بدأت
العلاقة بين
قطر واليمن منتصف السَّبعينيَّات مِن القرن الماضي؛ وتحسَّنت بشكل
كبير بعد مواقف قطر الدَّاعمة لليمن في مجلس الأمن الدّولي، وجامعة الدُّول
العربية، ومجلس التَّعاون الخليجي، أثناء الأزمة السِّياسية والانفصال في
اليمن،
في 1994م. وقد اقتصر الدَّور القطري في اليمن -خلال فترة التِّسعينيَّات مِن القرن
الماضي- على تقديم الدَّعم المالي غالباً.
مع
اندلاع المواجهات بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي، منتصف عام 2004م، أخذت قطر
زمام المبادرة للعمل على نزع فتيل الحرب، وبذلت جهودها في الوساطة والمصالحة بين
الطَّرفين، فأعلنت -في حزيران/ يونيو 2006م- عن نيَّتها في الوساطة بين الحكومة
وجماعة الحوثي، بعد قرابة أربعة أشهر مِن تجدُّد المواجهات بين الجانبين فيما
اعتبر "الحرب الرَّابعة" في صعدة. واستمرَّت مساعيها في الوساطة رغم
استمرار المواجهات، حتَّى تمكَّنت -في حزيران/ يونيو 2007م- مِن التَّوصُّل
لاتِّفاق مصالحة بين الطَّرفين، أعلن على إثره زعيم الجماعة، عبدالملك الحوثي، عن
انتهاء حالة التَّمرُّد ووقف إطلاق النَّار، استجابة لجهود الوساطة. ووقَّعت
الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي، في 2 شباط/ فبراير 2008م، في العاصمة القطرية
(الدّوحة)، على وثيقة تتضمَّن إجراءات تطبيق "اتفاق المصالحة"، الذي
توصَّل له الجانبان عام 2007م. وتعهَّدت قطر حينها بإعادة إعمار صعدة، وتعويض
المتضرِّرين في المواجهات.
قدَّمت
قطر خلال العقد الأوَّل مِن القرن الحادي والعشرين لليمن: دعماً ماليّاً للحكومة
اليمنية لعدد مِن البرامج والمشاريع الحكومية، ومساعدات إنسانية وخيرية وتنموية
(قدَّمتها المؤسَّسات والجمعيَّات الخيرية القطرية لنظيراتها اليمنية)، ومعونات
إغاثية، ومشاريع استثمارية. وقد وفرَّت هذه الأمور جميعها دعماً للاقتصاد اليمني
بمليارات الدُّولارات. ورغم كلِّ ما بذلته قطر في ذلك الملف، إلَّا أنَّ الرَّئيس
الرَّاحل
علي عبد الله صالح، قابل ذلك بالجحود والإنكار، رغم حرص قطر على مدِّ
الجسور مع الجانب اليمني، على مستوى الحكومة والأحزاب والمجتمع المدني.
ومع
انطلاق ثورة 11 فبراير (2011م)، اتَّجهت السِّياسة القطرية للوقوف إلى جانب
الشَّعب اليمني في خياراته، وعملت على التَّواصل مع جميع الأطراف لتجنُّب
الصِّراع، وقدَّمت عبر مجلس التَّعاون الخليجي مبادرة سياسية بهدف تجاوز التَّصعيد
الذي قد يجرُّ اليمن لحرب أهلية؛ غير أنَّ "صالح" اعترض على تلك
المبادرة، ووجَّه أصابع الاتِّهام لقطر بالتَّآمر، هروباً مِن مواجهة الاستحقاقات
الشَّعبية التي فرضتها ثورة 11 فبراير، خاصَّة أنَّها شملت كلَّ المحافظات والمدن
اليمنية، وكلَّ الشَّرائح الاجتماعية.
لقد
اختارت قطر الوقوف مع الشُّعوب العربية، متحفِّزة لتطلُّعاتها في الكرامة
والحرِّية والعدالة، وأتاحت عبر منابرها الإعلامية لتلك الشُّعوب أن تنقل مطالبها
وبياناتها ومواقفها وحراكها، وتعبِّر عن إرادتها في التَّغيير والإصلاح والقضاء
على الاستبداد والفساد والظُّلم. وهكذا كان شأنها في اليمن.
كان
وزير خارجية قطر أوَّل طرف دولي دعا الرَّئيس "صالح" للتَّنحِّي عن
السُّلطة؛ "صالح" الذي تحالف لاحقاً مع جماعة الحوثي لإسقاط صنعاء، وفتح
لها كافَّة المعسكرات، وساندها في مواجهة "التَّحالف العربي" بقيادة
السّعودية باعتباره عدواناً على اليمن، وهي التي عملت على إنقاذه مِن إصاباته
البليغة نتيجة حادث التَّفجير الذي تعرَّض له جامع دار الرِّئاسة وسقط نتيجة له
عددٌ مِن المسئولين، فاستضافته في مستشفيات الرِّياض وعالجته وأعادته إلى اليمن.
