قالت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير لها إن الولايات المتحدة تحاول منع
إيران من توريد
المسيرات القتالية لروسيا.
وأوضحت أن واشنطن استعانت بتل أبيب لتحقيق هذا الهدف. وقالت إن الجهود الأمريكية الجديدة نابعة من اعتقاد أن الحرب في أوكرانيا دفعت كلا من
روسيا وإيران لبناء تحالف مصلحة.
وفي تحقيق أجرته الصحيفة، نقلت فيه عن مسؤولين في الاستخبارات والأمن القومي والدفاع من الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط وصفوا البرنامج الأمريكي لخنق قدرات إيران على إنتاج المسيرات القتالية/كاميكاز والحد من قدرتها لتزويد روسيا بها واستخدامها في الحرب الأوكرانية، ولو فشلت هذه الجهود فستزيد أوكرانيا بالقدرات العسكرية لكي تطلق النار عليها وهي في الجو.
وتشير إلى أن الجهود الواسعة للإدارة الأمريكية بدت واضحة خلال الأسابيع الماضية عندما سرعت من جهودها لحرمان إيران من المكونات المصنعة في الغرب، حيث كشفت الفحوصات لحطام المسيرات التي تم اعتراضها أنها معبأة بتكنولوجيا أمريكية.
وتقول الصحيفة إن القوات الأمريكية تساعد الجيش الأوكراني لاستهداف مواقع إطلاق المسيرات من روسيا، وهي مهمة صعبة لأن الروس يحركونها من ملعب كرة قدم إلى موقف سيارات.
بالإضافة لتزويد الأوكرانيين بالقدرات العسكرية لاستهداف أسراب المسيرات وهي في الجو والحد من أثرها إلى جانب قدرات أخرى تعطيهم المجال لضرب أي شيء من قذيفة إلى صاروخ.
وتشير الصحيفة إلى أن الجهود تعاني من تحديات عميقة، فالمحاولة لمنع وصول الأجزاء الضرورية لبناء المسيرات تشبه المحاولات وعلى مدى العقود الماضية منع إيران من الحصول على المكونات الضرورية لبناء أجهزة الطرد المركزي اللازمة لتخصيب اليورانيوم.
وبحسب الاستخبارات الأمريكية فإن الإيرانيين يستخدمون في تصنيع المسيرات، نفس الأسلوب الذي استخدموه في تصنيع أجهزة الطرد المركزي حول البلد واستخدام التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج وشرائها من السوق السوداء لتجنب القيود على التصدير.
وفي الحقيقة، فواحدة من الشركات الإيرانية التي حددتها الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا كمصنع رئيسي لنوعين من المسيرات التي اشترتهما روسيا، هي قدس للطيران، وظهرت على قوائم الأمم المتحدة التي تزود برامج إيران النووية والصاروخية. ووسعت الشركة التي يملكها الجيش الإيراني خطوط إنتاجها برغم العقوبات.
وتتزامن الجهود الأمريكية مع مرحلة حرجة من الحرب، حيث يستخدم الأوكرانيون مسيراتهم لاستهداف العمق الروسي، بما فيها العملية الأخيرة ضد قاعدة عسكرية تحتفظ روسيا فيها بمقاتلاتها الاستراتيجية.
وتأتي أيضا في وقت يقول المسؤولون الأمريكيون والبريطانيون إن إيران ستزود روسيا بصواريخ لكي تخفف من حدة نقصها. وهناك قناعة لدى أفراد التحالف الغربي أن روسيا وإيران اللتين تعانيان من العقوبات الدولية أقامتا تحالف مصلحة.
وقال مسؤول عسكري بارز إن الشراكة قد تطورت سريعا وبعد موافقة إيران على تقديم المسيرات لروسيا في الصيف حيث "أنقذت بوتين" حسب قوله. وتضيف الصحيفة أن إدارة بايدن التي فقدت الأمل في إحياء الاتفاقية النووية عام 2015، باتت تضيف كل عدة أسابيع عقوبات جديدة ضد إيران.
