ملفات وتقارير

ما دلالات عفو السيسي عن "سيناويين" طالبوا بالعودة إلى رفح المصرية؟

السيسي قرر العفو عن 54 معتقلا من أبناء شمال سيناء- إكس
أثار إصدار رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، الثلاثاء، قرارا بالعفو عن سجناء من أبناء شمال سيناء، الجدل والتساؤلات والتكهنات حول دلالات توقيت القرار ، وأسباب إلغاء الأحكام القاسية العسكرية الصادرة بحقهم.

الرئاسة المصرية، في بيان لها، أعلنت أن السيسي أصدر قرارا جمهوريا بالعفو الرئاسي عن 54 من المحكوم عليهم من أبناء سيناء الذين اعتقلوا وجرى احتجازهم بسجون عسكرية بتهمة المطالبة بالعودة إلى مدينة رفح المصرية خلال تظاهرات لقبيلتي السواركة والرميلات، في رفح والشيخ زويد، في تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

"بداية الأزمة"
منذ تولي السيسي حكم البلاد في العام 2014، وقام بعمل منطقة عازلة بطول الحدود المصرية مع قطاع غزة، وقام بإخلاء مدينة رفح المصرية وقُراها من السكان وترحيلهم إلى العريش والإسماعيلية ومدن الدلتا، وذلك بدعوى محاربة الإرهاب وهدم الأنفاق الحدودية.

رضوخ الأهالي لقرارات التهجير كان مشروطا بحسب نشطاء بعودتهم لأراضيهم ومزارعهم وقراهم، والتي تعهد بها قادة الجيش الثاني، والتي تأجلت توقيتاتها مرارا ما دفع الأهالي للتظاهر مرات عديدة للمطالبة بحق العودة، ما قابلته السلطات باعتقال العشرات منهم.

البداية كانت في تشرين الأول/ أكتوبر 2014، وبعد نحو 3 شهور من تولي السيسي، حكم البلاد، شن حملة أمنية واسعة في شمال سيناء.

حينها، أمر الجيش المصري، القاطنين بمدن وقرى مدينتي رفح والشيخ زويد، قرب حدود قطاع غزة، بإخلاء 900 منزل بواقع 500 متر وبطول نحو 13 كيلومترا، تمهيدا لتدميرها، وإقامة منطقة عازلة بالشريط الحدودي مع القطاع، بدعوى منع تهريب الأسلحة بين مصر وغزة.

وفي 7 كانون الثاني/ يناير 2015، قررت السلطات المصرية إزالة مدينة رفح لزيادة مساحة المنطقة العازلة بإزالة 1220 منزلا تؤوي 2044 عائلة، فيما منحت السلطات كل عائلة مبلغ 1500 جنيه مصري لاستئجار منزل جديد.

وإزاء التهجير القسري للأهالي؛ أعلن محافظ شمال سيناء حينها اللواء عبدالفتاح حرحور، عن إنشاء مدينة "رفح الجديدة" يقوم على تنفيذها الجيش، ما اعتبره المهجرين وعدا بالعودة لأراضيهم وللمدينة الجديدة.

لكنه، وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2017، قررت السلطات تمديد المنطقة العازلة لتصل إلى 1500 متر، بعدما كانت كيلومترا واحدا، نُفذت على مرحلتين، ومن ثم إخلاء وإزالة مباني ومزارع جديدة.

وإثر انتهاء العمليات العسكرية ضد "تنظيم ولاية سيناء" طالب الأهالي بالعودة لقراهم ومزارعهم، وفي 22 آب/ أغسطس 2023، احتشدت قبيلة "السواركة، للمطالبة بالعودة لأراضيهم برفح والشيخ زويد.

وبعدها بثلاثة أيام، وعقب انتهاء مهلة منحها الجيش للأهالي للعودة لم يتم تنفيذها، اعتصم مئات من قبيلة الرميلات بـ"جمعة الأرض"، مطالبن بحق العودة، في أزمة تفاقمت إثر منع الجيش لهم من دخول قراهم.

في حين أنهى الأهالي اعتصامهم مع وعود جديدة من الجيش بالعودة يوم 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، الأمر الذي لم يتحقق وقابله الأهالي بالتظاهر بعد انتهاء المهلة، وواجهته السلطات باعتقالهم ومحاكمتهم.

