زادت تداعيات
الزلزال من صعوبة الوضع المعيشي
لغالبية السوريين في الولايات التركية المتضررة، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال
ارتفاع بدلات الإيجار للمنازل غير المتضررة من الكارثة، وزيادة الأسعار، فضلاً عن
توقف العديد من المنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة عن العمل.
وفي ولاية كيليس التركية، التي يقطنها نحو 110
آلاف لاجئ سوري بات من الصعب العثور على منزل للإيجار، بسبب تصدع عدد كبير من
الأبنية، ما دفع باللاجئ السوري الستيني مصطفى محيو إلى التفكير بالعودة إلى
الداخل السوري.
يقول محيو لـ"عربي21" إنه لم يستطيع
تأمين منزل جديد، بعد أن تضرر منزله جراء الزلزال، مؤكداً أن "إيجارات
المنازل السليمة ارتفعت بشكل كبير خلال الأسبوع الأخير".
ويضيف أنه بات يفكر فعلياً بالعودة إلى ريف حلب
الشمالي الخاضع لسيطرة المعارضة، ويقول: "الزلزال هز حياتنا هنا أيضاً، ويبدو
أن العودة للشمال باتت قريبة".
وفي كيليس وديار بكر وأضنة وملاطيا بدأ
السوريون في تلك الولايات بمزاولة أعمالهم، وذلك لأن الأضرار التي ألحقها الزلزال
بهذه المدن قليلة مقارنة بالولايات الأخرى.
نزوح جماعي من عنتاب وهاتاي ومرعش
أما في ولاية غازي عنتاب التركية التي يقيم فيها
نحو نصف مليون لاجئ سوري وفق أرقام الهجرة التركية، فلا زالت المعامل والورش
متوقفة عن العمل منذ يوم الزلزال.
ولا تتوفر إحصائيات دقيقة لعدد السوريين الذين
نزحوا من الولاية، إلا أن مصادر "عربي21" أكدت نزوح عدد كبير منهم
باتجاه الولايات التركية مثل قيصري وماردين.
وفي هاتاي التي يقطنها نحو 430 ألف لاجئ سوري،
فإن الأوضاع أصعب بكثير، بسبب نسبة الدمار الكبير الذي حل بالمدينة، ويقول الصحفي
السوري بشير ليوش الموجود في الولاية لـ"عربي21" إن السوريين غادروا
المدينة بنسبة كبيرة، وهم الآن يتوزعون على بقية الولايات التركية.
ومن مركز الزلزال، في ولاية كهرمان مرعش، يؤكد
علاء الحجي وهو أحد السوريين في الولاية، أن النسبة الأعظم من أصل نحو 95 ألف لاجئ
سوري مسجلين في الولاية قد غادروا، مشيراً في حديثه لـ"عربي21" إلى أن
الحياة الاقتصادية في المدينة توقفت، وأن أضرار السوريين لا تحصى.
ولا يختلف الحال في أديامان عن حال ولاية
كهرمان مرعش، فالحياة في تلك المدينة التي يقطنها نحو 300 ألف لاجئ سوري متوقفة.
ويلفت الكاتب والناشط السوري أحمد طالب الأشقر،
إلى تقطع السبل بآلاف الأسر السورية، في تركيا، مشيرا إلى أن "أضرار الزلزال
اقتصادية ونفسية واجتماعية".
ويوضح لـ"عربي21" أن كثيرا من
العائلات السورية في المناطق المنكوبة فقدت أكثر من فرد، وأن عائلات قضت بالكامل
تحت الركام.
ويقول الأشقر، إن هذا الوضع المأسوي زاد في
شتات العائلات السورية وزاد في جرحها، وأضاف فوق معاناة الغربة عن الوطن ألم
الفقدان.
