تداولت مواقع صحفية
مصرية خبر استحواذ "صندوق الاستثمار
الكويتي" على أحد أهم البنوك الحكومية المصرية، وذلك بعد أن كانت قاب قوسين أو أدني من "صندوق الاستثمارات العامة السعودي"، الأمر الذي يدفع للتساؤل حول دلالات الظهور الكويتي بملف الطروحات المصرية.
موقع "مصر تايمز"، المحلي، كشف الاثنين، عن نجاح الصندوق الكويتي في الاستحواذ على "المصرف المتحد"، المملوك بالكامل للبنك المركزي المصري، وذلك مقابل 660 مليون دولار، مؤكدا أنه سيتم توقيع العقود رسميا بعد انتهاء إجازة عيد الفطر.
ولفت الموقع إلى أن الحكومة المصرية قلصت في وقت سابق العروض المقدمة لشراء البنك لعرضين فقط؛ الأول خاص بـ"الصندوق السيادي القطري"، والآخر من "صندوق الاستثمار الكويتي".
وألمح إلى أن احتمال إنهاء الكويت الصفقة كبير، خاصة مع إعادة تشكيل مجلس إدارة "المصرف المتحد"، الأسبوع الماضي، وتعيين رئيس مجلس الإدارة، أشرف القاضي، رئيسيا تنفيذيا للبنك، وعضوا منتدبا.
ووفق مراقبين، فإن "المصرف المتحد" يعد هدفا استراتيجيا للعديد من المؤسسات المالية العربية؛ نتيجة لقوة مركزه المالي، ومكانته المرموقة في السوق المصري.
وفي وقت لاحق، أصدرت الهيئة العامة للاستثمار الكويتية "الصندوق السيادي الكويتي" تنويها بشأن الشائعات حول الصفقة.
وقالت الهيئة في تغريدة إن "الخبر المتداول حول استثمار جهة كويتية في أحد البنوك المصرية لا يخص الهيئة، وأكدت أنه ليس لها علاقة بالصفقة المحتملة".
"أجواء الصفقة"
ويأتي الخبر الذي تناقلته صحف محلية وعربية، رغم عدم تأكيده رسميا من أي جهة حكومية مصرية، بعد نحو شهرين من تعثر مفاوضات الحكومة المصرية و"الصندوق السيادي السعودي"، الذي عرض 600 مليون دولار للصفقة، وفرض شروطا لإتمامها.
ولهذا، فإن العرض الكويتي، الذي يفوق السعودي بنحو 60 مليون دولار، يأتي -وفق مراقبين- في توقيت هام، ليكشف عن ظهور كويتي لافت كمنافس استراتيجي لباقي الصناديق الاستثمارية والشركات الخليجية، خاصة الإماراتية ذات الباع الكبير بقطاع المصارف المصرية.
وكمنافس أيضا للسعودية الطامحة في الاستحواذ على "المصرف المتحد"، منذ آب/ أغسطس الماضي، وأيضا قطر، القادمة بقوة للمنافسة على الاستثمار في مصر وشراء الأصول والشركات التي تطرحها القاهرة للبيع وفي البورصة، بعد سنوات من المقاطعة الخليجية (2017- 2021).
وفي حال صدق ما نقله الموقع المصري عن صفقة المصرف المتحد، يثار التساؤل بشأن دلالات الظهور الكويتي كمنافس للصناديق الخليجية الأخرى بصفقات الاستحواذ على الأصول المصرية.
والتساؤل أيضا، عن مدى قدرة الظهور الكويتي بملف الطروحات المصرية على إنعاش تلك الصفقات، وإعادة تقييم الكثير منها، وإزالة حالة الإحجام الحالية من الصناديق الخليجية، وتقليل شروطها، خاصة البيع بالجنية دون الدولار.
"ظهور محمود"
وقال الباحث والكاتب في الشأن الاقتصادي محمد نصر الحويطي: "لا يوجد بيان رسمي حتى الآن من البنك المركزي المصري أو المصرف المتحد أو مجلس الوزراء أو لجنة الطروحات بالصندوق السيادي المصري يفيد بأن صندوق الاستثمارات الكويتي اشترى المصرف المتحد".
وأضاف لـ"عربي21": "جائز أن تكون أخبارا متواترة، ولو تأكدت فأراها تطورا جيدا، خاصة في ظل ظهور منافس جديد خليجي مع الإمارات والسعودية للحصول على حصص بالشركات التي تعتزم الحكومة المصرية طرحها لسد العجز أو الفجوة الدولارية".