وأدانت "المحكمة العسكرية" بالإسماعيلية (شرق القاهرة)، الشيخ صابر حماد الصياح، أبرز رموز قبيلة الرميلات، بالسجن 7 سنوات، ونجليه عبدالرحمن ويوسف بالسجن 10 سنوات و3 سنوات على التوالي، كما أنها أدانت 11 معتقلا بالسجن 7 سنوات، و41 بالسجن 3 سنوات.

وأصدرت أحكاما غيابية بسجن 7 متهمين 10 سنوات، بينهم الصحفيان حسين القيم من جريدة "الوطن"، وعبد القادر مبارك، العضو بنقابة الصحفيين.

"ردود فعل مرحبة.. ولكن ماذا بعد؟"
"مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان" المهتمة بالشأن الحقوقي لأهالي شبه الجزيرة المصرية، من جانبها رحبت بالقرار الرئاسي واعتبرته "خطوة في الاتجاه الصحيح"، وطالبت بـ"إسقاط التهم عن 8 معتقلين آخرين من بينهم صحفيين، لم يشملهم قرار العفو"، وإنهاء القضية التي شابها "انتهاكات قانونية وإجرائية"، وفق المنظمة الحقوقية.

وعبر نشطاء سيناويون عن فرحتهم ونقلوا فرحة الأهالي بالقرار، الذي قرأ فيه متابعون مصريون للشأن السيناوي، تراجعا مثيرا من رأس النظام المصري، له دلالاته خاصة في توقيته الحالي.

"توقيت القرار"
ويأتي القرار في توقيت تقترب فيه الفصائل الفلسطينية من توقيع اتفاق مع الاحتلال الإسرائيلي بإنهاء حرب الإبادة الدموية الجارية على حدود سيناء منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

ما دفع البعض للتكهن بأن قرار العفو هو خطوة نحو تهدئة للوضع في سيناء ومع الأهالي الغاضبين، وله ما بعده من قرارات أو اتفاقات أو تمهيد لما قد يجري من ترتيبات بالإقليم خلال ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجديدة، التي تبدأ في 20 كانون الثاني/ يناير المقبل.

وتثار مخاوف أهالي سيناء وخاصة منطقة رفح من تنفيذ خطط إسرائيلية بتهجير أهالي غزة إلى سيناء ضمن ما يسمى بـ"صفقة القرن"، التي يتبناها الرئيس الأمريكي السابق، والقادم للبيت الأبيض مجددا، دونالد ترامب، والذي قال إنه "سينفذها"، وهو ما لاقى قبول وترحيب السيسي، بل وإعلانه عن "الصفقة" للعالم رسميا في نيسان/ أبريل 2017.


وتحدث سياسيون مصريون مهتمون بالشأن السيناوي لـ"عربي21"، راصدين دلالات توقيت عفو السيسي عن 54 من أهالي سيناء المعتقلين بسجونه العسكرية، وبعد 10 أيام من حكم محكمة تابعة للجيش، وفي توقيت تشهد فيه المنطقة توترا في غزة وسوريا، ما أثار المخاوف من تكرار المشهد السوري بمصر.

"تأثير نظرية الدومينو"
وقال الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية الدكتور ممدوح المنير: "لتوقيت العفو تفسيرات مختلفة في ظلّ غياب المعلومات بدولة بوليسية، فلا شك أنّ سقوط نظام الأسد أثار مخاوف السيسي فحاول امتصاص غضب أهالي سيناء والمجتمع المدني بعد الأحكام القاسية التي صدرت قبل أيام قليلة".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "هذا يشير إلى أن النظام استشعر خطرا محتملا من تصاعد التوتر الشعبي في شمال سيناء، لا سيما في ظل تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية في مصر".

وتابع: "فلا ننسى أنّ مصر تكاد تكون الدولة الوحيدة التي ترفض رفع علم الثورة السورية علـى السفارة السورية بالقاهرة، في خطوة أثارت اندهاش واستغراب كثيرين واعتبروها دليل علـى كم الفزع التي يشعر به النظام، فالسيسي لايزال مسكون بالخوف من تأثير نظرية الدومينو، والتي ما أن تسقط قطعة منها حتّى تتتابع سقوط باقي القطع".

