ازدادت ضغوط
المؤسسات والبنوك الدولية على
مصر، التي يمر اقتصادها بأوقات عصيبة دفعتها لاتخاذ
إجراءات
اقتصادية مؤلمة دون جدوى؛ فإلى جانب عودة المطالب بخفض العملة المحلية،
التي خفضها البنك المركزي 3 مرات في عام واحد، طالب صندوق النقد الدولي برفع
الفائدة بمعدلات أعلى.
وعلى مدار عام، رفع البنك المركزي المصري سعر الفائدة 10% خلال 5 اجتماعات منذ آذار/ مارس 2022
وحتى 30 آذار/ مارس الماضي، عندما رفع سعر الفائدة بنسبة 2% ليصل إلى 18.25%
للإيداع و19.25% للإقراض.
واستبق صندوق
النقد الدولي إصدار تقريره "آفاق الاقتصاد الإقليمي" المرتقب إصداره
رسميا في أيار/ مايو المقبل، بنشر توصيات تتضمن مطالبة مصر، إلى جانب تونس وباكستان، باتخاذ المزيد من التشديد النقدي (رفع أسعار الفائدة) لتحقيق الاستقرار في التضخم.
أزمة ثلاثية..
الجنيه والتضخم والفائدة
ورأى
الصندوق أن رفع مصر أسعار الفائدة جاء أقل من مؤشر الأسواق الناشئة والبلدان
النامية، ما يشير إلى أنها أقل تفاعلاً مع تطورات التضخم من نظيراتها الأخرى، على
الأرجح بسبب المقايضات في مصر بين الفائدة الأعلى والقدرة على تحمل الديون.
وواصلت معدلات
التضخم ارتفاعها على مدى عام كامل، ووصلت إلى أعلى مستوياتها في أكثر من 5 سنوات،
وسجل معدل التضخم العام السنوي خلال شهر آذار/ مارس الماضي 33.9%، بينما بلغ
المعدل السنوي للتضخم الأساسي، 39.5% مقابل 40.3% في شباط/ فبراير الماضي عندما
وصل لأعلى مستوى في تاريخه بمصر.
أما الجنيه، فكان أداؤه الأسوأ بين الأرقام السابقة، وانخفض أمام الدولار الأمريكي 50% على
المستوى الرسمي، حيث انهار من مستوى 15.7 جنيها إلى 31 جنيها للدولار الواحد، لكنه
انخفض إلى 60% في السوق الموازي خلال آخر 13 شهرا.
وبعد أن كان
معدل الفائدة الحقيقي في مصر أعلى مستوى في العالم، أصبح أقل بكثير من الصفر، ما
يمنع المستثمرين من العودة إلى سوق أدوات الدين، تجنبا لمخاطر استمرار هبوط العملة
المحلية، وعجز البلاد أو تأخرها عن دفع أقساط وفوائد الديون.
اختلاف رؤية
وكانت الحكومة
المصرية قد اتفقت مع صندوق النقد الدولي على برنامج للإصلاح الاقتصادي بقيمة 3
مليارات دولار لمدة 46 شهرا على عدة شرائح، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
وتتركز معالجة
صندوق النقد الدولي للتضخم في إجراء المزيد من الزيادات في أسعار الفائدة لتحقيق
الاستقرار في التضخم.
وتختلف تلك
السياسة مع السياسة التي يتبناها البنك المركزي المصري، وتتلخص رؤيته في مواجهة
أزمة التضخم بأنه يجب عدم حصرها في رفع أسعار الفائدة، وهو ما جاء على لسان محافظ
البنك حسن عبد الله، خلال اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين في وقت
سابق من هذا الشهر في واشنطن، قائلا "إن ارتفاع أسعار الفائدة لا يمكن أن
يفعل شيئاً يذكر لاحتواء التضخم".
إلى جانب
تشديد السياسة النقدية، يتضمن برنامج صندوق النقد إصلاحات هيكلية للاقتصاد المصري
أبعد مدى وأكثر جرأة مثل تخلي الدولة عن سيطرتها على الاقتصاد (في إشارة للجيش)،
وطرح شركاتها لمستثمرين وفي البورصة، وتعزيز مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد.
