منذ ضرب
الزلزال المدمر جنوب تركيا والشمال السوري في 6 شباط/ فبراير الجاري، والحراك السياسي العربي نحو النظام السوري لم يتوقف، وكان آخر فصوله الاثنين، عندما وصل وزير الخارجية المصري
سامح شكري دمشق، وهي الزيارة الأولى من نوعها لمسؤول مصري رفيع منذ اندلاع الثورة السورية.
ويبدو أن الزلزال دفع بالقضية السورية إلى قائمة اهتمامات الدول العربية، وأعاد كذلك الحديث عن الطروحات العربية السابقة، التي تشترط على النظام السوري تقديم تنازلات تتعلق بالحل السياسي إلى جانب الحد من نفوذ إيران، مقابل إعادته إلى الحضن العربي.
وفي هذا الإطار، تثار تساؤلات عن حظوظ نجاح الحراك العربي في تحجيم التحالف "القوي والاستراتيجي" بين النظام السوري وإيران.
وتعليقاً، يصف الكاتب والمحلل السياسي سامر خليوي، محاولات بعض الدول العربية الرامية لإبعاد النظام السوري عن طهران، بـ"المحاولات الفاشلة".
وفي حديثه لـ"عربي21" يرجع خليوي ذلك إلى هيمنة إيران على القرار السوري، وتوغلها في كافة المجالات في
سوريا وخاصة العسكرية والاقتصادية، ويلفت كذلك إلى عمليات التغيير الديموغرافي "الطائفي" التي تواصل طهران العمل عليها في معظم المحافظات السورية.
ويضيف خليوي أن "الأهم من ذلك، عدم وجود قوة أو قوى متعددة تضغط على إيران في ذلك الاتجاه"، وقال إن "رئيس النظام لا يريد ولا يستطيع الابتعاد عن طهران".
وأبعد من ذلك، فإنه بحسب الكاتب، تستخدم بعض الدول العربية النفوذ الإيراني "شماعة" للتطبيع مع النظام السوري، ويقول: "بعض الدول تريد أن تساوم إيران من أجل ملفات أخرى، وأيضاً هناك ترابط ما بين ملفات لبنان والعراق وإيران والسعودية والغرب، بمعنى أن إيران التي تحتل أربع عواصم عربية تساوم الدول الأخرى".
وبذلك يعتقد خليوي أن تطبيع الدول العربية مع النظام السوري لا علاقة له بإبعاد إيران، وإنما لمصالح وتوجهات تلك الدول. فعلى سبيل المثال، تطبع الإمارات مع
الأسد لأنها ضد الربيع العربي والثورات العربية، ولأنها تتفق مع الأسد بقمع كل توجه إسلامي".
تأجيل الملفات الخلافية
وعلى النسق ذاته، يرى المحلل السياسي فواز المفلح أن حظوظ أي حراك يهدف لفصل النظام السوري عن إيران معدومة، وذلك لأن التحالف بين الأخيرة والنظام بات استراتيجياً، وخاصة بعد الحرب في أوكرانيا، حيث انخرطت طهران في الحرب إلى جانب روسيا داعمة النظام، بشكل مباشر.
والأرجح بحسب حديث المحلل لـ"عربي21" أن تتجاهل المقاربة العربية الجديدة حاليا الحديث عن إيران ونفوذها في سوريا.
في المقابل، يقول المتحدث باسم "المصالحة السورية" التابعة للنظام عمر رحمون، إن العلاقة بين دمشق وطهران، هي علاقة بين دولة ودولة، ولا يمكن لطرف ثالث أن يدخل في حيثياتها.
ويشدد في حديثه لـ"عربي21" على ثبات العلاقة بين دمشق وطهران، ويقول: "العرب هم من قطعوا علاقتهم بدمشق، والآن نحن أمام تصحيح المسار".
وحسب رحمون، فإنها "ستشهد الفترة القريبة صيغة اتفاق جديد بين دمشق والدول العربية، سيتم العمل عليها بالتفاهم وليس وفق منطق الإملاءات".
"حراك متواصل"
وتحت دوافع "إنسانية"، وصل الأحد إلى دمشق وفد برلماني عربي، يضم رئيس الاتحاد البرلماني العربي محمد الحلبوسى ورؤساء مجلس النواب في مصر والإمارات العربية المتحدة والأردن وفلسطين وليبيا، إضافة إلى رؤساء وفود سلطنة عُمان ولبنان، والأمين العام للاتحاد البرلماني العربي.
