أثار
مشروع "الوطنية الشيعية" الذي قدّمه زعيم تيار "الحكمة" في
العراق عمار الحكيم، السبت، العديد من التساؤلات حول توقيت طرحه والهدف منه، وكذلك
مدى نجاح تطبيقه على أرض الواقع.
ورغم
النقاط الحساسة التي تطرق إليها الحكيم كونها تمس بقضايا فقهية وسياسية شيعية تتعلق
بولاية الفقيه والولاية العامة للشيعة، فإن أيا من القوى والأحزاب الشيعية لم يعلق على
الموضوع، الأمر الذي فسره مراقبون بأنه قد يكون أمرا متعمدا لوأد المشروع في مهده.
تفاصيل
المشروع
دعا
الحكيم، أحد أبرز قيادات قوى الإطار التنسيقي الشيعي، في مشروعه إلى إعطاء
الشيعة في
كل بلد خصوصيته، وضرورة الانتماء للبلد الذي يعيشون فيه، وألا يكون الانتماء للتشيع
عابرا للحدود، وذلك من خلال توحيد الشيعة من مختلف التوجهات الفكرية داخل البلد الواحد.
وأوضح
زعيم تيار "الحكمة" أنه "لا يمكن أن يكون شيعيا عراقيًا وفي ذات الوقت
ينتمي لوطن آخر بسمات وخصائص مختلفة أو يطبق قوانين دولة أخرى أو يستورد ثقافة مختلفة
لمجتمعه خلافًا لرغبتهم".
وأضاف
الحكيم أن "وطنية الشيعة حقيقية، وانتماؤهم واقعي للوطن والمجتمع والدولة، وليس
كما يذهب إليه البعض بأن المواطنة لا مكان لها في الفكر الديني، أو أن المواطنة مجرد
ستار يتستر به الشيعي ليحصل على مكاسب وحقوق من دون أن تملي عليه واجبات والتزامات".
وطالب
الحكيم بضرورة أن يتفادى الشيعة "أي تضاد بين اشتراطات الانتماء العقيدي وبين
الانتماء إلى الوطن، الذي يفرزه تداخل المشاعر والأنشطة والمواقف، أو التقاطعات السلبية
المفروضة والمفتعلة التي حملت على المجتمع الشيعي".
ودعا
زعيم تيار "الحكمة" إلى "إعادة قراءة تجربة النجف والمرجعية الدينية
العليا بكل تفاصيلها وعطاءاتها الفكرية والثقافية الثرية التي باتت مرصودة ومشهودة
من قبل العالم".
"إهمال
متعمد"
وتعليقا
على ذلك، رأى مدير "مركز القرار السياسي" في العراق، حيدر الموسوي في حديث
لـ"عربي21" أن "الحكيم لم يذهب باتجاه إبعاد ولاية الفقيه في العراق
أو الابتعاد عن محور
إيران، لكن هذا ما تصورته بعض الأطراف القريبة والموالية لولاية
الفقيه في العراق".
ولفت
الموسوي إلى أن "الحكيم أراد أن يعطي انطباعا بأن الوطنية الشيعية هي ليست ضد ولاية
الفقيه بقدر ما أن الوضع الحقيقي للشيعية بشكل عام بدأ يعاني من الاضطرابات في السنوات
الأخيرة، وذلك جرّاء الانقسامات والاختلافات بين الفقهاء الشيعة سواء في داخل العراق
أو في العالم".
وأشار
إلى أن "هذه الانقسامات في الرؤى والتباين في العلاقات مع الدول، كلها ساهمت في
تشتيت المجتمع الشيعي ومحاولة تقسيمه إلى أجزاء متناحرة، وهذا يتنافى مع أصل فكرة المذهب
الجعفري، لأن الشيعة بشكل عام كان يراهن عليهم أنهم لا يقبلون القسمة على اثنين".
وأعرب
الموسوي عن اعتقاده بأن "الحكيم يريد الذهاب باتجاه إعادة رمزية المرجع الراحل
محسن الحكيم (جده) عن طريق جمع الوجودات الشيعية سواء على المستوى السياسي أو الديني
من خلال إيجاد أواصر ورابطة جديدة وإحياء فكرة الوطنية داخل المكون الاجتماعي الشيعي
مع الاحتفاظ بالهويات المرجعية المتعددة".
وعن
موضوع رفضه المشاريع العابرة للحدود، قال الموسوي إن "إيران قد تراه أنه يراد
منه إعادة تجزئة الدول الشيعية، لأن ولاية الفقيه تؤمن بأن الشيعة في العالم يجب جمعهم
تحت مظلة واحدة حتى وفق الآراء السياسية. وهذا ما لا تقبل به مرجعية النجف ولها وجهة
نظر بالابتعاد عن السياسة".