لكن المنير، لا يعتقد أنّ "للقرار صلة بمفاوضات الفصائل الفلسطينية مع الاحتلال الإسرائيلي لإنهاء الحرب في غزة، فقد وضع نتنياهو شروط تعجيزية جديدة لتعطيل إبرام الصفقة كما فعلها في مرات عديدة سابقة، كما أنّ موضوع غزة أكبر من قدرات السيسي، فهو مجرد جندي في رقعة الشطرنج يتم تحريكه من قبل اللاعبين الكبار في المنطقة".

ويرى أنه "لذلك فالهاجس الأمني هو التفسير الأقرب للصحة فهي محاولة لاحتواء الغضب القبلي في سيناء، خاصة قبيلة الرميلات ذات النفوذ"، مؤكدا أن "النظام يعتمد بشكل كبير على دعم بعض القبائل في مواجهة التنظيمات المسلحة، وبالتالي يسعى للحفاظ على تحالفاته هناك".

ولفت إلى أن "الأوضاع المضطربة في الجهة الشرقية مع غزة تجعل من الحكمة محاولة تهدئة الأوضاع في سيناء وعدم استعداء الأهالي، خاصة أنّ الجميع في مصر في حالة غليان بسبب الموقف المتخاذل والمتآمر على غزة من قبل السيسي ونظامه".

وواصل: "كما أنّ النظام المصري يدرك أن ولاية ترامب الثانية قد تحمل سياسات مختلفة في الشرق الأوسط، وربما تضغط على مصر لتقديم تنازلات، سواء في ملف سيناء أو حقوق الإنسان، والعفو قد يكون خطوة استباقية لتحسين صورته أمام الإدارة الأمريكية القادمة".

وقال الباحث المصري: "يمكن أنّ نكون باختصار أمام نظام لديه أزمة ثقة في شرعيته وبقائه وأنّ قرار العفو يحمل دلالات تتجاوز كونه مجرد استجابة لضغوط داخلية أو تعبيرا عن النية الحسنة".

ويعتقد أنه "يبدو كخطوة محسوبة تهدف إلى: احتواء التوترات الداخلية، خصوصا في سيناء، وتحضير الأجواء لاستحقاقات إقليمية قادمة خاصة على صعيد ملف غزة وسيناريو التهجير وصفقة القرن لا يزالان على طاولة ترمب، وإرسال رسائل للخارج مفادها أن النظام لا يزال قادرا على المناورة واستيعاب الأزمات".

وختم بالقول: "السؤال الأكبر الذي يبقى: هل هذه الخطوات كافية للحفاظ على استقرار النظام في ظل الأزمات المتعددة التي يواجهها داخليا وخارجيا؟ أم أنّ قطعة الدومينو قد سقطت بالفعل وأصبحت مسألة وقت فقط حتى تسقط القاهرة".

"سيناريو فيه العرجاني"
وحول الوضع القائم على الأرض، قال الناشط السيناوي أشرف أيوب، إن "القرار صدر بصفة الحاكم العسكري وليس رئيس الجمهورية لأن الحكم صادر من محكمة عسكرية"، موضحا في حديثه لـ"عربي21"، أنه "نهاية لسيناريو محبوك لدعم حزب العرجاني الجديد".

وأوضح أن "حكم المحكمة العسكرية صدر بحق 63 من طالبي (حق العودة)، والذين تزامنت وقفتهم للمطالبة به مع انطلاق (طوفان الأقصى) في غزة، وفي اليوم التالي للحكم عليهم، قامت زوجات وأمهات وبنات المحكوم عليهم بوقفة أمام مكتب مؤسسة أهلية تابعة للسيناوي المثير للجدل إبراهيم لعرجاني مطالبين السيسي بعدم التصديق على الحكم".

ولفت إلى أنه "عقب الوقفة النسائية خرجت اللجان تبشر أهالي سيناء بأن هناك قوائم عفو رئاسي عن المحكوم عليهم من أصحاب الرأي والسياسيين والمختفين قسريا، لكن لم تخرج إلا هذه القائمة بعدم التصديق على الحكم كحاكم عسكري وإعفاء المحكوم عليهم من العقوبة".

وأضاف: "هذا بجانب أن الأحداث في المنطقة والترتيبات التي تُجهز في دواليب إدارة ترامب، تُحتم تغيير سياسة التعامل مع سكان المنطقة (ج)، وإصرار نتنياهو على البقاء في المنطقة (د) حسب الملاحق الأمنية لاتفاقية (كامب ديفيد) 1978، ووضع محور صلاح الدين (فيلادلفيا) بحسب إتفاقية المعابر 2005".