وكشفت الصحيفة أن إدارة بايدن تستعين بحليف ظل يعمل على منع إيران من الحصول على السلاح النووي: إسرائيل.
وفي بيان للبيت الأبيض قدم فيه ملامح عن اجتماع عقد عبر الفيديو المؤمن يوم الخميس الماضي، ناقش فيه مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان مع كبار المسؤولين العسكريين والاستخبارات الإسرائيليين "علاقة إيران المتطورة مع روسيا، بما في ذلك نقل الأسلحة التي ينشرها الكرملين في أوكرانيا واستهداف البنى التحتية المدنية ومنح روسيا التكنولوجيا العسكرية لإيران مقابل ذلك" ولم يشر البيان إلى تفاصيل عن طريقة معالجة الموضوع. لكن حقيقة طرح الولايات المتحدة موضوع التعاون العسكري الإيراني- الروسي في اجتماع دوري لمناقشة عمليات الحد من قدرات إيران النووية، أمر بارز، فإسرائيل والولايات المتحدة لديهما تاريخ في عمليات تعطيل التهديدات التكنولوجية النابعة من إيران. ومن ذلك تطويرها لفيروس "ستاكسنت" الذي عطل أجهزة الطرد المركزي الإيرانية.
ومنذ ذلك الوقت لم تخف إسرائيل محاولاتها في تخريب مراكز تخصيب اليورانيوم الإيرانية. واعترفت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي أدريان واتسون بالجهود التي تقوم بها الإدارة لمواجهة إنتاج المسيرات الإيرانية من خلال "العقوبات والتحكم بالتصدير والحديث مع الشركات الخاصة التي تستخدم قطعها في الإنتاج".
وتعود جهود إيران إلى عقود سابقة حيث كانت تبحث عن طرق لمراقبة ومضايقة جاراتها في الخليج، فمهاجر1 وهي الطائرة السابقة عن التي تباع اليوم بروسيا، قامت بأول تحليق لها عام 1986. وكان التقدم بطيئا، إلا أن المساعدة جاءت بطريقة غير مقصودة من الولايات المتحدة عام 2011، فقد أخذت وكالة الاستخبارات الأمريكية المقاتلة بدون طيار أر كيو-170 من أسطول البنتاغون في أفغانستان، بهدف تصوير ورصد مئات الأنفاق التي حفرتها إيران لإخفاء نشاطاتها النووية إلا أن عطلا فنيا أدى لسقوطها في الصحراء الإيرانية.
وفي ذلك الوقت فكر باراك أوباما بإرسال فريق من نيفي سيل للبحث عنها وإنقاذها، لكنه قرر عدم المخاطرة، وبعد أيام استعرض الإيرانيون الطائرة في الشوارع كغنيمة انتصار. واكتشف المسؤولون العسكريون الأمريكيون أن الطائرة كانت بمثابة دفعة للصناعة الإيرانية التي قامت بتعديل عملها.
وفي عام 2016 أعلنت إيران عن خطط لإنتاج المسيرات القتالية بالتعاون مع روسيا، وقدم بعضها للحوثيين في اليمن الذين استخدموها في حربهم مع التحالف الذي تقوده السعودية. كما واستخدمت أسراب منها وبطريقة فعالة في هجوم 2019 والذي استهدف منشآت تابعة لشركة النفط السعودية، أرامكو.
وقال المسؤولون الأمريكيون إن سنوات من التجربة أعطتهم فكرة عن المسيرات القتالية الإيرانية والتي استخدمت ضد السعودية وفي سوريا، حيث تم تأمين قنبلة متفجرة في مقدمة المسيرة.
إلا أن الحرب الأوكرانية كشفت عن جهود إيران لإنتاج المسيرات القتالية وعلى قاعدة واسعة. وزاد القلق مع التقارير عن إنشاء طهران لقاعدة إنتاج لها في داخل روسيا. لكن البرنامج الإيراني لم يكن بدون مشاكل، فالإمدادات ليست مستمرة كما جرى تعديل المسيرات لكي تعمل في شتاء أوكرانيا.