زادت وتيرة إضرابات واحتجاجات عمال الشركات والمصانع
المصرية سواء في القطاع الخاص أو القطاع العام، على الرغم من القبضة الأمنية، بعد انخفاض الجنيه إلى مستويات قياسية، والقفزات المتتالية في معدلات التضخم؛ وتآكل أجور العمال والموظفين بوتيرة غير مسبوقة.
ويعادل الحد الأدنى الجديد للأجور
بالقطاع الخاص البالغ 2700 جنيه 87 دولارا فقط مقابل 153 دولارا بعد قرار البنك
المركزي المصري خفض قيمة الجنيه من مستوى 15.7 جنيها إلى 31 جنيها بسبب نقص العملة
الأجنبية، وتراجع التدفقات النقدية من العملة الصعبة، وزيادة التزامات مصر
الخارجية نحو الدائنين.
وفي كانون الثاني/ يناير الماضي، قفز
معدل التضخم السنوي الأساسي، بحسب البنك المركزي إلى 31.2% وهو أقل بكثير من الرقم
الذي سجله مؤشر "جونز هوبكنز"، حيث تقدر التضخم الحقيقي في مصر بنحو 101%
لتصبح في المرتبة السادسة عالميا، من بين أسوأ 21 دولة على مستوى العالم من حيث
ارتفاع تلك المعدلات الحقيقية للتضخم.
ومنذ مطلع العام الجاري، نظم عمال شركات
عدة في مصر
احتجاجات وإضرابات للمطالبة بتحسين الأجور والاستجابة لمطالبهم التي
يصفونها بـ المشروعة في الزيادة الدورية للأجور وصرف الحوافز والبدلات ومراعاة
الغلاء وارتفاع الأسعار.
كان آخرها قيام عمال شركة كريازي
للأجهزة الكهربائية بتنظيم وقفة احتجاجية لتجاهل الإدارة مطالبهم المشروعة وهي
الزيادة الدورية على الرواتب، ورددوا هتافات عبروا فيها عن استيائهم وغضبهم من
تدني الأجور وصعوبة المعيشة.
وأكد بعض العمال في تصريحات لصحفيين
حضروا الوقفة الاحتجاجية، أنهم لم يحصلوا على أي زيادة في الأجور، وأنها لم تعد تكفي
لمواكبة الأسعار الجديدة، مشيرين إلى أن الشركة قامت بسحب التأمينات والمستحقات
الخاصة بالولادة والوفاء والرعاية الصحية وغيرها.
وتزامن إضراب عمال شركة كريازي الذين
يقدرون بالآلاف مع إضراب عمال شركات أخرى كبيرة في قطاعات صناعية عديدة؛ احتجاجا
على تدني الزيادة السنوية للأجور، فيما تدفع الشركات بالقول إنها تواجه مشاكل
اقتصادية بسبب تقييد الاستيراد، وعدم توفر العملة الأجنبية وتراجع الأرباح.
مراسل "عربي21"، رصد أبرز
الاحتجاجات والإضرابات العمالية منذ بداية العام الجاري وكانت كالآتي:
-إضراب واحتجاج شركة كريازي للأدوات
الكهربائية؛ للمطالبة بتحسين الأجور وصرف المستحقات كاملة بمحافظة القاهرة.
-إضراب عمال شركة "ماك"
تابعة للشركة الأم "النساجون الشرقيون"؛ احتجاجا على تدني الزيادة
السنوية في الأجر بمحافظة الشرقية.
-إضراب آلاف العاملين بشركة
"ليوني وإيرينج سيستمز" المتخصصة في إنتاج الضفائر الكهربائية للسيارات
عن العمل؛ احتجاجا على تدنى الأجور ووقف العمل بالمصانع في مدينة نصر بالقاهرة.
-اعتصام أكثر من 800 عامل في مصنع شركة النصر للمسبوكات لعدة أيام، وقيام الأمن
بفض الاعتصام وإغلاق المصنع حتى إشعار آخر؛ احتجاجا على بيعها وتسريح أكثر من 2200
عامل.
-إضراب عمال شركة الوبريات سمنود عن
العمل، بعد قيام إدارة الشركة بتخفيض المنحة الشهرية وقيمتها 300 جنيه الى 150 جنيها بمحافظة الغربية.
-اعتصام العاملين بشركة أسمنت قنا؛ احتجاجا على عدم تثبيت عقودهم، رغم مرور أكثر من خمس سنوات من توقيع العقود بصعيد
مصر.
-قيام سائقي التاكسي في بورسعيد بوقفة
احتجاجية أمام نقابة السائقي؛ن بسبب ارتفاع
قيمة اشتراك التأمين الصحي الشامل، وتكاليف الترخيص والمخالفات والكارتة.
-إضراب أفراد الأمن والعاملين بمستشفى
بلطيم بمحافظة كفر الشيخ؛ احتجاجا على تدني الأجور والاستغناء عن عشرات العمال.
-اعتصام عمال شركة المصرية لإنتاج
الستيرين بالإسكندرية بميناء الدخيلة؛ للاستجابة إلى مطالبهم المتمثلة في التأمين
عليهم وتثبيتهم في الشركة.
لماذا زاد غضب العمال؟
من جهته، قال الباحث العمالي، كريم
نوبي: "تشهد مصر الكثير من الإضرابات والمظاهرات العمالية بشكل مستمر؛ لمطالبة
الشركات والدولة بإنصافهم ضد تعسف الإدارات والفساد الإداري، وهو الأمر الذي أدى
إلى انخفاض الإنتاج في المصانع بنسبة 30% خلال الثلاث سنوات الماضية، وتأتي هذه
الاحتجاجات العمالية تعبيرا صريحا عن عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية
التي تعيشها البلاد".