الحويطي، أكد أن "هذا أمر محمود جدا، خاصة أن السوق المصري ليس غريبا على الاستثمارات الكويتية، الذي تعمل فيه مصارف مثل (الأهلي الكويتي)، وغيره من مصارف وشركات منذ سنوات بعيدة مثل (المصرية الكويتية للاستثمار) و(القابضة المصرية الكويتية) ومجموعة (الخرافي)".
واستدرك: "لكن عودة ظهور الاستثمار الكويتي في السوق المصري أمر محمود يدعم عملية إعادة تقييم الأصول وإعادة بيعها، بتقييم أفضل، ويزيد المنافسة عليها، وكله في النهاية يُحسن من سعر التفاوض على الأصول وفيما يتعلق بقيمة الجنيه المصري".
ولفت إلى أزمة إصرار بعض المستثمرين على "التفاوض مع الحكومة المصرية على الشراء بالعملة المحلية، وإعادة تخفيض سعر الجنيه مقابل الدولار، لإتمام عمليات الاستحواذ".
في نهاية حديثه، عبر الحويطي عن أمله في أن يتم الظهور الكويتي بصفقة المصرف المتحد، مؤكدا أنه "حال تمت فهو أمر محمود جدا، ويؤثر بشكل إيجابي على تقييم بقية الأصول المطروحة أو البيع لمستثمر استراتيجي".
"أحداث دراماتيكية"
ولأن صفقة بيع "المصرف المتحد" يعرف قيمتها الخليجيون، فإنه وبمجرد إبداء الصندوق السيادي السعودي رغبته الاستحواذ عليه في أيار/ مايو الماضي، أعلن "صندوق الثروة السيادي" (ADQ) القابضة المملوكة لحكومة أبوظبي، رغبته الاستحواذ على البنك، فيما سمح لهما المركزي المصري بعملية الفحص النافي للجهالة.
وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، تحدثت مصادر مصرفية مرتبطة بصفقة "المصرف المتحد"، لموقع "مصراوي"، عن أن الصندوق "السيادي القطري" يخطط للتقدم بطلب للبنك المركزي للموافقة على إجراء فحص نافي للجهالة؛ تمهيدا لشراء البنك.
وكان الصندوق السعودي قد أجرى 12 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، محادثات متقدمة للاستحواذ على "المصرف المتحد"، عبر الشركة "
السعودية المصرية للاستثمار"، التي دشنها في آب/ أغسطس الماضي، لإدارة استثماراته بمصر، وقام بالفحص النافي للجهالة على البنك.
وطرحت الحكومة المصرية في 8 شباط/ فبراير الماضي، 32 شركة مملوكة لها وللجيش تعمل في 18 قطاعا، للاكتتاب في البورصة وأمام مستثمرين استراتيجيين خلال عام، تنفيذا لتعليمات صندوق النقد الدولي، ولسد فجوة تمويلية تعاني منها مصر مقدرة بـ17 مليار دولار.
وتستهدف حكومة رئيس النظام عبدالفتاح
السيسي، والصندوق السيادي الذي يشرف عليه، والذي تؤول إليه كافة الأصول المطروحة، بيع أصول بقيمة 8.7 مليار دولار في 46 شهرا، كون البلاد بحاجة لسد فجوة تمويل بنحو 17 مليار دولار خلال سنوات قليلة.
من بين الصفقات المصرفية والمالية التي أعلنت الحكومة المصرية طرحها، تأتي بنوك "القاهرة" (حكومي)، و"العربي الأفريقي الدولي" المملوك مناصفة بين البنك المركزي المصري وصندوق "الثروة السيادي الكويتي"، وكذلك "المصرف المتحد".
"خلاف مصري سعودي"
لكن؛ منذ ذلك الحين أثير خلاف بين الحكومة المصرية ومستثمرين خليجيين حول عملية تقييم تلك الصفقات، حيث تتمسك مصر بالتقييم بالدولار الأمريكي، فيما يصر الطرف الثاني على التقييم بالعملة المحلية، مع مطالبات بتخفيض قيمة الجنيه، مجددا.
هذا الخلاف بدا لافتا مع الجانب السعودي، بشأن تقييم صفقة "المصرف المتحد"، لتتوقف المفاوضات في 22 شباط/ فبراير الماضي، بسبب خلاف حول كيفية تقييم الصفقة، وكيفية حساب تأثير انخفاض قيمة الجنيه المصري على الصفقة.