هل تقع مصر في
دائرة مفرغة ؟
في تقديره،
يقول خبير أسواق المال، وائل النحاس، إن "ارتفاع سعر الفائدة لا يجدي في ظل
وجود سعرين للنقد الأجنبي وبفارق كبير، وبالتالي هو خارج القطاع المصرفي، بالتالي
أصبح المشهد عبثيا، هناك تلاعب داخل سوق النقد، ويمثل خطورة على الاقتصاد الوطني،
وما لم تتدخل الدولة لوقف هذا العبث ستكون تداعياته وخيمة".
وردا على
تصريحات محافظ البنك المركزي المصري بأن التضخم مستورد من الخارج بالإضافة إلى
مشاكل سلاسل الإمداد، أوضح لـ"عربي21": "أن هذا الكلام عار عن
الحقيقة، التضخم ناجم عن خفض الجنيه، وشح الدولار، ووجود أكثر من سعر له، وأسعار
السلع عالميا عادت إلى ما قبل كورونا، ولا توجد مشاكل في سلاسل التوريد، وهي
تصريحات للاستهلاك المحلي".
ورأى أن
"مصر دخلت في مرحلة التضخم الحلزوني، أي ارتفاعات متتالية في التضخم، وأي خطة
إصلاح عادية ستؤدي إلى تداعيات اقتصادية كبيرة، والموجة التضخمية هي للأسف صناعة
حكومية نتيجة القرارات النقدية والسياسية الخاطئة، والموقف أصبح صعبا، لدرجة أن
عطاءات أذون الخزانة لتوفير التمويل للموازنة التي يصدرها البنك المركزي لا تغطي
جزءا قليلا من حجمها، مصر تسير في اتجاه الأرجنتين، وهو اتجاه كارثي، والمجموعة
التي تدير الاقتصاد أثبتت فشلها منذ 2016".
روشتات عقيمة
لإصلاح منظومة تتداعى
من جهته، يرى
المستشار الاقتصادي، الدكتور أحمد خزيم، أن "أزمة الاقتصاد المصري لا تجدي
معها الطرق الكلاسيكية في حلها مثل مواجهة التضخم برفع معدلات الفائدة، ومشكلة
صندوق النقد الدولي أن لديه أنماطا ووصفات للدول المدينة ثابتة لا يفرق بين دولة
وآخرها مع اختلاف اقتصاد كل دولة الأخرى، مصر لها مشاكلها الخاصة التي تتجاوز مجرد
رفع الفائدة وخفض الجنيه".
وقال مضيفا
لـ"عربي21": "إن رفع الفائدة وخفض الجنيه لم يسفرا إلا عن مزيد من
التضخم وهبوط العملة المحلية، وكان يجب على صندوق النقد الأخذ بعين الاعتبار حجم
الدين الداخلي والخارجي الكبيرين الذي يتجاوز 90% من إجمالي الناتج المحلي،
وبالتالي زيادة عجز الموازنة، ثانيا، خفض الإنفاق ليس كافيا، فقد تأتي ظروف
اقتصادية تؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع كما حدث مؤخرا، والحل هو زيادة إيرادات
قطاعات الإنتاج في الدولة مثل التصدير والسياحة".
وأشار إلى أن
"الطباعة المستمرة للنقود في مصر لن تجدي معها أسعار الفائدة المرتفعة،
السياسة المالية والنقدية لأي دولة تبحث في مجموعة مفردات من بينها نسبة التضخم
والإنتاج والبطالة ونمو القطاع الخاص، وبالتالي فإن معالجة الأزمة الاقتصادية من
خلال تقارير وروشتات لا تمثل الواقع سوف تفشل فشلا ذريعا، وثبت فشله، بدليل أن
الدولة تجري إصلاحات اقتصادية منذ 2016 دون أي نتيجة تذكر، بل إن الوضع أصبح أكثر
صعوبة".