وأكد
أن "حلفاء إيران بشكل عام هم مقلدون للخامنئي (المرشد الإيراني) وهم مؤمنون بولاية
الفقيه، وربما كل الأحزاب والقيادات السياسية الشيعية لا تقلّد إلا مرجعية السيستاني
في النجف، رغم أنه زعيم الطائفة الشيعية وغالبية الشيعية في العالم يتبعونه".
وعن
تأثير ما طرحه الحكيم على وحدة الإطار التنسيقي، قال الموسوي إن "الحكيم ليس لديه
الثقل الكبير من حيث عدد المقاعد البرلمانية داخل الإطار التنسيقي، لكن لديه رمزية
سياسية، وبالتالي فلم يصدر عن قوى الإطار أي تعليق، وهذا قد يكون متعمدا، لأن إهمال
الموضوع يعني موته".
وأكد
الموسوي أن "قيادات الإطار التنسيقي تعرف كيف تتعامل مع مشروع الحكيم، إضافة إلى
أن الشارع الشيعي وقوى سنية رفضته على اعتباره إعادة لإنتاج فكرة مذهبة الشارع، لذلك فإنه لم يتعاط أحد معها"، وقال: "أعتقد أن الحكيم لم يكن موفقا في هذه الخطوة
وذهب برؤية ربما كانت قاصرة".
"استشعار
الخطر"
في المقابل،
قال المحلل السياسي العراقي أثير الشرع، إن "كل الطبقة السياسية، وخصوصا الكتل
الشيعية استشعرت خطر المرحلة المقبلة، لأن هناك سياسة جديدة ستنتهجها الولايات المتحدة
حيال العراق"، لافتا إلى أن "السياسيين الشيعة أمام وقت زمني محدود للابتعاد
عن المحور الإيراني، لأنه ستكون هناك عواقب وخيمة".
وأوضح
الشرع لـ"عربي21" أن "الولايات المتحدة لديها سياسة جديدة في العراق،
والآن بدأ قادة الكتل السياسية الشيعية يوصلون رسائل إلى واشنطن بأنهم جادون في الابتعاد
عن سياسة المحاور أولا، وعن الجارة الشرقية ثانيا".
وأشار
إلى أن من تلك الرسائل ما صرح به زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي قبل أيام، بأن "الولايات المتحدة هي الوحيدة القادرة على مساعدة العراق في نزول سعر الدولار"،
وكذلك مشروع الحكيم يحمل بين طياته أن الابتعاد عن الجارة الشرقية للعراق هو الحل
الأسلم لتحاشي العقوبات الأمريكية المحتملة.
وتابع:
"هناك سيناريوهات خطيرة جدا استشعرها القادة الشيعة لدفع الضرر الذي سيلحق بالجميع،
وأن هناك تغييرات جمة ستحصل قريبا على مستوى الخارطة السياسية العراقية، وربما أيضا
نشهد ثورة شعبية جديدة في الشهر المقبل".
وعن
مدى تجاوب حلفاء إيران مع مشروع الحكيم، قال الشرع: "بالتأكيد هناك جهات ستعارض
مبادرة الحكيم، فلا يمكن القول عن كل القوى الشيعية -ولاسيما التي تمتلك أجنحة مسلحة- إنها ستتقبل هذا المشروع، فبالتأكيد سيكون هناك رفض كبير جدا لأن بعض الجهات شكلتها وتدعمها
إيران".
وأردف:
"هناك مأزق وصراع قادم، وأن بعض المبادرات التي تطرح حاليا ستكون مثل السفينة
التي يأمن من يركبها، وأن الزوال مصير كل من تخلّف عنها، لأن السقف الزمني لظهور السيناريوهات
الخطرة ربما لن يتجاوز شهري آذار/ مارس و حزيران/ تموز المقبلين".
وأشار
الشرع إلى أن "التوجهات والسياسة الجديدة للولايات المتحدة ستفضي إلى مستقبل بهيج
ينقذ الشعب العراقي من أزماته، وهذا قد ينتقل إلى باقي منطقة الشرق الأوسط التي ستشهد
ازدهارا اقتصاديا واستثمارات نافعة للشعوب العربية ودول المنطقة عموما".
وتنقسم
القوى السياسية الشيعية في العراق بين مؤيد لولاية الفقيه بقيادة المرشد الإيراني الأعلى
علي خامنئي، وهؤلاء غالبيتهم ممن ينتمون إلى قوى الإطار التنسيقي، وبين من يرفض ذلك
ويعتقد بضرورة الابتعاد عن الولاء للخارج، وهذا ما يذهب إليه التيار الصدري وقوى أخرى.