قصّر الناس
على كثرتهم وفضلهم، فبخسوا
الهرّة التي عرجت إلى كتف الإمام الجزائري الهسهاس حقها،
فلم يسمّوها، فاسمها مضاف، وهو: هرّة الهسهاس، كما نقول ناقة صالح، ونملة سليمان،
وحوت يونس، وكلب أهل الكهف.
يقول
الرواة والإخباريون: إنَّ لكلب أهل الكهف اسم، وهو قطمير، وهو تعريب غوديمير، ولو كانت
هرّة الهسهاس مصرية لأطلقوا عليها اسماً مثل شربات، أو حلاوتهم، أو طعمة، ولحَبَسها
القضاء الشامخ إدارياً لأنها هرّة إخوانية أو داعشية، وتنشر أخباراً كاذبة، ولو
كانت هرّة وطنية لاختارت ضابطاً أو إماماً من الأئمة المعتكفين في معبد ماسبيرو، وعَلَت
كتفه وأشهرته في مناكب الأرض، ولأهداها الإمام المصري إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي
لأنها هرّة أمن قومي وخير هررة الأرض.
الهرّة
معارضة، والكلب من الموالاة في التصنيف السياسي، فأبرز خصائص
الكلب هي الوفاء،
والوفاء يعني الطاعة. ولهذا يحبون الكلب حب الأرباب أو أشد حبّاً.
سرعان
ما نَفَسَ على الهسهاس شيوخُ السلاطين وغاروا منه
وحسدوه، فعرجت هرّة إلى كتف أسامة الأزهري، وشتان بين القائم بين يدي ربه والقاعد
في ماسبيرو وما حولها. أما سبب انتشار الفيديو، فقد استوحشت الهرّة وتسلّقت إزار الإمام
واجتهدت ببراثنها حتى بلغت كتفه، وقبّلته في خده قبلة البركة ثم نزلت بعد أن بلغت
الرسالة وأدّت الأمانة، ولعل سبباً آخر في انتشارها هو أنَّ الهسهاس أكرمها، فلم
يجفل منها أو يدفعها، وأعانها على الارتقاء والسؤدد، من غير أن يفسد صلاته أو يبطل
خشوعها، فكان رفقه بها من صالحات أعماله.
الحيوانات
تخشع للقرآن، وفي السيرة النبوية أنَّ رجلاً كان يقرأ سورة الكهف وعنده فرس مربوط
بشطنين، فغشته سحابة فجعلت تدور وتدنو، وجعل فرسه ينفر منها، فلما أصبح أتى النبي
صلّى اللَّه عليه وسلّم فذكر له ذلك، فقال: تلك السكينة تنزلت للقرآن. ونرى صوراً
لعصافير أو حمام في مكة خاشعةً، فلا يجوز الصيد في
الحرَم، ولو حطّت على مسلم في غير مكة، لجفل منها، وربما صادها.
انتشرت
فيديوهات لظرفاء ومتظارفين بعد واقعة "قمة الهسهاس"، وعلى أكتافهم الهررة
في أثناء الصلاة، ورفع أحدهم على كتفه هرّتين، وكثرت مشاهد الهررة في المساجد، وخشينا
أن تصير الهرّة ركناً من أركان الإسلام، فلا يصح إسلام المسلم إلا بهرّة على كتفه
بعد نطق كلمة التوحيد.
أما السبب
الثالث في انتشار الفيديو، فهو عجمة الحيوان، والعجمة لها فصاحتها. وذكر باحثون أنَّ
أحد أسباب ولع النظارة بأفلام الكاوبوي هو جواد الكاوبوي، واشتهر في سينما الكاوبوي
في السبعينيات بطل له حمامة تحط على كتفه، فجمع ذلك البطل بين ابنتي الريح: الحصان
والحمامة. وفي أحد خطابات كاسترو الشيوعي المبكرة أمام الجموع الغفيرة حطّت حمامة
على كتفه، فعُدتْ علامة من السماء على مباركته رئيساً لكوبا.
