نشرت
صحيفة "
الغارديان" تقريرا لمراسلها في الشرق الأوسط، مارتن شولوف قال فيه
إن رئيس النظام السوري بشار
الأسد انتهز فرصة الهزة الأرضية الشهر الماضي للعودة إلى
المسرح الإقليمي والخروج من العزلة.
وقال
إن الأسد الذي تجول في حلب بعد
الزلزال لم يظهر بمظهر الرجل الذي يحمل مصير الأمة على
ظهره. وعندما وقف لأخذ الصور مع السكان الذين اصطفوا للقائه وهو يفحص الضرر الذي تركه
الزلزال، بدا مرتاحا أكثر من اهتمامه وقلقه على الناجين من الكارثة. وكان الرئيس المبتسم
يفكر باللحظة التي جاءت إليه أخيرا.
فبعد
أيام من الكارثة كان مسؤولو الإغاثة الدولية يتدفقون من أجل مقابلته وطلب إذنه للوصول
إلى المجتمعات المتضررة والواقعة خارج سيطرته. ومرة أخرى بدأت المؤسسات الدولية بالتعامل
مع الأسد على أنه رئيس دولة ذات سيادة وموحدة. وسافر وزراء خارجية الدول العربية من
الأردن والإمارات العربية المتحدة ومصر إلى دمشق لمقابلة الرئيس وتقديم التعازي له.
وكانت رمزية هذه اللقاءات صورة عن حدث زلزالي ولكن من نوع آخر.
وبات
الأسد ولأول مرة منذ عقد ويزيد على الحرب والفوضى، ظل فيها منبوذا من جيرانه ومنافسيه
في المنطقة، في أعينهم الحل للأزمة التي أعطته الوصف في المقام الأول. ومنح الرجل الذي
أشرف على انهيار بلده وتشريد نصف السكان وتسبب في الانهيار الاقتصادي الذي لا يقارن
بأي بلد حول العالم خلال الـ 70 عاما الماضية فرصة للعودة. وعززت زيارة إلى عُمان في
20 شباط/ فبراير والتي كانت مرفقة بالسجاد الأحمر وموكب الحراسة والأعلام التي رفرفرت
على جانبي الطريق عملية إعادة تأهيل الأسد.
وقال
مسؤول أمني إقليمي: "هذه لحظة كانت قادمة" و"لم يعد هناك إمكانية لطرح
فكرة أن المنطقة آمنة ببقاء
سوريا منبوذة". لكن لا أحد يعرف عن ماذا سيتخلى الأسد
وماذا سيحمل أصدقاؤه العائدون إليه من نفوذ.
ويعتقد
أن المسؤولين البارزين في السعودية والإمارات دفعوا وبشكل قوي في موضوعين: فصل سوريا
عن التأثير الإيراني ووقف تصدير المادة المنشطة "كبتاغون" إلى دول الجوار.
وبدأ
الشيخ محمد بن راشد المكتوم، حاكم دبي ورئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد، المشهد للتحول
وعودة الأسد من خلال دعوته للزيارة في لقاءات غير رسمية. وحدد الرجلان المتوقع من الأسد،
وتقديمه كرجل ضل طريقه يمكن عودته للحظيرة لو غير من سلوكه.
وبعد
عام لم يتغير إلا القليل سوى ما حدث على المواقف الإقليمية. فقد حولت صناعة مخدرات
مدعومة من مؤسسات الدولة إلى دولة مخدرات أصبحت تنافس كارتل سينالوا المكسيكي وحجم
دور الدولة فيها. وبموارد مالية تصل سنويا إلى 6 مليارات دولار وأعلى من الناتج المحلي
العام، فلم يكن هناك ما يؤشر إلى تخلي سوريا عن هذه الصناعة التي تنتج وتعلب وتهرب
الحبوب إلى دول الجوار، وبخاصة منطقة الخليج.
وصادرت
السلطات الإماراتية في الشهر الماضي 4.5 ملايين حبة كبتاغون خبئت في علب الفول. وأعلنت
السلطات الإيطالية مذكرة اعتقال مواطن سوري، طاهر الكيالي الذي اتهم بتنسيق شحنة مكونة
من 14 طنا من المنشط وكانت في طريقها إلى ليبيا والسعودية عام 2020. ويقول المسؤولون
الإيطاليون إنهم متأكدون من مصدر الحبوب وهي سوريا وأنها مرتبطة بحزب الله اللبناني.