ويأتي الحديث عن تمرير صفقة "المصرف المتحد" للكويت، في وقت اعترفت صحيفة "نيويورك تايمز"، الأمريكية 3 نيسان/ أبريل الجاري، أن الكيانات السعودية سعت لشراء الأصول المصرية بأسعار منخفضة، فيما نقلت عن خبراء قولهم إن هذا النهج يعتبره "المصريون استغلالا للوضع السيئ من جانب السعوديين... ".
لذا فإنه وإثر توقف المحادثات مع الصندوق السيادي السعودي، بحث البنك المركزي المصري في 9 آذار/ مارس الماضي، عن مشترين جددا، وأرسل طلبات لبنوك استثمار لتقديم عروض للقيام بدور المستشار لبيع "المصرف المتحد"، وهو ما تبعته أنباء عن عودة "الصندوق السيادي السعودي" للصفقة.
ومنذ تحرير سعر الصرف الأول في عهد رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، يعاني الجنيه من التراجع بمقابل العملات الأجنبية لينخفض من نحو 6.75 جنيها مقابل الدولار عام 2013، إلى 15.60 جنيها بالثلث الأول من 2022.
ذلك الانخفاض يتواصل بفعل ضغوط الحرب الروسية الأوكرانية، وضغوط خدمة الدين، وحاجة الحكومة لقروض من صندوق النقد الدولي والتي دفعت جميعها لخفض قيمة الجنيه 3 مرات بالعام الماضي، ليهوي مسجلا، الثلاثاء، نحو 30.90 جنيها مقابل الدولار.
"أهمية الصفقة"
"المصرف المتحد"، يعمل في مصر قبل 16 عاما، وتحديدا منذ العام 2006، بعد اندماج 4 بنوك صغيرة مملوكة للدولة كانت على وشك الإفلاس، هي: "المصرف الإسلامي للتنمية" و"الاستثمار"، و"بنك النيل"، و"البنك المصري المتحد".
وبحسب بيانات للبنك، فإن المصرف سجل صافي أرباح خلال آخر 5 سنوات بنحو 5.5 مليار جنيه منها 1.14 مليار جنيه في 2021، ولديه حوالي 65 فرعا بـ 18 محافظة مصرية، وأكثر من 200 جهاز صراف آلي.
ووفق "إندبندنت عربية"، فإن نتائج أعمال "المصرف المتحد" تشير إلى نمو أرباحه بنسبة 18 بالمئة خلال العام الماضي، حيث ارتفعت أرباحه من 1.1 مليار جنيه (35.598 مليون دولار) خلال عام 2021 إلى 1.3 مليار جنيه (42.07 مليون دولار) في 2022.
وبحسب أرقام مجمعة سجل "المصرف المتحد" خلال آخر 6 سنوات صافي أرباح بلغ نحو 6.8 مليار جنيه (220.064 مليون دولار) ليصعد من 430 مليون جنيه (13.915 مليون دولار) عام 2017 إلى 1.05 مليار جنيه (33.98 مليون دولار) عام 2018، ثم إلى 1.7 مليار جنيه (55.016 مليون دولار) عام 2019، ثم تراجع صافي الأرباح إلى 1.3 مليار جنيه (42.07 مليون دولار) في 2020، وسجل 1.14 مليار جنيه (36.893 مليون دولار) في 2021، ثم ارتفع إلى 1.3 مليار جنيه (42.07 مليون دولار) في 2022.
"تغول خليجي"
مع ما يثار عن صفقة "المصرف المتحد"، والتنافس الكويتي السعودي الإماراتي وحتى القطري، فإنه قد سبقه تغول خليجي واضح على قطاع المصارف المصرية وشركات الدفع الإليكتروني، المحلية.
وفي شباط/ فبراير 2022، أعلنت الهيئة العامة للرقابة المالية المصرية عن تقديم بنك "أبوظبي الأول"، عرضا إجباريا للاستحواذ على حصة أغلبية بنحو 51 بالمئة من المجموعة المالية "هيرميس"، بقيمة تقدر بحوالي 1.2 مليار دولار.
وخلال آذار/ مارس 2022، أجرى صندوق "أبوظبي السيادي" محادثات لشراء حصص بـ"البنك التجاري الدولي"، و"فوري"، للخدمات المصرفية، ضمن حصص بـ5 شركات مدرجة بسوق الأوراق المالية المصري، بقيمة 1.8 مليار دولار.