مضيفا لـ"عربي21": "نتيجة
لجملة من العوامل تضافرت بعضها مع بعض، لتدفع أعدادا کبيرة من العاملين للاحتجاج
على ظروف عملهم الصعبة. ومن هذه العوامل تراجع ظروف وشروط العمل لغالبية العاملين
في مصر، حيث الانخفاض الملموس في معدلات الأجور والحد الأدنى لها، وعدم تمتع قطاعات
واسعة منهم بالحقوق العمالية الأساسية التي نصت عليها تشريعات العمل المصرية، وتشمل
ساعات العمل اليومي والإجازات السنوية والمرضية والرسمية، وتوفر وسائل الصحة
والسلامة المهنية والاستفادة من التأمينات الاجتماعية، التي توفرها المؤسسة العامة
للضمان الاجتماعي وغياب التأمينات الصحية، وغيرها من شروط العمل اللائق".
وتابع نوبي: "هذا إلى جانب حرمان
غالبية العاملين في مصر من حق التنظيم النقابي، إما بسبب التشريعات العمالية التي
تحرم قطاعات واسعة منهم من حق التنظيم النقابي لأسباب مرتبطة بنظام التصنيف المهني
الصادر عن وزير العمل، الذي حدد المهن المسموح لها الانتساب لنقابات، أو بسبب ضعف
غالبية النقابات العمالية المصرية وتوقعها على ذاتها لتعيد إنتاج القيادات نفسها،
وعدم اکتراثها بالمشكلات الحقيقية التي يعاني منها العمال في مصر .
واستدرك أن "الحكومة تخشى من
التجمعات وهذه الاحتجاجات في ظل وضع اقتصادي صعب للغاية، يؤثر بشكل سلبي على
المواطنين وفي مقدمتهم القطاعات العمالية، بما يؤدي إلى تزايد هذه الاحتجاجات.
حيث تشير التقارير إلى أن 50% من تلك
الاحتجاجات يعود لأسباب مالية في المقام الأول، بينما جاء عدد آخر من الأسباب بسبب
غياب التوازن بين الطرفين، وقيام أصحاب العمل بالفصل أو النقل التعسفي للعمال
وانتهاج سياسات مجحفة بحقوقهم".
التضييق على العمل النقابي
وتحتجز السلطات المصرية عددا من
القيادات العمالية المعروفة بعملها الميداني ضد سياسات الخصخصة وتهميش دور
النقابات المستقلة، والوقوف إلى جانب مطالب العمال إزاء تعسف بعض الشركات والمصانع
مع عمالها، ودعمهم من الحكومة على حساب العمال.
وامتدت الاحتجاجات على الغلاء من
العمال في المصانع والشركات إلى طلاب إحدى الجامعات، حيث نظم عشرات من طلاب الجامعة
الأمريكية بالقاهرة مظاهرة مؤخرا؛ اعتراضا على زيادة المصروفات الدراسية الخاصة
بالفصل الدراسي الثاني، بسبب الانخفاض الكبير في قيمة الجنيه أمام الدولار الأمريكي.
أزمة العمال والشركات مع السلطات
الإضرابات العمالية هي أحد أشكال
الاحتجاج السلمي التي يستخدمها العمال؛ لزيادة الأجور أو تحسين ظروف العمل أو رفع
الظلم عن بعض زملائهم. يقول رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام
"تكامل مصر" الباحث مصطفى خضري، وقد زادت حدتها في الفترة الأخيرة بسبب
دخول مصر في أزمة كساد تضخمي كنتيجة للسياسات الاقتصادية الكارثية التي ينتهجها
النظام المصري، فأصبحت الأجور غير كافية لمعيشة العمال، واضطرت بعض المصانع لتسريح
جزئي من قوة العمل، وهو ما انعكس على عدد الإضرابات وحجمها وانتشارها في كل ربوع
مصر.
وفيما يتعلق بحجم الإضرابات، أوضح في
تصريحات لـ"عربي21": "حسب بيانات المركز المصري لدراسات الإعلام
والرأي العام "تكامل مصر"، فقد حدث 213 إضرابا عماليا منذ كانون الثاني /
يناير 2021 وحتى كانون الثاني/ يناير 2023، يتراوح حجمه ما بين بضعة عمال وآلاف العاملين، ولكن هناك تعليمات صريحة
للصحف والقنوات المصرية بعدم تغطية أي إضراب عمالي، ولم يتم الإعلان إلا عن
الإضرابات الكبرى التي يستحيل التكتم عليها".
وإذا ما كانت الشركات أصبحت تحت حماية
الحكومة من حقوق العمال، أوضح خضري، "النظام يخشى من أي إضراب عمالي خوفا من
تدحرج كرة الجليد وامتداد الإضراب لفئات مجاورة له ثم تحوله إلى احتجاج شعبي،
ولذلك فالتعليمات واضحة بضرورة وأد أي إضراب قبل أن يبدأ، أو إخماده بمجرد ظهور
بوادره، لافتا إلى أن "الشركات تقع تحت نفس الظلم الذي يتعرض له العمال؛ فالشركات وأصحابها أصبحوا بين شقي الرحى، فمن ناحية يطالبهم عمالهم بزيادة
الرواتب، ومن ناحية أخرى يضغط عليهم النظام بسياسات اقتصادية تدميرية تؤثر على
نشاطهم ونتائج أعمالهم، والكثير من المصانع والشركات في مصر حاليا تعاني من خسائر
نتيجة تلك السياسات الاقتصادية الفاشلة".