اقتصاد عربي

لماذا تراجعت تحويلات المصريين في الخارج من العملة الصعبة؟

يبحث المغتربون المصريون عن طرق بديلة لإرسال المال لذويهم- عربي21
خالفت تحويلات المصريين العاملين بالخارج التوقعات وتراجعت بنسبة 20.9% على أساس سنوي، لتصل إلى نحو 6.4 مليار دولار مقابل 8.1 مليار دولار في الفترة ذاتها من 2021-2022، بحسب بيانات البنك المركزي المصري.

وحققت تحويلات المصريين العاملين بالخارج أعلى مستوى لها تاريخيا خلال السنة المالية 2021-2022 عندما سجلت نحو 31.9 مليار دولار، وسط توقعات باستمرار تحسن التحويلات من الخارج لتتجاوز هذا الرقم القياسي.

وتعد تحويلات المصريين العاملين بالخارج أكبر مصدر رئيسي للعملة الأجنبية، ويأتي معظمها من الدول الخليجية، وتمثل نحو 7% من إجمالي الناتج المحلي، وتحتل بها مصر المركز الخامس بين أعلى الدول المتلقية للتحويلات المالية، بحسب تقرير حديث للبنك الدولي.

أثار هذا الانخفاض في تحويلات المصريين بالخارج تساؤلات بشأن منحنى الهبوط المفاجئ في الربع الأول من العام المالي الجاري 2022-2023، وعلاقته باضطراب سوق الصرف وانهيار الجنيه المستمر والفرق الواسع بين البنوك والسوق السوداء، وإلى أي مدى يعتبر ذلك مؤشرا على فقدان الثقة بين المصريين بالخارج والسياسات النقدية والاقتصادية للحكومة المصرية.

ومنذ آذار/ مارس الماضي تعرض الجنيه المصري لهزات قوية وانخفض بنسبة 100% عدة مرات من مستوى الـ15.70 جنيه إلى 32.20 جنيه قبل أن يرتفع قليلا؛ بسبب توالي الضغوط على العملة المحلية الناجم عن شح الدولار وتخارج الأموال الساخنة، وتراكم الالتزامات البلاد الخارجية.

ومنذ ذلك الوقت برزت السوق السوداء في مصر بقوة، وأصبحت اللاعب الرئيسي في تحديد سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، واتسع الفارق بين السعر الرسمي في البنوك وبين السوق السوداء تجاوز أحيانا حاجز الـ 20% ما جعل الكثيرين يعزفون عن استبدال العملة الأجنبية بالبنوك المحلية.

أزمة ثقة مع النظام المصرفي

وصف خبير في الإدارة الإستراتيجية وإدارة الأزمات، الدكتور مراد علي، هذا التراجع "بالمفاجئ"، وقال إن هذا التراجع يأتي في الوقت الذي تطلق فيه الحكومة المصرية مبادرات تشجع العاملين بالخارج لتحويل مدخراتهم للداخل من خلال السماح باستيراد سيارات معفاة من الجمارك، وطرح شهادات دولارية بفائدة مرتفعة وطرح أراض للشراء بالدولار وكان من المتوقع زيادة التحويلات ولكن العكس هو الذي حدث.

واعتبر في تصريحات لـ"عربي21" هذا التراجع بهذه النسبة "مؤشرا يؤكد أن هناك أزمة ثقة بين المصريين العاملين بالخارج وبين النظام المصرفي في مصر والقائمين عليه ومرجعه السياسات النقدية الخاطئة التي انتهجها البنك المركزي مثل عدم قدرة ذوي المصريين بالخارج على سحب أموالهم بالعملة الصعبة، وتقلبات سعر الصرف، وتقديم السوق الموازي سعرا أعلى للعملة الأجنبية من البنوك المحلية".

وأكد علي أن "هذه رسالة أيضا مفادها أن على الحكومة المصرية مراجعة سياستها النقدية بشكل يشجع العاملين في الخارج على تحويل أموالهم بدلا من اللجوء إلى المصارف غير الرسمية؛ وبالتالي سوف يحرم ذلك الدولة من موارد دولارية كانت متاحة ستضطر للاقتراض لتعويضها".

مسارات بديلة للعملة الصعبة

وبحسب أحد المتعاملين بالعملات في السعودية فقد "دفعت محاولة النظام المصرفي المحلي الحصول على أموال المصريين بالخارج بأقل سعر إلى إيجاد بدائل غير رسمية إلى جانب السوق الموازي فظهرت تجارة التحويلات بدول الخليج حيث يقوم التجار باستلام العملات الأجنبية من المصريين بالخارج وتسليمها بالعملة المحلية إلى ذويهم بسعر أعلى من السعر الرسمي بالبنوك بدون أن يضطروا لتحويلها عبر البنوك".

وأضاف لـ"عربي21" مفضلا عدم ذكر اسمه: "يمثل العاملون بالخارج في دول الخليج النسبة الأكبر سواء من عدد المصريين أو حجم التحويلات، والحكومة تحاول الحصول على أموالهم بأقل سعر، ولكن الحاجة الماسة للعملة الصعبة سواء للمصريين بالخارج أو المستوردين والتجار جعلت الجميع يبحث عن مصالحه الشخصية بالمقام الأول".

وبسبب الأوضاع الاقتصادية العالمية المضطربة خفّض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد المصري في العام الحالي 2022/2023 إلى 4%، مقارنة بتوقعاته السابقة عند 4.4% في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.



لماذا تراجعت تحويلات المصريين؟

ويقول الخبير الاقتصادي واستشاري تمويل المشروعات، الدكتور علاء السيد: "لا شك أن هناك عدة أسباب لتراجع تحويلات المصريين في الخارج لأسرهم داخل مصر بنسبة 21% يأتي على رأسها اهتزاز الثقة في الاقتصاد المصري وفي قدرة الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي على النجاح فيما يسمى ببرنامج الإصلاح الاقتصادي الجديد المرتبط بآخر قرض لمصر.

وأضاف لـ"عربي21": "أتصور أيضا أن من أسباب هذا التراجع في التحويلات اضطراب سوق العقارات وفشل المطورين العقاريين في استكمال مشروعاتهم بسبب انهيار قيمة الجنيه المصري وتأثير ذلك على ارتفاع أسعار مستلزمات البناء، وأتوقع أن فشل المبادرات الحكومية الخاصة باستيراد سيارات للمغتربين وشراء أراضي بالدولار بسبب عدم معقولية الشروط وانعدام الثقة في الحكومة يعد أيضا من أسباب انخفاض إجمالي تحويلات المصريين بالخارج لمصر".

ورأى أن "التضخم العالمي وارتفاع الأسعار وتكلفة المعيشة بالخارج أثرت أيضا على حجم التحويلات، وهناك سبب هام أيضا وهو رفض معظم فروع البنوك المصرية تسليم الحوالات للمستفيدين منها في الداخل بالدولار الأمريكي في ظل اتساع الفارق في سعر الدولار بين الجهاز المصرفي والسوق الموازية"، بحسب تعبيره.

أما عن تأثير هذا الانخفاض على مصر، فيقول السيد إنه "يتمثل في الضغط على حجم السيولة بالعملة الأجنبية في البنك المركزي مما يحد من قدرة الحكومة على تدبير العملة الأجنبية للمستوردين وسداد أقساط القروض الأجنبية وخدمة الدين، وإن كان هذا التأثير يتلاشى إلى حد ما بعد نجاح الحكومة المصرية في مضاعفة حد الاقتراض من عدة مؤسسات مالية دولية وكذا التدفق الحذر للمال الساخن وأذون الخزانة بالدولار".