تعددت تعريفات
الزواج، كلٌ يراه من منظور مختلف، إلا أن الزواج
واحد، ومفهومه واحد، وإن اختلفت تجارب الناس فيه.
ويشغل الزواج عقول
الشباب من الذكور والإناث، أما نظرتهم
له فهي تختلف باختلاف مجتمعهم وثقافتهم وحتى أعرافهم، والبعض يرى الزواج حاجة إنسانية
لا بد أن يلبيها الإنسان، حين يصل للعمر المناسب وهو يمتلك المقوّمات الفكرية والجسدية
اللازمة، والبعض الآخر يرى حياة العزوبية حرية واستقلالا وقد يسلب الزواج هذه الحريات.
لكن مع اختلاف نظرتنا للزواج، أو فهمنا لماهيته ومغزاه،
إلا أنه ومع مرور الوقت أصبح أكثر تعقيدًا، فللزواج صورة يتغير إطارها باستمرار، فتتأثر
بما حولها من المتغيرات والظروف.
ونحن اليوم نشهد سؤالاً جديدًا، يرغب الشباب في إيجاد إجابة
له وهو: "هل أتزوج؟".
فلماذا أصبح الزواج مغامرة مقلقة بالنسبة للشباب؟ وكيف ساهم
التطور التكنولوجي في رسم هذه الصورة المشوّشة له؟
لا أحد يستطيع أن ينكر التقدم الذي نشهده اليوم على جميع
الأصعدة، هذا التقدم الذي يسهل الحياة، ويجعل أكثر المشاكل تعقيدًا تُحل في غضون دقائق،
له بالتأكيد بصمته في عوالمنا، وهذا اليسر الذي أضيف على أسلوب حياتنا جعل الاستبدال
أسهل الحلول وأسرعها، ولا يقتصر الاستبدال على الأشياء التالفة فقط، بل قد يصل إلى
الأشخاص أيضًا.
ياسر الحزيمي وهو مدرب في إدارة العلاقات، بين رأيه في ذلك
من خلال حلقة بودكاست خاصة، حيث قال: "الحياة جعلتنا نستهلك الأشياء ثم نستبدلها،
وعقلية الاستبدال اليوم جعلت الإنسان لا يحاول إصلاح أي شيء في حياته الزوجية، وإنما
يذهب إلى فكرة الاستبدال".
الإنترنت والعلاقات الإنسانية
يعد الإنترنت من أهم مظاهر التطور اليوم، وله سيطرته الواضحة
على العالم، وله سلطته القوية في البيوت، ونشهد اليوم العديد من العلاقات التي شارك
الإنترنت في قيامها، حتى إنه أصبح يساهم في إيجاد الشريك المناسب أحيانًا، وفي أحيانٍ
أخرى قد يرميك في أحضان خدعة تُعاملها أنت بأمانٍ وكأنها أمر واضح لا عبث فيه، ثم ترتطم
بجدار الحقيقة حين تلامس هذه العلاقة أطراف الواقع.
وفي هذا السياق، تحدثت الاستشارية التربوية والأسرية وداد
جادالله، لـ"عربي21"، قائلة "إن غالبية العلاقات التي تبدأ كنوع من
العلاقات الافتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي، يُصدم الشاب أو الفتاة بعد اتخاذ
العلاقة مسارا حقيقيا، بالاختلاف بين ما كان موجودًا في العالم الافتراضي، وما هو موجود
على أرض الواقع، من حيث الشكل أو الأسلوب، وهذا يسبب عزوف الكثيرين عن الزواج في الوقت
الحالي".
إن الإنترنت الذي يجعل العالم قرية صغيرة كما يُقال، قد يساعد
على فقدان التوازن في هذه القرية، ومن جهتها قالت وداد جادالله إن "العلاقات المتعددة
على مواقع التواصل الاجتماعي، تتسبب في فقدان الزواج لقدسيته".