راهنت
السُّعودية على "صالح" والقوى التَّقليدية الاجتماعية والعسكرية
الموالية لها، للقضاء على الثَّورة، لكنَّه عاد فانقلب عليها، واتَّهامها بعدَّة
أمور، مِنها: رشوة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والأنظمة[1]، ودعم تنظيمي
"القاعدة" و"داعش"[2]، واستجلاب عناصر
التَّنظيمين لمهاجمة السفن قبالة سواحل اليمن[3]، وتدبير انقلاب على
الأمير حمد بن خليفة خلال تسعينيات القرن الماضي[4]، وإشعال فتيل الحرب
الطَّائفية والمناطقية في اليمن بدلاً مِن التَّوفيق بين الأطراف اليمنية[5]، وارتكاب جرائم حرب في
اليمن[6]، واغتيال الرَّئيس
اليمني الرَّاحل إبراهيم الحمدي[7].
كما
ذهبت
السعودية لدعم جماعة الحوثي في سبيل أن يتقدَّموا نحو صنعاء، ويدخلوا في
مواجهة مع قوى الثَّورة، ممثَّلة في أبناء الشِّيخ عبد الله بن حسين الأحمر،
واللِّواء علي محسن الأحمر، والتَّجمع اليمني للإصلاح، كما أشار لذلك اللِّواء
السّعودي المتقاعد أنور عشقي في عدد مِن اللِّقاءات الإعلامية، وكذلك القيادي
المؤتمري ياسر يماني في تصريحات عديدة، وأكَّدتها الأحداث لاحقاً، غير أنَّ
الحوثيِّين انقلبوا على السعودية وفتحوا خطوطهم مع إيران؛ لتعلن قياداتها عن وقوع
"رابع عاصمة عربية" في قبضتها!
انسحبت قطر مِن
"المبادرة الخليجية" التي طرأت عليها عدَّة تغييرات، حتَّى باتت مقبولة
لنظام "صالح"، وجرى التَّوقيع عليها مِن قبل جميع الأطراف السِّياسية
اليمنية، في العاصمة السُّعودية الرِّياض، في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011م. وبدأت العملية الانتقالية تسير وفقاً
لـ"المبادرة" وآليَّتها التَّنفيذية، والتي توِّجت بمخرجات الحوار
الوطني الشَّامل، الذي احتضنته صنعاء، خلال 2013م- 2014م، بمشاركة كلِّ الأحزاب
والتَّنظيمات والقوى السِّياسية، بما فيها جماعة الحوثي تحت لافتة (أنصار الله).
وفي حين اتَّهم
"صالح" قطر بأنَّها تقوم بتمويل الفوضى في اليمن، ومصر،
أعلنت دول مجلس التَّعاون الخليجي، في بيان لها، في 1 أيار/ مايو 2011م، عن
رفضها لتصريحات "صالح"، مؤكِّدة أنَّ "المبادرة الخليجية"
لحلِّ الأزمة اليمنية تمثِّل "إرادة جماعية" لدول المجلس. وأعربت عن
أسفها لما صدر مِن تصريحات عن الجانب اليمني، تتضمَّن "إساءة لدولة قطر التي
تبذل مع شقيقاتها في المجلس جهوداً للتَّوصُّل إلى توافق شامل يحفظ اليمن
واستقراره ووحدته ورخاء شعبه"[8].
ورغم خروج قطر مِن
"المبادرة" إلَّا أنَّها ظلَّت وفية للحكومة اليمنية، وتعهَّدت بتقديم
الدَّعم اللَّازم لها، في حين شهدت العلاقة بين صنعاء والرِّياض حالة فتور، نتيجة
عدم إيفاء السُّعودية بجانب كبير مِن التزاماتها المالية، التي سبق أن تعهَّدت بتقديمها
لليمن عقب التَّوقيع على "المبادرة الخليجية" وآليَّتها التَّنفيذية،
ووعودها في مؤتمر أصدقاء اليمن الذي عُقِد في الرِّياض، وتعهَّدت فيه بتقديم 3.25
مليار دولار، وتأجيلها انعقاد مؤتمر المانحين الذي كان مِن المقرَّر عقده في
الرِّياض خلال شهر تموز/ يوليو 2012م، وتحفُّظها على استضافة الولايات المتَّحدة
الأمريكية للمؤتمر، وإيقافها المعونات النَّفطية التي سبق للملك عبد الله بن عبد العزيز
أن قدَّمها لليمن، خلال عهد "صالح" ومرحلة ما بعد التَّوقيع على
"المبادرة الخليجية".
