أثارت زيارة الرئيس
العراقي السابق
برهم صالح، ورئيس حكومته السابق مصطفى
الكاظمي، إلى طهران واللقاء مع وزير خارجية
إيران، حسين أمير عبد اللهيان، جدلا واسعا في العراق حول أسباب تواجدهما هناك، والذي أعقبه بشكل مباشر وصول الأخير إلى بغداد.
ونشرت وسائل إعلام إيرانية، الثلاثاء، صورا للقاء الكاظمي بوزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان، بينما غابت أي صور وتفاصيل عن زيارة برهم صالح، سوى ما نشره مقربون من السلطات الإيرانية، الذين قالوا إنه تواجد مع بشكل متزامن في طهران.
"ترطيب الأجواء"
وفي التفاصيل التي ذكرتها وسائل الإعلام هذه، فقد نشرت وكالة "مهر" الإيرانية خبرا، قالت فيه إن "وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، استقبل رئيس الوزراء العراقي السابق، مصطفى الكاظمي، وأجرى معه جولة محادثات في العاصمة طهران، الثلاثاء".
وأشارت إلى أن "عبد اللهيان أجرى محادثات مع الكاظمي خلال زيارته إلى طهران قبل أشهر عدة حول آخر المستجدات في المنطقة والمسائل المتعلقة بالعلاقات الثنائية، إذ صرّح الأخير في ذلك الاجتماع بأن إيران تعتبر أن حل مشاكل المنطقة يجب أن يجري من داخل المنطقة".
وبحسب الوكالة، فإن عبد اللهيان "ثمن جهود العراق في تعزيز عنصر الحوار ودوره البناء في المعادلات الإقليمية والحوار بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والسعودية، لافتا إلى أن إيران لا تريد سوى الخير للمنطقة، وتؤيد إعادة فتح السفارات في عاصمتي البلدين، بحسب الوكالة الإيرانية.
وفي السياق ذاته، قال أمير الموسوي، مدير مركز الدراسات الإستراتيجية والعلاقات الدولية الإيراني، القريب من السلطات، الثلاثاء، إن الزيارة كانت برغبة من برهم صالح والكاظمي، وتأتي في سياق اللقاءات الطبيعية بين المسؤولين القادة العراقيين السابقين والحاليين مع الإيرانيين.
وأوضح الموسوي في تغريدة على "تويتر"، إن "تلبية الجمهورية الإسلامية لرغبة الرئيسين السابقين في العراق صالح والكاظمي لزيارة طهران ولقاء المسؤولين فيها، تأتي في إطار التفاهمات السياسية بين البلدين واللقاءات الطبيعية بين القادة العراقيين السابقين والحاليين مع المسؤولين الإيرانيين، وذلك لترطيب الأجواء الداخلية والإقليمية".
لكن مقربين من قوى الإطار التنسيقي الشيعي في العراق الحليف لإيران تساءلوا عن أسباب الزيارة، لاسيما أنهم يتهمون الكاظمي وصالح بالتورط في مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، بغارة أمريكية في 3 كانون الثاني/ يناير 2020.
وطرح المحلل السياسي القريب من الإطار التنسيقي، عباس العرداوي، مجموعة تساؤلات على "تويتر" الثلاثاء، بالقول: "ماذا يحمل الكاظمي في زيارته إلى طهران؟ وهل يبحث عن منطقة أمنه له؟ ولماذا التحق به برهم صالح؟ هل هما مبعوثان؟ ولصالح من؟ أم أنها دعوة إيرانية؟ استفهامات لا أحد يجيب عنها، ومن يعرف لا يتحدث بها".
"دعوة للوساطة"
وبخصوص أسباب زيارة الكاظمي وصالح لإيران في الوقت الحالي، رأى السياسي العراقي وائل عبد اللطيف أن إيران هي من أرسلت عليهما من أجل الطلب منها لاستئناف الوساطة التي جرت في عهدهما مع المملكة العربية السعودية، وربما حتى مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وقال عبد اللطيف لـ"
عربي21" إن "الكاظمي قد بذل جهدا كبيرا في مسألة التفاوض بين إيران والسعودية حينما كان رئيسا للحكومة العراقية، وتوصل إلى نتائج قريبة من إيذان عودة فتح السفارتين، وهذه الجهود استطاع النجاح فيها من الناحية الفعلية".
وأشار إلى أن "إيران لا حظت أن اتجاهات رئيس الوزراء العراقي الحالي محمد شياع السوداني تختلف عن توجهات سلفه مصطفى الكاظمي، وعلى هذا الأساس أرسلوا إلى الأخير، واستقبلوه كأنه رئيس وزراء العراق، وليست شخصية متقاعدة أو خارجة عن الخدمة الرسمية من الناحية الواقعية".