وبذلك، يرجح الكاتب أن تسجل البوابات الحدودية
زيادة في وتيرة العودة الطوعية من جميع المناطق وخاصة من الولايات المنكوبة، ويقول
إن "الشاب الذي يعمل في إسطنبول على سبيل المثال، وفقد أسرته أو فرداً منها
لم يعد يرغب إلا في أن يلوذ بجدران يحن إليها في بلده، أو بين أبناء وطنه على أقل
حال".
وتقول الشبكة السورية لحقوق الإنسان، إن نحو 4
آلاف لاجئ سوري في تركيا توفوا جراء الزلزال، وتشير إلى صعوبة توثيق كافة أعداد
الضحايا، بسبب وجود مفقودين.
بدوره، أشار الناشط الحقوقي في قضايا اللجوء
السوري بتركيا طه الغازي، إلى نوعين من التداعيات للزلزال على السوريين بتركيا،
الأولى تتعلق بالتأثيرات الاقتصادية، والثانية متعلقة بقرارات الحكومة التركية.
ويوضح لـ"عربي21" أن غالبية السوريين
في الولايات المنكوبة فقدوا فرص عملهم، وانتقال هؤلاء إلى ولايات أخرى لن يكون
سهلاً، وخاصة أن هناك الكثير من التعقيدات المتعلقة بنقل مكان الإقامة من ولاية
إلى أخرى.
ويضيف الغازي، أن السوريين يعيشون في وضع صعب
ومعقد، في ظل حالة عدم الاستقرار، وعدم وضوح القوانين، معتبراً أن "كل ذلك
سيدفع بالسوريين إلى العودة إلى الشمال السوري".
وكانت دائرة الهجرة التركية قد سمحت للسوريين
في الولايات المنكوبة بالتوجه إلى بقية الولايات التركية دون الحاجة إلى استصدار
إذن سفر، لكن لمدة محدودة (60 يوماً)، حيث تحتم دائرة الهجرة على السوريين العودة
إلى مكان إقامتهم خلال هذه المدة.
وعن ذلك، تساءل الغازي عن الكيفية التي سيعود
بها اللاجئ السوري الذي تهدم منزله إلى ولايته، علماً بأن الحكومة التركية قد وعدت
بأن فترة الإعمار ستكون في غضون عام.
وبذلك، لم يبق أمام غالبية السوريين في
الولايات المتضررة، إلا العودة لسوريا رغم سوء الوضع هناك، أو الهجرة إلى أوروبا،
كما يقول الغازي.
وفي الاتجاه ذاته، توقع مصدر من معبر "باب
السلامة"، أن لا يعود قسم كبير من السوريين الذين دخلوا إلى
سوريا بعد قرار
تركيا منح إجازات للسوريين في الولايات المتضررة من الزلزال، وقال
لـ"عربي21"، إن "عددا كبيرا من الزائرين الذين دخلوا خلال اليومين
الماضيين، قالوا إنهم لن يعودوا إلى تركيا مجددا".
وكانت تركيا قد فتحت المجال أمام الزيارات
للشمال السوري عبر البوابات الحدودية الخاضعة لسيطرة "الحكومة المؤقتة"،
وذلك بهدف تخفيف العبء الإنساني في الولايات المتضررة.
ويعيش في تركيا أكثر من 3 ملايين ونصف المليون
لاجئ سوري، ويشكلون نحو 4.5 في المئة من نسبة سكان تركيا، وغالبيتهم يعانون
أوضاعاً معيشية معقدة قبل الزلزال.
والأحد، وعلى نحو مفاجئ، أعلن وزير الدفاع
التركي خلوصي أكار عودة أكثر من 10 آلاف سوري إلى بلادهم بشكل طوعي بعد الزلزال.
وقال أكار في تصريحات أدلى بها خلال جولة
تفقدية برفقة رئيس الأركان العامة قرب بلدة يايلاداغ المقابلة لمعبر كسب في الجانب
السوري، إن 10 آلاف و633 سوريا عادوا إلى بلادهم بشكل طوعي بعد الزلزال.