وأضافت أن "تعدد المصادر التي يستطيع الشاب أو الفتاة من
خلالها إشباع الحاجات الجنسية، دون الدخول في علاقة حقيقية مستقرة، يؤدي إلى فقدان
الرغبة في الزواج.".
صدمة..
تميل بعض العوائل اليوم إلى عرض حياتها على منصات التواصل
الاجتماعي كمحتوى رئيسي لقنواتهم أو حساباتهم، وكل ما يعرض على الإنترنت لا بد له أن
يكون بأبهى حلة حتى ينال الترحيب اللازم من المشاهدين، أو أن يكون مثيرا للجدل حتى
يستطيع جلب الاهتمام المطلوب، وهذا قد يبني تصورات معينة لدى الشباب عن الحياة الزوجية.
ومن جهته قال الحزيمي: "كلما اتّسعت عينك ضاق صدرك،
فإذا أكثرتَ النظر، زهدتَ عن الأشياء الموجودة عندك".
وأضاف معلقًا على حالة الشباب المقبلين على الزواج:
"إنه بين العيش المُتوقع والواقع المَعيش تحدث الصدمة".
أما جادالله فترى أن "افتقاد الشاب والفتاة للمعنى الحقيقي
والغاية الأسمى للزواج، هو ما يجعل كلاً منهما يقوم ببناء تصور سطحي لهذه العلاقة،
حيث ينظر الشاب للزوجة على أنها ستقوم بتنظيم أمور حياته وتلبية احتياجاته، والفتاة
تنظر للزوج على أنه المسؤول عن سعادتها، وتلبية احتياجاتها كذلك، علما بأن هذه العلاقة
التي تنشأ بينهما هي إحدى أهم الوسائل التي تؤدي إلى تطور كل منهما، من خلال محاولة
التعاطف والتقبل والتكيف، للحفاظ على استمرارية العلاقة الزوجية".
وأردفت لـ"عربي21": "إن هذه المنصات تقوم
بالتقليل من القيمة الإنسانية للعلاقة الزوجية، من خلال التهكم والسخرية بشكل مباشر
أو غير مباشر منها، أو من خلال المسلسلات التي لا ترتبط بعاداتنا وتقاليدنا، والتي
تظهر الزواج كعلاقات مخترَقة بالخيانة الزوجية".
صعوبات الزواج اليوم
رغم انعدام الرغبة لدى بعض الشباب في الزواج، وشعورهم بأن
هذه الخطوة تتطلب من الشجاعة الكثير، فإن هناك آخرين يرغبون في الزواج وهناك ما يمنعهم من ذلك.
وردًا على سؤال "عربي21"، عن الصعوبات التي تحول
بين رغبة الشاب في الزواج وإقدامه عليه في وقتنا الحالي، بينت وداد جادالله أن
"نسبة الطلاق تزداد في المجتمع، وأصبحت كل عائلة لا تخلو من حالة طلاق واحدة على
الأقل، وهذا أعطى نموذجا سيئا للعلاقة الزوجية لغير المتزوجين، وشكّل حالة من التردد
لدى الكثيرين".
وأضافت جادالله أن "الدلال الزائد والحماية الزائدة
من قبل الأهل للأبناء، تتسبب في إنشاء جيل يفتقد الإحساس بالمسؤولية والقدرة على تحملها، ما أدى إلى فقدان الشباب للمعنى الحقيقي والغاية من الزواج، كما أنه أدى إلى نشوء علاقات
زوجية قصيرة الأمد وغالبا ما تنتهي بالطلاق".
وفي النهاية، لفتت جادالله النظر إلى أثر الأحوال الاقتصادية
وصعوبة العيش، بإقدام الشاب على الزواج فقالت: "تعد البطالة، وغلاء المعيشة، وارتفاع
تكاليف الزواج، أحد أهم أسباب عزوف الشباب عن الزواج".