وضغط
عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني على وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أثناء زيارته
للمنطقة في الأسبوع الماضي لوضع قيود على الأسد كي يوقف تجارة الكبتاغون التي يعتقد المسؤولون
الغربيون والإقليميون أن ماهر الأسد، شقيق الرئيس هو من يشرف عليها ويتم تسهيلها من
الفرقة الرابعة في الجيش السوري الواقعة تحت سيطرته. وأكد الملك عبد الله على دور الميليشيات
المدعومة من إيران في التجارة عبر جنوب سوريا، بشكل خلق مشكلة كبرى لقوات الحدود الأردنية
وتوفر تجارة مربحة عبر الحدود إلى العراق.
ولا
يعرف إن كان الأسد سيتحول عن إيران التي لا تزال محورية في نجاته. وبات المطلب هذا
محلا للشك بعد الإعلان المفاجئ يوم الجمعة عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران
والسعودية.
وترى
الصحيفة أن حقيقة وصول الأسد إلى نقطة إعادة التأهيل ليست أمرا بسيطا بسبب الدعم الذي
حصل عليه من إيران عندما واجه حربا ضده. وعملت طهران بدورها على زيادة نفوذها وبناء
ممر بري من أراضيها عبر العراق وسوريا إلى لبنان الذي يهيمن فيه حزب الله على المشهد
السياسي.
وهناك
مشكلة في محاولة الضغط على الأسد الذي يحكم منذ عقدين وإبعاده عن إيران، لأن أي تحرك
بهذا الاتجاه بمثابة مخاطرة وجودية و"هذه مجازفة لا يستطيع القيام بها" كما
يقول مسؤول في المنطقة و"لم يفكر الإماراتيون والسعوديون بهذا الأمر".
ومطلب
آخر للأسد، يتعلق بالتفاوض مع المعارضة السورية وتشجيع عودة اللاجئين إلى بلادهم، وهذا
يبدو مشكوكا فيه مثل المطلب السابق. وحتى في الأيام الحالكة التي واجهت النظام والذي
أنقذه حلفاؤه مرتين، لم يتعامل نظام دمشق مع المفاوضات بطريقة جدية، وعندما حدثت مفاوضات
كانت تدور حول إجلاء مجتمعات استسلمت. وفشلت المحادثات المتكررة والتي دعمتها روسيا
والدول الغربية من جنيف إلى أستانة في كازخستان ومنذ عام 2013 ببناء زخم للتسوية. ولم
تتحقق مطالب تسوية تقوم على مشاركة الأطراف المتصارعة، بل وعلى العكس اعتمد النظام
على القوة المفرطة لتقوية حكم الدولة البوليسية وبدون خوف من العقاب.
وطالما
طالب أعداء النظام الأمم المتحدة بمحاسبته على جرائمه، لكن الدرس الذي سيتعلمه من الكلام
المتشدد سابقا والاستقبال الحافل له في عواصم دول عربية هو أنه يستطيع عمل ما يريد
بدون أن يغير من أساليبه.
وظل
الأسد يؤمن بإعادة الدور الحقيقي لسوريا كمركز تاريخي للتأثير بالمنطقة، وطوال 23 عاما
من حكمه، وهو اعتقاد حمله والده حافظ الأسد الذي أدت وفاته عام 2000 إلى تعبيد الطريق
أمام زعيم غير متوقع. وقال سفير أوروبي في الإمارات: "الأتراك والروس والإيرانيون
متعجلون لممارسة النفوذ ولا يهم إن كان الأسد ظل في بلد ضعيف لا يستطيع الزعم بأنه
يحكمه، ولا يهم لو لم يستطيعوا التأثير على سلوكه الخبيث". وأضاف: "بالنسبة
لهم، فالمهم هو حصد الجائزة من بلد مدمر، وأعتقد أن دول الخليج تشعر بنفس الطريقة".