والاثنين وصل وزير الخارجية المصري إلى دمشق، في الوقت الذي تتحدث فيه عن زيارة قريبة سيجريها وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى دمشق، وهو ما أكد عليه عمر رحمون.
وقبل ذلك، زار رئيس النظام السوري سلطنة عمان في أول رحلة خارجية للأسد منذ مطلع شباط/ فبراير أي بعد الزلزال، علماً بأن العلاقات بين النظام السوري وسلطنة عمان لم تنقطع أساساً.
وفي الأسبوع الأول بعد الزلزال وصل وزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد آل نهيان، إلى العاصمة السورية دمشق، لبحث تداعيات وآثار الكارثة.
ولا تخفي الإمارات دعمها لإعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية إلى النظام السوري، ويقول المحلل السياسي الإماراتي محمد تقي، إن "كسر العزلة" عن نظام الأسد هو نهج كانت أبوظبي تتبعه.
وأَضاف في تصريحات إعلامية لموقع "الحرة" الأمريكي، إن الإمارات "تعمل بكل جهد منذ فترة لإعادة سوريا للمكانة الطبيعية وللحاضنة العربية من جديد".
وقبل زيارة ابن نهيان، زار وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي دمشق، وبعد الزلزال بيوم واحد تلقى الأسد اتصالاً من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ومن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ومن ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة.
زيارة سياسية بدوافع إنسانية
وعن زيارة الوزير المصري، يقول مدير "المركز العربي للبحوث والدراسات" بالقاهرة، هاني سليمان، إن زيارة شكري إلى دمشق، هي زيارة سياسية بدوافع إنسانية، بمعنى أن الظرف الإنساني (الزلزال) عجّل التقارب المصري مع دمشق، مستدركا بالقول إن "هذا التقارب لم يأت من فراغ، وإنما التنسيق بين القاهرة ودمشق كان قائماً".
ويضيف سليمان لـ"عربي21" أنه سبق الحراك العربي نحو دمشق انفتاح بعض الدول العربية منها الجزائر والإمارات، في مقابل تفضيل أطراف عربية أخرى مثل السعودية التأني أكثر، ولا يغيب عن المشهد المسألة الإيرانية.
وبحسب سليمان فإن تقديم السعودية المساعدات لسوريا بعد الزلزال يدل على تجاوز الخلافات، والاتفاق على المسائل المشتركة.
وبالعودة إلى مصر وزيارة شكري، قال مدير المركز إن العلاقات بين مصر وسوريا تاريخية، وعلى المستوى السياسي هناك تنسيق مشترك، فضلاً عن الوحدة على المستوى الشعبي.
وتابع سليمان، بأن مواقف مصر في الملف السوري واضحة وثابتة، حيث كانت القاهرة تنطلق من أسس وحدة سوريا والتأكيد على سيادتها وعدم التدخل في شؤون الدول.
ويؤكد أن مصر كانت قريبة من سوريا وداعمة بشكل دائم للحل السياسي، ويقول: كانت مصر تحاول أن توازن في موقفها من سوريا تحت اعتبار وجود توجه عربي ووجهات نظر مختلفة، مشدداً على أن "مصر نأت بنفسها ولم تكن أحد أطراف الصراع في سوريا، وهذا يحسب للدولة المصرية".
يذكر أن وزير الخارجية المصري سامح شكري أكد خلال مؤتمر صحفي مع نظيره لدى النظام فيصل المقداد، أنه التقى الأسد، ونقل إليه رسالة من السيسي تتضمن "مواساة وتضامن مصر مع الشعب السوري، واستعداد القاهرة لمواصلة الدعم وتقديم المساعدات لمواجهة الآثار التي خلّفها الزلزال".
ولم يجب شكري على الأسئلة المتعلقة بعودة النظام لشغل مقعد سوريا في الجامعة العربية، مكتفياً بالقول، إن بلاده في مثل هذه الظروف تتعامل على أرضية الروابط الإنسانية ومصر على أتم استعداد لما لديها من موارد لتوفير كل سبل الدعم الإنساني لمؤازرة السوريين، وهذا هو ما نركز عليه في المرحلة الحالية.