واستحوذ بنك "أبوظبي الأول"، على "بنك عودة" بشكل نهائي بعد إتمام الاندماج الكامل للعمليات والأنظمة مطلع تشرين الأول/ نوفمبر 2022، بإجمالي أصول يبلغ 187 مليار جنيه مصري، و69 فرعا و211 ماكينة صراف آلي.
وهناك 5 بنوك إماراتية بمصر، هي "أبوظبي الأول"، و"أبوظبي التجاري"، و"الإمارات دبي الوطني"، و"أبوظبي الإسلامي"، و"بنك المشرق".
ومن بين استحواذات السعودية على القطاع المالي في مصر، أصبح صندوق الاستثمارات العامة السعودي أكبر المساهمين بشركة "إي فاينانس" للمدفوعات الإلكترونية، بصفقة تمت في آب/ أغسطس 2022.
وذلك بعد حصول الشركة "السعودية المصرية للاستثمار"، التي جرى تأسيسها في الشهر ذاته على نسبة 25 بالمئة من أسهم الشركة من بنك الاستثمار القومي بقيمة 7.49 مليار جنيه.
"الأزمة هنا"
وفي تعليقه، قال الباحث في الاقتصاد السياسي، ومدير المركز الدولي للدراسات التنموية الدكتور مصطفى يوسف، إن "الاقتصاد المصري بموقف لا يحسد عليه ويعاني من إحجام المستثمرين بشكل عام عن شراء الأصول المعروضة".
وأوضح في حديثه لـ"عربي21"، أن "ذلك الإحجام يأتي نتيجة ضغوط سعرية في التقييم وطريقته وعملته، مع ضغوط أخرى ترتبط بسيادة النظام أو تغيير أشخاص معينين في بنية النظام ومسؤولين عن الملف الاقتصادي".
يوسف، لفت إلى ما اعتبره "النقطة الأخطر ؛ وهي أن النظام في حالة تردد واستياء وتخبط مع الدولتين الداعمتين له، الإمارات والسعودية ومن وراءهم قطر التي تشتري في قطاعات معينة دون أن تغضبهما ودون تنافس حقيقي".
وأكد أن "الكويت دخلت بشكل اقتصادي بحت"، ملمحا إلى أن "صندوق الاستثمار الكويتي هو الأقدم في المنطقة من صناديق الإمارات وقطر والسعودية".
ويرى أنه "رغم اختلافنا مع النظام المصري في سياساته الاقتصادية والسياسية، فإنه ليس خطأ أن يبحث عن أفضل العروض عند بيع أي أصل من الأصول، فلا تدار الأمور الاقتصادية بالمحاباة والصداقة، بل يجب التعامل بشكل تقييمي اقتصادي بحت".
وأضاف: "خاصة ونحن في سوق ببلد تقترب من الإفلاس، ولديها تعثر شديد، وهنا لا مجال لمحاباة السعودية والإمارات لأجل دورهما في دعم نظام السيسي وتثبيت دولة يوليو 2013، لأن الوضع الآن مختلف".
وأشار إلى أن مصر "تحتاج نحو 10 مليارات دولار، لكي تتنفس، وهذا لن يحدث؛ لأن المشكلة في بنية الاقتصاد، وأنه لا توجد جهة دولية أو مؤسسة أو مستثمر يستثمر في دولة اللاعب الرئيسي والأوحد والمسيطر على القوانين والصناعات والتخطيط المؤسسة العسكرية".
وتابع: "ولأن الحكم العسكري متحكم ويحكم، وهو ما يشير إليه حضور السيسي مسابقات تعيين الموظفين في وزارات التعليم والنقل وغيرها، في هيمنة عسكرية غير مسبوقة على قطاعات البترول والعقارات والبنية التحتية وتجارة التجزئة والسلع الغذائية وغيرها".
وأكد أنه "من الصعب حضور أي مستثمر حقيقي أو شركة سيارات كبرى أو لاعب رئيسي في الصناعات الغذائية وباقي القطاعات، إلا بعض الشركات التي تفرض الاستحواذ على حصة احتكارية، وتصاغ العقود في الخارج بشكل معين، ليحمي مصلحتها على حساب مصر".
واستبعد يوسف، "حتى وإن قامت ثورة أو تم تغيير النظام بشكل ديمقراطي، وهو احتمال شبه مستبعد، استعادة أي شيء من الشركات الأجنبية؛ لأن التحكيم الدولي لن ينصف مصر".