مع اتساع رقعة الخلافات الإسرائيلية الداخلية، تطرح تساؤلات من قبل كبار الكتاب والمفكرين اليهود حول فرضية البقاء والصمود في هذه المنطقة، ويواصلون تذكير الجمهور الإسرائيلي بدروس التاريخ القديم للممالك اليهودية وانهيارها قبل بلوغها مئة عام.
في الوقت ذاته، فقد شهدت أسواق المكتبات الإسرائيلية رواجا لمؤلفات غربية تتحدث عن الحروب الأهلية الدموية والمدمرة، و"لماذا تفشل الأمم"، والفساد المتفشي الذي بات جزءا من نسيج حياة الإسرائيليين، تمهيدا لما يعيشونه من حالة عدم الاستقرار السياسي، وتراجع الثقة في مؤسساتهم الحكومية، مما سيلحق الضرر بالمؤسسات الرسمية للدولة.
شموئيل روزنر الكاتب في صحيفة
معاريف، ذكر أن "
دولة الاحتلال كان عمرها ثلاثين عامًا عندما وقعت اتفاق السلام مع مصر في 1979، وبدت حينها دولة فتية، تلقت بالفعل بضع ضربات، مع أنها لم تبلغ العشرين عاما بعد حين خاضت حرب حزيران 1967، مما يطرح السؤال المزمن الدائم: هل ستصمد إسرائيل لمدة مئة عام، رغم أنها اليوم، وهي ابنة 75 عامًا، أصبحت مركزًا قويًا للأمن والتكنولوجيا الفائقة، لكن اقتراب ذكرى تأسيسها بعد أيام يشكل مناسبة للبحث عن الذات، لا سيما في ظل العاصفة التي تختمر فيها".
وأضاف في مقال ترجمته "عربي21" أن "آخر استطلاع أجري بين الإسرائيليين عشية عيد الفصح، أكد غالبيتهم أنهم ليسوا متفائلين بشأن مستقبل أمنهم القومي، رغم أن إسرائيل بدون أمن لن تكون على الأرجح دولة قائمة، لأن سكانها يقظون بما يكفي للتذكر أن جيرانهم لن يترددوا بإيذائهم إذا اكتشفوا نقطة ضعف فيها، هذه إحدى الصعوبات التي يواجهها الإسرائيليون مع تحديات الأزمة السياسية الطاحنة فيها هذه الأيام، بسبب حكومتها الضعيفة".
وأشار إلى أنه "بعد أيام ستشهد إسرائيل الكثير من توزيع قصاصات الورق الاحتفالية بذكرى تأسيسها الخامسة والسبعين، لكنها في الوقت ذاته تحوم فوقها سحابة مرهقة من حالة عدم اليقين، لأن كثيرا منهم ليسوا متأكدين أن الدولة التي يعيشون فيها لها مستقبل، بل يشعرون أنها في خطر، ولذلك فهم قلقون جدا، مع وجود ثلاثة أسباب، أولها أنه رغم ما تتمتع به إسرائيل من قوة، لكن قراءة الواقع تظهر أنها في خطر حقًا، مع وجود مشاكل أمنية دائمة لم تتم معالجتها، بل تتفاقم".
وأكد أن "السبب الثاني حالة الاكتظاظ في دولة ذات مساحة صغيرة، وزيادة في نسبة المتدينين الحريديين المتعصبين ممن لا يعملون، والمشاكل الناشئة عن
استمرار احتلال الأراضي الفلسطينية، وحقيقة أنه ليس لدى الدولة دستور يحدد قواعد اللعبة السياسية للحفاظ على الاستقرار، وهذه قائمة جزئية فقط من مشاكلها الأمنية والسياسية، بالتزامن مع القلق الإسرائيلي من دروس التاريخ التي مرت بها الأجيال اليهودية السابقة، عن سقوط الدول اليهودية القديمة".
وأكد أن "دولة إسرائيل اليوم لا تشبه دولة "الحشمونائيم"، فمشاكل يهود إسرائيل اليوم لا تشبه مشاكل يهود المنفى في حينه، ومع ذلك فإن استحضار مثل هذه الذكريات التاريخية يبدو قويا هذه الأيام، بالتزامن مع تحرك يثير الاهتمام يتمثل بما يذكره القادة الإسرائيليون هذه الأيام من أحداث حُفرت في التاريخ الإسرائيلي، لا سيما الهولوكوست والاضطهاد، صحيح أنهم يذكرون هذه الأحداث لتشجيع التماسك الداخلي، لكنه في الواقع يزيد من القلق الإسرائيلي، ويرفع من منسوب عدم الاستقرار".
يتزامن مثل هذا الحديث الإسرائيلي المتشائم عن مستقبل الدولة مع ما تشهده من وجود عدة مجموعات سكانية مختلفة، ورغم أن مثل هذه التنوعات في بلد مستقر تبدو عادية، لكن في الحالة الإسرائيلية يبدو مثل هذا الخلاف مزعزعا للاستقرار الداخلي، فيما يستحضر الإسرائيليون ما نشرته صحيفة أتلانتيك الأمريكية الشهرية من مقال قبل عشرين عاما بعنوان، "هل ستعيش إسرائيل حتى مائة عام؟".
حينها شهدت الأوساط الأمريكية حالة من الغضب، بزعم أنه كيف يمكن طرح مثل هذا السؤال الذي يعبّر عن تحدّ حقيقي سيلحق بالدولة في مجرد وجودها حتى بلوغها المائة عام، واليوم، وبعد عشرين عاما بات مثل هذا سؤال يطرحه الكثير من الإسرائيليين في كل وقت، وبشكل أكثر حدة، ومع مرور الوقت بات السؤال إشكالياً، لأنه يعني أنها قد لا تبقى على قيد الحياة على الإطلاق في مثل هذه المنطقة القاسية.