نشرت
صحيفة "
الغارديان" مقالا للزميلة في مركز "تشاتام هاوس"، سامانثا
دي بندرن، قالت فيه إن صعود يفغيني بريغوزين، الأوليغارشي الروسي المقرب من
بوتين ورئيس
شركة
فاغنر العسكرية الخاصة سيئة السمعة، هو علامة على تآكل سيادة القانون في
روسيا.
إنه يظهر أن الدولة مستعدة للتسامح مع العنف المتطرف غير الخاضع للمساءلة طالما أنه
يخدم مصالحها. يمكن أن يصبح هذا في النهاية تهديدا للنظام نفسه.
بريغوزين،
مواطن كان سابقا أحد أقطاب المطاعم - يُعرف باسم "طاهي بوتين" بسبب رعاية
الرئيس لمطاعمه وشركات خدمات الطعام. ولكن في وقت ما من عام 2014، شارك في تأسيس مجموعة
فاغنر جنبا إلى جنب مع أفراد عسكريين روس سابقين، وأصبح منذ ذلك الحين لاعبا رئيسيا
في الحملة العسكرية الروسية في أوكرانيا.
في الأشهر
القليلة الماضية، تولى صلاحيات مخصصة عادة لكبار المسؤولين الحكوميين أو الرئيس نفسه.
ومع ذلك، فليس لديه وظيفة قانونية رسمية سواء في الحكومة أو الجيش، وشركة فاغنر نفسها
غير قانونية من الناحية الفنية لأن الشركات العسكرية الخاصة محظورة في روسيا.
عندما
بدأ بريغوزين التجنيد من السجون الروسية في أواخر صيف عام 2022، وقدم لهم عفوا مقابل
الخدمة لمدة ستة أشهر في أوكرانيا، فلم يتمكن المشرعون الروس من شرح الأساس القانوني
الذي كان يعمل به. بموجب القانون الروسي، يمكن للرئيس فقط العفو عن المجرمين المُدانين،
ويتطلب إطلاق سراحهم قبل نهاية فترة محكمويتهم إجراءات قانونية مطولة. ومع ذلك، فإنه في
أواخر كانون الثاني/ يناير، بعد إعادة الدفعة الأولى من جنود فاغنر المدانين إلى المجتمع
كرجال أحرار، صرح المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف بأن العفو كان قانونيا تماما،
لكن بعض المراسيم ظلت سرية.
يفترض
الكثيرون أن الكرملين يسمح لبريغوزين بالعمل في منطقة قانونية غامضة حتى يتمكن من غسل
يديه من أفعال جيش فاغنر إذا أصبح متطرفا للغاية. ويقدم الجيش غير الرسمي للجيش النظامي
فرصة لإنكار المسؤولية عن الخسائر الفادحة في الرجال أو الأراضي، أو في حالة يواجه
فيها مزاعم بارتكاب جرائم حرب في الميدان. وهذا يعني وجود جيش موازٍ مستعد لقبول دوره
كتابع أو كبش فداء.
ومع
ذلك، فقد أظهر بريغوزين إشارات على أنه لن يقبل بدور ثانوي بحت. إنه ينتقد ويتحدى صراحة
مسؤولي الدولة، بما في ذلك كبار الجنرالات. وقد تناقضت وزارة الدفاع وفاغنر علانية
مع بعضهما البعض في إعلان المسؤولية عن المكاسب الروسية الأخيرة في دونباس.
وأعلن
بريغوزين مؤخرا أنه لم يعد يجند من السجون. على الرغم من أنه يدعي أن السبب في ذلك
هو أن لديه الآن عددا كافيا من الرجال، فقد يكون ذلك علامة على أن وزارة الدفاع تحاول
قص جناحيه.
وطلب
بريغوزين مؤخرا من البرلمان الروسي إدخال تغييرات على القانون لجعل انتقاد جنوده المدانين
أمرا غير قانوني. ورد رئيس الدوما بالطلب من لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان دراسة المسألة.
