تصاعدت
وبشكل لافت حالات الاغتيال والاختطاف في
العراق، لا سيما في محافظة ديالى ذات الغالبية
السنية المحاذية لإيران، الأمر الذي أثار الكثير من التساؤلات بخصوص أسباب عودة مسلسل
الاغتيالات إلى الواجهة مجددا بعد استقرار نسبي شهدته المدينة مؤخرا.
وصرّح
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، خلال مقابلة تلفزيونية، الجمعة، بأنه لن يسمح
بعودة الطائفية في ديالى، وأن الجهات الأمنية تعمل على إمساك الجهات التي تقف وراء
الجرائم المرتكبة حديثا بالمحافظة، وأنه يتابع شخصيا تطورات القضية هذه.
لماذا
ديالى؟
وبخصوص
أسباب تصاعد الاغتيالات في ديالى تحديدا، قال النائب العراقي عن المحافظة ذاتها، رعد
الدهلكي، إنه "بعدما ضاق الخناق على عصابات تهريب الدولار التي كانت تعتاش على
الفوضى الأمنية في ديالى، لجأت إلى إثارة التوترات وإرباك الاستقرار فيها".
وأوضح
الدهلكي في حديث لـ"عربي21" أن "المحافظة تربطها حدود هي الأكبر من
باقي المحافظات مع إيران، وأن هذا الخط الحدودي يستخدم للتهريب، ولا يحقق مبتغاه في
ظل الاستقرار الأمني، لذلك فإن جهات معروفة في عملها الإجرامي كانت تمارس التهريب من
دون رادع، هي من تعمل على زعزعة الأمن في المدينة".
ولفت
إلى أن "ديالى مدينة تتكون من جميع الطوائف العراقية، وإذا استقر البلد تستقر
المدينة، والعكس صحيح، لذلك نعتقد أن هذا التوتر إذا لم يتم إنهاؤه فإنه سيكون الشرارة
التي تعم العراق بالكامل".
وأكد
الدهلكي أن "ما حصل في ديالى ليس قتلا على الهوية فقط، وإنما ضحيته ناس أبرياء
قتلهم السلاح المنفلت المسيطر على المدينة، فهؤلاء لا يكترثون بالحكومة، ولا تستطيع
أي جهة القبض عليهم، فهم معروفون للجهات الأمنية، لكنها تخشى اعتقالهم بسبب الضغوطات
السياسية التي تقع عليهم".
وأشار
النائب إلى أن "رئيس الوزراء ومكتبه يتابعون الأوضاع في ديالى، ووعدنا بإدارة الملف
الأمني بنفسه وتقييمه شخصيا، وإجراء تغييرات أمنية، وإعادة التوازن المكوناتي لها، واتخاذ
خطوات إيجابية باتجاه إرسال رسائل اطمئنان للأهالي".
وأردف:
"لم نجد حتى الآن تغييرات ملموسة في ديالى، لكن نأمل أنها بعدما تأخرت كثيرا أن
تحسم خلال المدة القريبة المقبلة، لأننا ليس لدينا سوى خيمة الدولة، وأن السلاح المنفلت
حتى إذا حمى المحافظة لوقت معيّن، فسينقلب عليها عاجلا أو آجلا".
وأوضح
الدهلكي أن "السنة أغلبية في ديالى فقط من ناحية التمثيل السياسي بالعاصمة بغداد
(برلمان، حكومة)، لكن تمثيلهم صفر في الجانب الإداري والأمني بالمحافظة، فالإقصاء واضح
للمكون بشكل كامل بالمدينة، وهذا أيضا ما طرحناه على رئيس الوزراء".
وأكد
النائب أنه "خاطب بعثة الأمم المتحدة في العراق للحضور إلى ديالى، والوقوف على
أحداثها؛ لإيجاد طريقة للتفاهم السياسي، ونزع السلاح المنفلت وحصره بيد الدولة، لأننا
نعتقد أن شيئا ما يُخطط للمحافظة، لذلك على الحكومة والجهات المسؤولية أن تعي خطورة
الأمر، والعمل جاهدة للقضاء عليه قبل أن يفوت الأوان".
"أزمة
تاريخية"
من جهته،
اتفق المحلل السياسي فلاح المشعل مع أن التضييق على المهربين في العراق أحد أسباب التوتر
الحاصل، وأن "الدليل على ذلك هو أغلب من يتم إمساكهم بالمناطق الحدودية هم في
ديالى، فهي منفذ لتهريب المخدرات والسلاح، كونها تضم منافذ حدودية غير رسمية".
وأضاف
المشعل لـ"عربي21": "لذلك لا بد من وضع استحكامات عالية المستوى لتحقيق
أمن المدينة، سواء من الخارج أو الداخل، وأخذ تعهدات من شيوخ القبائل، وسحب السلاح منهم
ومن المليشيات، والاعتماد على الأجهزة الأمنية فقط بملف ديالى الأمني".
وأشار
إلى أن "موضوع ديالى ليس بالجديد، فالوضع الأمني يشتعل ويخفت فترات ثم يعود ويلتهب
من جديد، فالمدينة مختلطة، وتضم كل مكونات الشعب العراقي، وما يحصل اليوم هو نزاع بين
قبائل شيعية وسنية، وأن هناك مغذيات له من خارج الحدود".
وأوضح
المشعل أن "ديالى محاذية لدولة إيران، لذلك الموضوع له جذور تاريخية كون المدينة
كان جبهة مباشرة إبان حرب الثماني سنوات بين العراق وإيران، وكذلك هناك محاولات لجعل
المدينة خالصة لسطوة شيعية".
ولفت
الخبير العراقي إلى أن "ما يحصل في ديالى سببه أيضا ضعف الحكومة في السيطرة على
مناطق المحافظة، إضافة إلى فشل موضوع المصالحة الوطنية بين أبناء المدينة، والتي أعتقد
أن هناك رايات من خارج الحدود تشتغل لاستمرار هذا الهاجس".
واستبعد
المشعل أن "ينتقل الأمر من ديالى إلى مدن أخرى فيها تنوع واختلاط مذهبي (شيعي-
سني)؛ لأن الحرب الطائفية التي حصلت في العراق خلال المرحلة من 2005 وحتى 2008، الشعب اكتشف أنها ألاعيب الأحزاب السياسية حتى تبقى تسيطر على مقاليد الأمور وثروة
البلد".
وبيّن
الخبير العراقي أن "الأحزاب هذه نجحت في انكفاء المكونات على أنفسها وتغييب الهوية
الوطنية العراقية، كونها أحزاب طائفية وقومية، لذلك الشعب أدرك ذلك تماما، ومنذ عام
2011 وحتى اليوم يعبر خلافا لما يريدونه، وذلك من خلال المظاهرات والاحتجاجات التي
شهدت تلاحما واضحا بين مكونات البلد".
وطالت
الاغتيالات خلال أقل من شهر واحد طيارا في سلاح الجو برتبة عقيد في محافظة الأنبار
بعد اختطافه، وضابطا آخر برتبة عميد بأسلحة كاتمة في محافظة ديالى، وكلاهما كان في
صفوف الجيش العراقي قبل الاحتلال الأمريكي للبلاد عام 2003.
وشملت
كذلك مقتل أشهر طبيب قلب في ديالى، الدكتور أحمد طلال المدفعي، واختطاف آخر يدعى علي
الحسيني، ثم الإقدام على قتل 5 أشخاص من عائلة واحدة، بينهم امرأتان في إحدى قرى المدينة،
التي ينتمي محافظها مثنى التميمي إلى "منظمة بدر" بزعامة هادي العامري.