. وتتكون المليشيات الأحدث مثل "عرين الأسود"،
على سبيل المثال، من رجال مرتبطين بحماس وفتح والجهاد الإسلامي في فلسطين.
وكان
مطلق النار الذي قتل اثنين من المستوطنين الإسرائيليين على طريق حوارة الرئيسي في شباط/
فبراير عضوا في حماس من نابلس. لكنه اختار الاختباء في مخيم جنين للاجئين حيث كان يحميه
مقاتلو "كتائب شهداء الأقصى".
أثبتت
هذه السيولة أنها محبطة لإسرائيل، حيث إنها تجعل من الصعب على جيشها شن ضربات استباقية. وقال مايراف زونسزين، أحد كبار المحللين في الشأن الإسرائيلي الفلسطيني مع مجموعة الأزمات
الدولية: "عندما تنتشر الجماعات المسلحة وعندما يتعلق الأمر بحقيقة أنه ليس لديها
برنامج سياسي واضح، فهذه مشكلة لإسرائيل لأنها تريد دائما أن يكون لديها عنوان.. تريد
أن تعرف على من يقع اللوم، ومن المسؤول".
يرى
العديد من الفلسطينيين الآن أن الفصائل السياسية التقليدية تمثل عبئا، إما لأنهم يعتبرونها
غير فعالة أو لأنها مشاركة نشطة في - ومستفيدة من - الانقسامات السياسية التي تدعمها
المصالح السياسية الإسرائيلية والأمريكية.
ووفقا
لاستطلاع حديث للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، فإن نسبة متزايدة
من الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة – 58% - تؤيد العودة إلى المواجهات المسلحة
والانتفاضة ضد إسرائيل.
مع ميل
إسرائيل إلى اليمين، وتزايد الغارات الإسرائيلية المميتة على التجمعات السكانية الفلسطينية،
وغياب حل سياسي للاحتلال، يبحث الفلسطينيون عن بدائل لسياسة "انتظر وانظر"
الذي تدعمها السلطة الفلسطينية.
في نفس
الاستطلاع، قال أكثر من 70% من الفلسطينيين في الضفة الغربية إنهم أيدوا هجوم حوارة
الأول الذي أسفر عن مقتل مستوطنين إسرائيليين، بينما أيد ثلثاهم تشكيل جماعات مسلحة
جديدة لا تتلقى أوامر من السلطة الفلسطينية، مثل "كتيبة جنين" أو "عرين
الأسود".
يُنظر
إلى دعم هذه المجموعات الجديدة والمستقلة على أنه نتيجة لتزايد عدم ثقة الجمهور الفلسطيني
بالسلطة الفلسطينية واليأس من احتمالات التوصل إلى حل سياسي للاحتلال.
وكتب
مؤلفو الاستطلاع أن "الدعم الشعبي للمقاومة المسلحة تؤكده معارضة ساحقة للمشاركة
الفلسطينية في اجتماع العقبة. وتعتقد الغالبية العظمى، البالغة 70%، أن الإجراءات الإسرائيلية
المضادة، التي تهدف إلى معاقبة أولئك الذين يرتكبون هجمات مسلحة أو عائلاتهم، مثل هدم
المنازل أو الطرد أو فرض عقوبة الإعدام، لن تؤدي إلا إلى زيادة في شدة مثل هذه الهجمات".
ويبدو
أن محاولات إسرائيل تضييق الخناق على الجماعات المسلحة الجديدة قد عززت من شعبية هذه
الجماعات بين الفلسطينيين بشكل أكبر. وعلى الرغم من إمكانياتها المتواضعة نسبيا، فقد
نجحت المليشيات بالفعل في تأمين ثقة الشارع الفلسطيني.
في الأسابيع
الأخيرة، استجاب مئات الآلاف من الفلسطينيين لدعوات المجموعات للاحتجاجات في الضفة
الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، وحتى في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. وعندما دعت المجموعات بشكل مستقل إلى إغلاق تجاري واسع النطاق في مدن مثل جنين ونابلس
ورام الله، امتثل الناس، ما أدى إلى تقويض السلطة الفلسطينية من خلال وضعها على أنها
فاسدة وضعيفة.
ويبدو
من غير المرجح أن ينحسر العنف في الضفة الغربية، مع استمرار الغارات الإسرائيلية على
المدن الفلسطينية وزيادة أعداد الضحايا الفلسطينيين. ويواصل المستوطنون الإسرائيليون
ارتكاب هجمات عنيفة ضد الفلسطينيين مع الإفلات من العقاب، وتشجعهم قيادتهم السياسية
الجديدة. إن حقيقة أن السلطة الفلسطينية غير قادرة على حماية مواطنيها ولكنها تتعاون
مع إسرائيل في مجال الأمن قد أدت بشكل فعال إلى تبديد القليل من الاحترام والثقة الذي كانت ما زالت تتمتع به.
وقال
زونسزين: "إسرائيل على علم بأزمة السلطة الفلسطينية، ومن الواضح أنها تفضل عدم
القيام بكل هذه الغارات، لكنها حلقة لانهائية لها تقوم فيها بالغارات وتفقد السلطة
الفلسطينية المزيد من الشرعية. ولا تستمع أي من هذه الجماعات المسلحة إلى السلطة الفلسطينية
على أي حال".