"في الأصل أبرياء"
وثمن السياسي المصري، والنائب السابق بـ"مجلس الشعب" عام 2012، عن شمال سيناء يحيي عقيل، "قرار العفو"، مؤكدا أن "هؤلاء الناس في الأصل أبرياء، والمطالبة بالعودة لم تكن شيئا من بنات أفكارهم، إنما بحسب وعود قطعها النظام على نفسه، بأنه سينتهي من الإجراءات وسيعود الناس لبيوتهم".

عقيل، أحد رموز قبيلة "البياضية"،أضاف لـ"عربي21": "حتى مدينة رفح الجديدة التي تخالف مبانيها التي تشبه علب الكبريت طبيعة الناس في هذه المنطقة والذين تعودوا على سكن بيوت كبيرة في مزارعهم؛ ومع ذلك لم تف الدولة بوعودها لهم".

وأوضح أن "الأهالي تظاهروا للمطالبة بحق العودة لأراضيهم بعدما اندحر الإرهاب، ولم تعد هناك عمليات عسكرية ضد (تنظيم الدولة) وغيره، ولم تعد هناك عمليات من جانب العدو الإسرائيلي، وكان من الطبيعي مطالبتهم بالعودة لانتفاء أسباب  تهجيرهم، فاعتقولهم وحاكموهم وأصدروا عليهم أحكاما جائرة".

وأكد أنه "عندما يعود النظام لرشده، ويصدر السيسي قرارا بالعفو عن هؤلاء، يجب أن ثمن القرار، ونبارك خرجهم من السجن، وقد رأينا بالسجون السورية كيف هي سجون العساكر، وأظن أن مقارنة أقبح سجون سوريا بسجن العزولي في الإسماعيلية يتضح أن سجون سوريا رحيمة".

"انتفاء المبررات"
ومضى يقول: "يجب على النظام إذا كان يحترم نفسه وعهوده والشعب أن يوفي بهذا الالتزام، ويسمح بعودة الناس المهجرة لبيوتهم بقرى رفح والشيخ زويد، فلم يعد هناك مبررا لعدم العودة، وإطلاق الشبيحة والبلطجية الخارجين عن القانون لتفزيع كل من يحاول العودة، في سبة وعيب لا يليقان بالدولة".

وتساءل البرلماني المصري السابق: "ما المانع الآن من المكاشفة والشفافية؟"، مطالبا بأن "يخرج أحد رجال الجيش للتوضيح، كون هذه المنطقة يتعامل بها الجيش والمخابرات الحربية ومخابرات حرس الحدود، ويشرح للناس أسباب تأخير عودة الأهالي، ويطلع الشعب على خطة الدولة تجاه هؤلاء، ومتى سيعودون لبيوتهم؟، والخطر الذي يمثله عودتهم لقرى ونجوع فارغة مات فيها الزرع وهدمت البيوت".

وأكد أن "الشيخ صابر الصياح، وأولاده يعبرون عن نسيج هذا المجتمع، وهم جزء من قبيلة الرميلات، ولا يمكن لعاقل اتهامهم بالخروج عن القانون أو محاربة الدولة أو ممارسة الإرهاب، لأنهم كانوا في صف الدولة والالتزام بأوامرها ومناصرة الجيش فيما ذهب إليه بكل المراحل".

وبين أن "موقف مشايخ القبائل أصبح صعبا مع كثرة ما أعطاهم رجال الدولة والجيش وعودا لا تنفذ، ولما غضب الشيخ الصياح، ومن معه ولجأوا إلى نوع بسيط من التظاهر جرى اعتقالهم ومحاكمتهم محاكمة عسكرية، ثم قرار العفو، وأظن أن الأمر معيب من بدايته لنهايته".

وخلص للقول: "تظل القضية كما هي، فمتى يعود الناس لبيوتم وقراهم؟ ومتى تفي الدولة بوعودها للمهجرين، وتيسير العودة، وتوفير متطلبات الحياة؟".

وختم موضحا أن "الإصرار على إبقاء تلك المنطقة خالية من السكان، يجعل فكرة تهجير الفلسطينيين تداعب عقول الأهالي، رغما عنهم"، متسائلا: "فلماذا الإصرار على إبقاء المنطقة خالية، ومنع الناس من العودة؟"، مجيبا بقوله: "لا أحد يستطيع تقديم إجابات".