نشر موقع
"
ذي إنترسبت" مقالا للصحفي مرتضى حسين، قال فيه إن الشعب السوري عانى
على مدى العقد الماضي من مصاعب لا مثيل لها من الحرب والنزوح الجماعي. وفي وقت
سابق من هذا الشهر، أصيب السوريون بكارثة أخرى حيث دمر
زلزال تاريخي بلدات بأكملها
في تركيا وسوريا ودفن عشرات الآلاف تحت الأنقاض.
وأدت الحاجة
الماسة للمساعدات الإنسانية إلى إعادة إشعال الجدل حول
العقوبات الأمريكية ضد
سوريا وما إذا كان ينبغي على الحكومة الأمريكية رفعها لتسريع جهود الإنقاذ
والإغاثة.
واستخدم رئيس النظام
السوري بشار الأسد الزلزال، لتجديد الدعوات لرفع العقوبات - وهي دعوة رددتها بعض
الجماعات والنشطاء التقدميين والعرب الأمريكيين في الولايات المتحدة.
القضية مثيرة
للجدل، حيث يجادل منتقدو نظام الأسد بأن العقوبات تحمي السوريين من المزيد من
الأذى من خلال حرمان الحكومة من الموارد لإعادة التسلح وشن حملة عسكرية ضد ملايين
الأشخاص الذين يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة الأكثر تضررا من
الزلزال.
قال وائل
الزيات، الرئيس التنفيذي لمنظمة Emgage،
وهي منظمة أمريكية تناصر قضايا المسلمين وخبير سياسات الشرق الأوسط السابق في
وزارة الخارجية الأمريكية: "لقد تسبب النظام في إلحاق أضرار بالبلاد أكبر
بآلاف المرات من الزلزال الأخير. إن الأصوات التي تأتي الآن للمطالبة برفع
العقوبات عن الحكومة إما أنها ساخرة أو ببساطة لا تعرف ما يجري في سوريا".
في عام 2019،
أصدرت الولايات المتحدة قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا، والذي فرض عقوبات
قاسية على الاقتصاد السوري بعد الكشف عن التعذيب والإعدامات الجماعية في السجون
الحكومية من قبل منشق عسكري سوري يُدعى قيصر، قدم آلاف الصور لمقتولين من
المعتقلين إلى المحققين الأجانب.
لقد قطعت
العقوبات سوريا فعليا عن الاقتصاد العالمي، وتركتها تعتمد على حفنة من الدول
الحليفة مثل روسيا وإيران.
في الأسبوع
الماضي، سمح مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بوزارة الخزانة الأمريكية بالإعفاء من
العقوبات لمدة 180 يوما حتى تتمكن منظمات المساعدة الإنسانية من القيام بأعمال
التعافي من الزلزال في سوريا دون خوف من التداعيات القانونية.
وفتحت حكومة
النظام السوري مؤخرا معبرين حدوديين للسماح بتدفق المساعدات إلى المناطق التي
يسيطر عليها الثوار من أراضيها، على الرغم من أن بعض الجماعات المسلحة المحلية
قالت إنها سترفض أي مساعدات تأتي عبر دمشق.
وعلى الرغم من
العقوبات، استفادت حكومة النظام السوري من برامج مساعدات الأمم المتحدة التي وفرت
موارد حيوية للأشخاص في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، بينما ساعدت في الوقت
نفسه في دعم الشركات الفاسدة والتعسفية المرتبطة بالنظام.
وقال كرم شعار، وهو خبير اقتصادي سياسي متخصص في سوريا وزميل غير مقيم في معهد الشرق الأوسط:
"تؤثر العقوبات على الاستجابة الإنسانية، لكن التأثير مبالغ فيه بشكل كبير
ويقابله في الغالب حقيقة أن الغالبية العظمى من المساعدات التي تصل إلى سوريا -
ومعظمها يذهب إلى سوريا التي يسيطر عليها النظام - تأتي من نفس البلدان التي تفرض
تلك العقوبات. النظام السوري يسحب المساعدات ويبيعها في السوق السوداء لإثراء
أصدقائه".
وتابع:
"العامل الرئيسي الذي يعيق المساعدات الإنسانية ليس العقوبات. إنها حقيقة أن
بشار الأسد لص بكل بساطة".