في
2013م، دشِّنت الثَّورات المضادَّة انطلاقاً مِن مصر، ليجري العمل على إحباط ثورات
بقية دول الرَّبيع العربي. وأصبحت المنطقة العربية ساحة معترك بين: قوى التَّغيير
والإصلاح والدُّول الواقفة معها، وقوى الاستبداد والفساد والدُّول الواقفة خلفها.
ولم يكن اليمن بعيدا عن هذا الاستقطاب، وتلك المواجهة، نظراً لأهميَّته وموقعه الاستراتيجي.
كانت
قطر حريصة على عدم استدعاء الخطاب الطَّائفي واستعداء دول الجوار الإقليمي (كإيران
وتركيا)، مِن منطلق أنَّ هذا سيؤثِّر على الأمن الإقليمي ويفتح عجلة الحرب
الأهلية، ويضعف جميع الأطراف. ورغم ذلك اتُّهمت قطر بأنَّها خائنة ومتآمرة، واستهدفت
بهجوم إعلامي ودبلوماسي وسياسي، وحصار فرض عليها مِن دول الجوار.
وفي
حين حافظت قطر على صلتها بجماعة الحوثي، لما تمثِّله
الجماعة مِن قوَّة اجتماعية وسياسية حاضرة في المشهد اليمني منذ عام 2004م، دون أن
تتَّخِذ مِنها أداة لضرب قوى يمنية أخرى، أو لتهديد دول الجوار اليمني، فإنَّها
كانت تنطلق مِن ضرورة الحلول السِّلمية، والبقاء في منطقة الحياد، كما فعلت سلطنة
عُمان (التي تتوسَّط اليوم بين الرِّياض وجماعة الحوثي)، لكي يمكنها لعب دور
الوساطة بين فرقاء السِّياسة اليمنية. وهذا خلافاً لما صرَّح به اللِّواء أنور
عشقي، مَن أنَّ بعض دول الخليج جنَّدت الجماعة لضرب قوى يمنية أخرى، وقدَّمت له
الدَّعم اللَّازم لذلك.
اليوم، وبعد أن أفضت الأحداث
إلى مباحثات ومفاوضات سعودية- حوثية، بوساطة عُمانية، وعقب زيارة السَّفير
السُّعودي محمَّد آل جابر لصنعاء، والتقائه بقيادات جماعة الحوثي، رغم ثماني سنوات
مِن الحرب، واعتبار
الحوثيين طرفا سياسيّاً يمنيّاً، والدَّعوة لتسوية سياسية
وحلٍّ سلمي، باتت دول الخليج مدينة بالاعتذار لقطر، خصوصاً وأنَّها اتُّهمت زوراً
وبهتاناً بقضايا يسعى "التَّحالف العربي" لاعتبارها مقتضيات السِّلم
والأمن والتَّعايش. فقطر لم تتورَّط في جرائم ضدَّ الشَّعب اليمني، ولا ضدَّ
الجوار اليمني، بل كانت تعي تماماً، وتبذل كلَّ ما في وسعها، لتجنيب المنطقة
الصِّراعات المسلَّحة، وجهودها في الوساطات لإحلال السَّلام في المنطقة أظهر مِن
أن تُذكر.
كما أنَّ الأطراف اليمنية
التي شاركت في إدانة قطر واتِّهامها باتت مدينة باعتذار للقيادة القطرية، خاصَّة
وأن قطر مدَّت لليمنيِّين يد الإحسان والمحبَّة والوئام، محافظة على وحدة اليمن
وأمنه وسلامته، مِن خلال مواقفها الدَّاعمة لذلك على مستوى مجلس التَّعاون
الخليجي، والجامعة العربية، والأمم المتَّحدة، وعلاقاتها واتِّصالاتها وجهودها
الدُّولية.
__________
الهوامش:
[1] "صالح"
يتهم السعودية برشوة الأنظمة ويعلن انسحاب المغرب من التحالف،
الإمارات، في:
2/10/2017م.
[2] علي
صالح يتهم السعودية بدعم القاعدة وداعش في اليمن،
عربي21، في: 16/6/2017م.
[3] صالح
يتهم السعودية بجر واشنطن إلى الصراع في اليمن،
العالم، في: 13/10/2016م.
[4] علي
عبدالله صالح يتهم السعودية بتدبير انقلاب على والد أمير قطر،
رصد، في: 4/6/2017م.
[5] صالح
يتهم السعودية بإشعال فتيل الحرب الطائفية والمناطقية باليمن،
عين الأنباء، في:
26/3/2017م.
[6] صالح
يتهم الأمم المتحدة بالشراكة في جرائم حرب التي ترتكبها السعودية وبقية دول
“العدوان” في اليمن،
رأي اليوم، في: 18/2/2017م.
[7] علي
صالح يتهم السعودية بـ"الإرهاب"واغتيال الحمدي،
عربي21، في: 30/4/2016م.
[8] "الخليجي"
يرفض اتهامات صالح لقطر،
الجزيرة نت، في: 2/5/2011م.