التصريحات الأخيرة
لمحافظ مصرف
ليبيا المركزي، الصديق الكبير، لموقع "بلومبيرغ" أثارت جدلا، وتلقاها مراقبون بطرق مختلفة ما بين مرحب ومنتقد. والحقيقة أن بعض ما صدر عن
الكبير في المقابلة يحتاج إلى نقاش، كما يتطلب فهمه نظرة أعمق للمشهد، ليس
الاقتصادي فقط، بل والسياسي، لأن الأخير يأخذ حيزا ويشكل أساسا مهما لوضع التصريحات
والتطورات التي صاحبتها في موضع يوضح المشهد أكثر. غير أننا سنكتفي بالنقاش
الاقتصادي في هذه السانحة، على أن نعود للشق السياسي في مناسبة قادمة.
أرجع الكبير تعثر
توحيد مصرف ليبيا المركزي حتى الآن إلى "
الانقسام السياسي" الذي تشهده
ليبيا هذا العام، وترجيحه أن تستأنف عملية التوحيد بمجرد عودة الاستقرار السياسي، ولو
نسبيا، لا يقبل على إطلاقه، فمجلس
إدارة المصرف لم يلتئم بعد اجتماع كانون الأول/ ديسمبر
2020م، وانقضت نحو ثمانية أشهر قبل تأزم الوضع وعودة الانقسام السياسي، وكانت هذه
المدة كفيلة بتحقيق تقدم في ملف توحيد المصرف وتقدم العمليات المصاحبة.
السياسات الاقتصادية في البلاد استسهلوا أسلوب تعظيم العوائد والمداخيل عبر فرض الرسوم على بيع الدولار أو خفض سعر صرف الدينار، وهذا عجز لا يليق أن يتورط فيه قادة المرحلة، ثم إن النظرة الصائبة للوضع المالي للدولة ينبغي أن لا ينحصر في طرق زيادة الإيرادات بوسائل تقليدية، بل ينبغي الاهتمام أكثر بجانب النفقات العامة التي تضخمت
الدين العام الذي
ظل على حاله حسب الكبير والبالغ 155 مليار دينار ليبي؛ كان من المفترض أن ينخفض
خاصة وأن فوائض مالية تحققت خلال السنتين الماضيتين، فقد بلغ فائض الميزانية عام
2021م نحو 20 مليار دينار، ومن المرجح أن يقترب الفائض هذا العام من سقف 15 مليار
دينار، ولم يرد تفسير لاستمرار الدين العام على حاله في ظل ما تقدم ذكره.
وأرجع الكبير عدم
استجابته لتعديل سعر صرف الدينار الليبي ورفع قيمته إلى 4.26 دينار للدولار، كما
هو مقترح من عدد من أعضاء مجلس إدارة المصرف، إلى التهديدات المستمرة بإغلاق
النفط
وحجب إيراداته. والحقيقة أن هذا العذر لا يرتقي لأن يكون مبررا لرفض تعديل سعر صرف
الدينار، والذي بلا شك يمكن أن يخفف من الضغوط المعيشية على الليبيين من خلال
تراجع أسعار السلع بنسبة قد تصل إلى 15 في المئة.
إغلاق النفط
سيحرم الخزانة العامة الإيرادات سواء كانت مسعّرة بسعر الصرف الحالي أو المقترح،
كما أن عودة استخدام النفط كورقة ضغط ليست راجحة؛ لأسباب تتعلق بالوضع الدولي
وموقف أطراف دولية نافذة يفهم النافذون في المشهد الليبي من ساسة وعسكريين
حساسيته.
من ناحية أخرى، يبدو
أن صناع السياسات الاقتصادية في البلاد استسهلوا أسلوب تعظيم العوائد والمداخيل
عبر فرض الرسوم على بيع الدولار أو خفض سعر صرف الدينار، وهذا عجز لا يليق أن
يتورط فيه قادة المرحلة، ثم إن النظرة الصائبة للوضع المالي للدولة ينبغي أن لا
ينحصر في طرق زيادة الإيرادات بوسائل تقليدية، بل ينبغي الاهتمام أكثر بجانب
النفقات العامة التي تضخمت بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية، خاصة وأنه إنفاق
استهلاكي يشكل نحو 90 في المئة من الإنفاق العام، دع عنك الهدر والفساد الذي يلتهم
مقدارا كبيرا من الإيرادات العامة.
تجاهل الاختلال الهيكلي للاقتصاد الليبي والاعتماد على فكرة مقابلة النفقات المرتفعة بزيادة الإيرادات عبر زيادة إنتاج النفط إلى 1.4 مليون برميل يوميا، كما اقترح المحافظ، لن يسهم في تنفيذ خطة تنموية شاملة وتنويع الاقتصاد الوطني، وهي الحلقة المفرغة التي وقع فيها الاقتصاد الليبي منذ تأميم القطاع الخاص وهيمنة القطاع العام
الإنفاق العام
خلال السنة الماضية 2021م بلغ 86 مليار دينار ليبي، وهو الأعلى منذ تأسيس ليبيا
الحديثة، والرقم مرشح للزيادة خلال الأعوام القادمة. والمشكل يكمن في الهيكل
الاقتصادي الحالي الذي يعاني من خلل كبير والذي يؤدي اختلاله إلى زيادة الإنفاق
(الاستهلاكي) دون أن يقابل ذلك زيادة في العوائد المالية، والأَولى هو الالتفات
إلى اختلال هيكل الاقتصاد الليبي وإصلاحه ليتسنى وقف الهدر ومضاعفة النفقات العامة،
من خلال تخفيف العبء عن الخزانة العامة واستخدام فوائض الدخل في المشروعات
التنموية وتطوير الخدمات العامة الأساسية.
تجاهل الاختلال
الهيكلي للاقتصاد الليبي والاعتماد على فكرة مقابلة النفقات المرتفعة بزيادة الإيرادات
عبر زيادة إنتاج النفط إلى 1.4 مليون برميل يوميا، كما اقترح المحافظ، لن يسهم في
تنفيذ خطة تنموية شاملة وتنويع الاقتصاد الوطني، وهي الحلقة المفرغة التي وقع فيها
الاقتصاد الليبي منذ تأميم القطاع الخاص وهيمنة القطاع العام على معظم الأنشطة
الاقتصادية أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات من القرن الماضي.