إذا تم إجراء التغييرات المطلوبة، فقد يؤدي ذلك إلى تعقيد خطير لمحاكمة الجنود المدانين
السابقين على أي جرائم جديدة. ومن خلال منح بريغوزين مثل هذا العنان للحرية، فإن الكرملين يخلق ثقافة معتمدة من الدولة للعنف الإجرامي.
حتى
قبل الغزو العام الماضي لأوكرانيا، فإن جيش فاغنر اشتهر بجرائم القتل والاغتصاب والعنف
الشديد. ومن الأمثلة الرهيبة الأخيرة على ذلك عملية قتل بمطرقة ثقيلة تم تصويرها لأحد
الهاربين من أفراد فاغنر من أوكرانيا، والذي أعيد إلى روسيا في عملية تبادل للأسرى.
وأشاد بريغوزين بالقتل وصرح بيسكوف بأن القتل لم يكن من شؤون الحكومة. عندما تقبل الدولة
صراحة أنها لم تعد تحتكر استخدام القوة، فإنها ترسل إحدى رسالتين: ضبابية عنف الدولة
والعنف الإجرامي في واحدة، أو أنها لم تعد مسيطرة.
كما
أن الجيوش الخاصة الأخرى آخذة في الارتفاع. الجيش الخاص لوزير الدفاع سيرغي شويغو،
باتريوت، يعمل في أوكرانيا منذ عام 2014، والجيش الخاص للأوليغارشي غينادي تيمشينكو،
ريدات، الذي تم إنشاؤه في الأصل لحماية حقل الغاز التابع لشركته، موجود أيضا في أوكرانيا.
ناهيك عن جيش الزعيم الشيشاني رمضان قديروف. وفي 7 شباط/ فبراير، أعلنت شركة الغاز العملاقة
غازبروم أنها ستنشئ شركتها العسكرية الخاصة.
جيش فاغنر
هو الأبرز، حيث يعمل ما يقدر بنحو 50000 عضو في أوكرانيا وحدها، والعضو الوحيد الذي
يقوده شخص يتصرف أكثر فأكثر كشخص يسعى إلى نفوذ سياسي حقيقي؛ وفي الواقع، فإن بريغوزين يوصف أحيانا بأنه خليفة لبوتين. وفي واحدة من أحدث ظهوراته بالفيديو، يخاطب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، من قمرة القيادة لطائرة قاذفة مقاتلة من طراز Su-24، متحديا إياه إلى مبارزة في السماء مقابل أرض في أوكرانيا. يشير هذا
إلى أن بريغوزين لا يعتبر نفسه نظير زيلينسكي فحسب، بل إنه لا يولي اهتماما كبيرا للبروتوكول
الدبلوماسي في العلاقات الدولية، والذي بموجبه يجب على رئيس دولة آخر فقط أن يخاطب
نظيره مباشرة.
لقد
تحدثت، بشكل غير رسمي، إلى ضابط سابق في المخابرات السوفييتية وأوليغارشي روسي، وكلاهما
يؤكد أن بريغوزين يتم تضخيمه عن قصد باعتباره بعبعا، ليتم تقديمه للجمهور الروسي الذي
يتخيل تغيير النظام. التحذير واضح: إذا رحل بوتين، فقد تسوء الأمور.
سواء
كان بريغوزين دمية يمكن قطع خيوطها بحسب رغبة بوتين أم لا، فهذا أمر غير مهم في النهاية. ويتم التسامح الآن مع العنف الإجرامي ويصبح مؤسسيا في روسيا. وفي الوقت الحالي، يبدو
أن بوتين ما زال مسيطرا. لكن من خلال تفويض استخدام القوة إلى جهات فاعلة غير حكومية،
فإنه يمنحهم طعم القوة التي يمكن أن تصبح غير قابلة للإدارة في اليوم الذي يظهر فيه
النظام علامات الضعف. يحتاج العالم إلى الاستعداد للفوضى التي ستنجم عن ذلك.