ويمكن
أن نتذكر أنّ صناع مباريات كرة القدم المعاصرين، يتفاءلون بالحيوانات، وينتدبونها للنبوءة،
ويطلقون أخطبوطاً أو فيلاً أو ناقة لاختيار الفائز في المباريات النهائية. وقبلت بطلة فيلم الأفاتار ناتاري الدخيل الوافد جاك سولي
بعد أن رأت قوة قلبه، وكيف حطّت فراشة نورانية على كتفه، فشفعت له عند قبيلتها ثم
تزوجته.
لم يُعبد
في الأرض أكثر من الحيوان، فكان لكل قبيلة طوطم، ولعل الطوطم من لفظ التميمة.
رغبت
وسائل إعلام كبرى بخطف المشاهدين والأتباع وحسنات اللايكات كما كان النخّاسون يخطفون
السود من أفريقيا، بمكالمة الهسهاس "أبو هريرة الثاني" أو استضافته على
شاشاتها. وشعر مسلمون بالنصر على فضائيات أبي لهب، فهزمت هرّتهم كل الجرذان التي
أساءت كثيراً لصورة الشيخ والداعية بأفلامها وبرامجها ونفّرت الناس منه، أما في
الغرب.
فللحيوان
شأن آخر، فهو يعلو منزلة ومكانة، والكلب هو أوفر الحيوانات حظاً في السؤدد
والربوبية، حتى أنَّ صاحب تويتر إيلون ماسك مسخ عصفور تويتر كلبا، فظهرت صورة كلب
شعاراً لتويتر أياماً غرّاً طوالاً، وظهرت في بعض العواصم الأوروبية جماعات
المستكلبين، وهم شبان امتسخوا كلاباً، فهم ينبحون ويضعون أقنعة الكلاب، ويمشون على
أربع، فنحن مقبلون على عصر الطواطم وعبادة الحيوان و تقديسه من جديد.
ومن
وجه آخر، تكثر في يوتيوب ووسائل التواصل فيديوهات لحيوانات ذكية، تأتي بالعجائب؛
هررة وحمر وكلاب وطيور تكاد تنطق أو تنطق حقاً، ووجدتُ باحثاً سورياً معروفاً في
الإعجاز العلمي هو عبد الدائم كحيل وجد فيها دليلاً على اقتراب الساعة، فهي طلائع دابّة
الأرض التي ورد ذكرها في القرآن الكريم.
يعلم
القارئ أنَّ أشهر أبطال السينما الأمريكية مسوخ، فهم أنصاف بشر وأنصاف حيوانات،
وكانوا في أيام الإغريق أنصاف آلهة، مثل مصاص الدماء والمستذئب (الرجل الذئب) والمستقرد
(الرجل القرد) والمستخفش (بات مان). أما في المرويات العربية والإخباريات، فلم يقع
المسخ إلا عقوبة وقصاصاً، فقد كرّم الله الإنسان، وإن الحيوان فَضل الإنسان في كثير
من الخصائص، مثل السرعة كما لدى الفهد، والطيران كما لدى الطير، لكن الإنسان كُرِّم
بالعقل، وخلق الإنسان ضعيفا.
إن الحكومة
العالمية تُعلي من شأن الحيوان، وقد رفعت من شأن الكلب، فعلا في الأرض علوّاً كبيراً،
وما أكثر أنصابه في عواصم العالم، أما الفأر -وهو من الفواسق في الإسلام- فقد غدا
أشهر حيوان في مملكة ديزني الموقّرة.
الكلب
أحد الناصرين أو الخاذلين في السباق الانتخابي بين أردوغان وخصومه، ففي إسطنبول
ثمانية ملايين كلب تتكاثر، فنصيب كل مواطنين كلب، وهي تنتشر في الشوارع، وقد
افترست الكلاب طفلاً.
ودفعت
الحكومة العالمية فقهاء الدينار والدولار لإباحة اتّخاذ الكلاب في البيوت، والشعوب
في ضنك عيش وقلّة ماء وزاد، فهي تدافع في المنابر التلفزيونية عن شرعية الرئيس
(المتغلب والمتكلّب) وطهارة الكلب وعفّة الخنزير، كأن أمُّ الخنزير فطمتهم، وكأن
أم الكلب أرضعتهم حولين كاملين.
twitter.com/OmarImaromar