وقالت رنا
خوري، الأستاذة المساعدة في العلوم السياسية في جامعة إلينوي أوربانا شامبين التي
تركز أبحاثها على المساعدات الدولية والنشاط المدني خلال الصراع السوري: "في
السنوات الأولى من الحرب، عندما سعت وكالات حقوق الإنسان إلى تقديم المساعدة
لسوريا، كان التحدي الأكبر الذي واجههم في كثير من الأحيان هو النظام نفسه، الذي
أراد السيطرة على من وأين يمكنهم الوصول. هذا أدى إلى انقسام في الاستجابة من حيث
تقديم العون داخل البلد".
وأشارت إلى أن
المساعدات استغرقت عدة أيام للدخول إلى شمال غرب سوريا عقب الزلزال، ما أدى إلى
تأجيج وضع يائس لسكان كان معظمهم من النازحين داخليا وفقدوا كل شيء من قبل.
في الوقت نفسه، فإن لديك هذا العالم الموازي في الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة حيث
يكون الناس أيضا في أمس الحاجة إليها. هذا الوضع ليس بسبب العقوبات بالكامل، لكنها
أدت إلى تفاقمه بالتأكيد".
ورأى كاتب المقال أنه إذا تم رفع العقوبات، فمن المتوقع أن يقوم نظام الأسد بإعادة التسلح ومحاولة
استعادة الأراضي التي تسيطر عليها الآن الجماعات الكردية والعربية السنية.
وقال الزيات
من Emgage: "الغرض من هذه العقوبات ليس تغيير
النظام. الهدف هو الحد من قدرة الحكومة على إيذاء الناس في المناطق التي تسيطر
عليها المعارضة من خلال حرمانها من العملة الصعبة التي تحتاجها لشراء طائرات ميغ
مقاتلة ودبابات وإعادة تسليح مليشياتها".
لم يكن نظام
الأسد راغبا في التفاوض بشأن أي تقليص لسلطته منذ بداية الحرب - وهو موقف عنيد قضى
فعليا على سوريا في مأساتها الحالية. وتظل العقوبات، في نظر المدافعين عنها، واحدة
من آخر الأدوات المتاحة لإجبار النظام على الموافقة على معاهدة سلام دائم مع ما
تبقى من المعارضة.
وقال الزيات:
"قد تكون هناك جهود مكرسة لوقف إطلاق نار وطني رسمي ينتج عنه تقاسم للسلطة
وإنهاء الصراع. وإذا وافق النظام، يمكن استخدام رفع العقوبات كحافز اقتصادي
وسياسي".
بينما ظلت
الولايات المتحدة معادية للنظام السوري، فقد بدأت العديد من دول الشرق الأوسط التي
كانت ملتزمة سابقا بالإطاحة بالأسد باحتضانه مرة أخرى، بما في ذلك شركاء الولايات
المتحدة المقربين مثل الإمارات والسعودية.
موقفهم قائم
على البراغماتية الباردة. بقدر ما تستحق حكومة الأسد أن تُلقى في مزبلة التاريخ
بسبب جرائمها، فقد خلص العديد من جيرانه إلى أنه من غير المرجح أن يتم الإطاحة
بالأسد في أي وقت قريب أو التخلي عن السيطرة على ملايين الأشخاص الذين يعيشون تحت
حكمه. أثار هذا الواقع مأزقا لمعارضي النظام الذين يسعون لتحقيق العدالة لسوريا،
ولكنهم يريدون تقليل الأضرار الجانبية التي تسببها العقوبات للسوريين العاديين.
قال شعار،
الخبير الاقتصادي السياسي: "هذا يضعنا كسوريين معارضين للنظام السوري في
معضلة سياسية وأخلاقية. إذا علمنا أن الدول الغربية لا تستثمر بشكل حقيقي في حل
سياسي في سوريا، فهل يجب أن نستمر في دعم العقوبات؟ لست متأكدا من أنه ينبغي علينا
ذلك- أو على الأقل عدم فرض عقوبات بشكلها الحالي".
قبل كل شيء،
يقول المدافعون إن أي تخفيف للعقوبات الاقتصادية يجب أن يقترن بالمحادثات السياسية
التي تضع حدا للصراع السوري إلى الأبد، بدلا من مجرد توفير الأموال لتغذية العودة
إلى الحرب.
وقال الزيات:
"يمكننا أن نتفق على أن العقوبات تؤثر على الشعب السوري. لا أحد يستطيع أن
يقول إنها لا تفعل ذلك. لكن الشعب السوري رهائن أيضا لهذا النظام. إذا تم رفع
العقوبات اليوم، فإن الحرب ستشتعل مرة أخرى. في غياب حل سياسي لسبعة ملايين عربي
وكردي يعيشون في شمال البلاد، لن يؤدي [رفع العقوبات] إلا إلى تمكين الأسد وإيذاء
السوريين".