وتابع: "إيران بحاجة إلى دول تكون إلى جانبها، فالمملكة العربية السعودية دولة تتمتع بعلاقات واسعة جدا مع المحيط العربي والولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، لذلك طهران لا تجد أفضل منها من أجل تخفيف العقوبات المتخذة ضدها من الغرب".
ورأى عبد اللطيف أن "تواجد الكاظمي وبرهم صالح في إيران حالة طبيعية جدا، لأنهما ذهبا بصفتهما الشخصية، ولا يمثلان أي جهة رسمية تمثل الدولة العراقية، إلا إذا كان هناك تكليف بشكل سري من السوداني لهما للقيام بهذه المهمة، وأنا أستبعد هذا الموضوع".
وأكد السياسي العراقي أن "إيران تبحث عن مصالحها سواء عند برهم صالح أو الكاظمي وهي من تسعى إليها، أما حديث حلفاء طهران في العراق عن تورطها بمقتل سليماني والمهندس، فهي لا تمثل رأي الدولة العراقية، لأن من يمثلها هي وزارة الخارجية أو الحكومة ورئيسها".
وأردف: "هؤلاء نفسهم (حلفاء إيران) كانوا قبل مدة يصرحون بأنهم لا يقبلون ببقاء جندي أمريكي واحد على أراض العراق، لكنهم اليوم يريدون بقاء القوات الأمريكية لمدة لا تقل عن 7 سنوات، لهذا تصريحاتهم لا يمكن أن يعتد بها، وأن اتهاماتهم للكاظمي تأتي في سياق التسقيط السياسي لا أكثر".
استقدام قضائي
وفي المقابل، قال السياسي العراقي المعارض، أحمد الأبيض، إن "الحديث عن تواجد الكاظمي وبرهم صالح في إيران هو من أجل التوسط مع السعودية أو الولايات المتحدة، فهي تكهنات ليست صحيحة، لأن وفد عراقي برئاسة وزير الخارجية فؤاد حسين كان قبل أيام في واشنطن".
وأوضح الأبيض لـ"
عربي21" أن "فؤاد حسين مقرب من الإدارة الأمريكية الحالية، وتحديدا مع وزير الخارجية توني بلينكن، وكذلك لديه علاقات قريبة جدا من وزير خارجية إيران أمير عبد اللهيان، فإذا كانت هناك مساعي وساطة، فإن وزير خارجية العراق أولى بأن يتولاها".
وتابع: "كذلك الحديث عن رغبة طهران في توسيطهما لاستئناف المصالحة مع المملكة العربية السعودية أمير غير صحيح، لأن القرار في الرياض غير مبني على وساطات، وإنما مرتبط بأجندات دولية، إضافة إلى أن الأخيرة تعتقد أن وضعها الإقليمي أقوى من إيران".
وزاد الأبيض قائلا: "السعودية ترى أيضا أنها تمثل عنصر توازن حتى فيما يتعلق بالصراع القائم بين روسيا وأوكرانيا، وكذلك ضاغطة على الإدارة الأمريكية، لذلك فإن لديها مشكلات حتى مع دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي كانت حليفة للمملكة".
وبحسب الأبيض، فإن "وجود الشخصيتين (برهم صالح، ومصطفى الكاظمي) يتعلق بالتحقيقات القضائية التي تجريها إيران في مقتل قاسم سليماني، وجرى أخذ إفادتهما قضائيا، ولذلك تواجد وزير خارجية إيران بعدها في بغداد، وتحدث أن طهران أنهت ملف التحقيق في مقتل سليماني".
وأضاف السياسي العراقي أن "الكاظمي أعطي ضمانات حين استقدمه القضاء الإيراني، بأنه عندما يأتي إلى بغداد قبل ذهابه إلى طهران لا يحصل له شيء. كما أنه عاد إلى العراق مع وزير الخارجية الإيراني".
ولفت إلى أن "هاتين الشخصيتين (الكاظمي، وبرهم صالح) يسعيان إلى عدم تغييبها من المشهد السياسي في العراق، لأنهما يعتقدان أن مفتاح بقائهم هو في طهران، وهذا حقيقي. وهما يعدان حاليا للمرحلة المقبلة، سواء في الانتخابات المحلية أو البرلمانية، وبالتالي لا بد من الترتيب مع إيران".
وانطلقت محادثات مباشرة بين إيران والسعودية، في نيسان/ أبريل 2021، بوساطة العراق، وتواصلت اللقاءات بين الطرفين خلال 5 جولات جرت في بغداد إبان عهد رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي، لكنها توقفت بعد آخر جولة استضافتها العاصمة العراقية في نيسان/ أبريل 2022، والتي أكد الأخير حينها إنه مقتنع بأن "التفاهم بات قريبا" بين الرياض وطهران.