شن جيش الاحتلال
الإسرائيلي في 5 أيار/ مايو 2022 عدوانا
على قطاع
غزة مستهدفا القائد في سرايا القدس، الجناح العسكري للجهاد الإسلامي،
الشهيد تيسير الجعبري، مما أدى إلى استشهاده هو وثلاثة من مرافقيه في شقة في أحد
الأبراج السكنية، وأعلن جيش الاحتلال أنه بدأ بحرب تستهدف الجهاد الإسلامي حصرا. وقد
استمر العدوان ثلاثة أيام حاصدا أكثر من 40 شهيد وأكثر من مئتي جريح فضلا عن تدمير
عشرات المنازل.
ولم يسبق الاغتيال أية عملية إطلاق صواريخ أو أية أعمال
عسكرية على الحدود، مما يعني أن عملية الاغتيال وكذلك حرب الأيام الثلاثة
كان مخططا
لها.
ولم تكن المواقف الدولية والعربية هذه المرة بالمستوى
المطلوب، حتى في حدودها الدنيا التي لطالما تعودنا عليها، مما ترك انطباعا قويا
بأن على الشعب
الفلسطيني الواقع تحت بطش الاحتلال الإسرائيلي أن يقدم المزيد من
الدماء والتضحيات على أمل أن تتحسن المواقف الدولية قليلا، وتضع حدا لآلة القتل
الإسرائيلية.
ولعل من الأمور الأكثر استغرابا خلال العدوان الأخير على
غزة هو تجاهل
المجتمع الدولي، لا سيما الدول الكبرى منها، لحق الشعب الفلسطيني في
تقرير مصيره وحقه في الدفاع عن نفسه في وجه احتلال صعب وقاس، وتجاهل القيم والمبادئ
التي تدعو إليها الأمم المتحدة (رفض الحصار والتجويع، رفض الاحتلال، رفض العدوان
أي كان مصدره..).
لم تكن المواقف الدولية والعربية هذه المرة بالمستوى المطلوب، حتى في حدودها الدنيا التي لطالما تعودنا عليها، مما ترك انطباعا قويا بأن على الشعب الفلسطيني الواقع تحت بطش الاحتلال الإسرائيلي أن يقدم المزيد من الدماء والتضحيات على أمل أن تتحسن المواقف الدولية قليلا
إن قواعد القانون الدولي العرفية والمكتوبة الراسخة عبر
مئات السنين لم تكن حاضرة البتة في مواقف الدول في العموم. وأكثر من ذلك حين رأينا
تمييعا لحق الدفاع النفس، فهو بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي حق مشروع، حتى وإن فتك
بالأطفال والمدنيين، وهو بالنسبة للمقاومة الفلسطينية إرهابا وعنفا.
إن العبث المقصود أو غير المقصود بقواعد القانون الدولي
الراسخة من قبل الدول الكبرى إنما يؤسس لحالة من الفوضى العالمية وتقويض لأسس
ومقاصد الأمم المتحدة، وسوف يؤدي -حتما- إلى مزيد من الحروب. إن الشعوب الواقعة
تحت الظلم الشديد، كما هو حال الشعب الفلسطيني، انتظرت طويلا كي تتدخل الأمم
المتحدة وكذلك الدول الكبرى لتخليصه من شرور الاحتلال الإسرائيلي، هي الآن معنية
تماما بأن تأخذ حقها بيدها وتواجه آلة الاحتلال الإجرامية مهما كان الثمن باهظا.
ونستعرض هنا على سبيل المثال وليس الحصر مواقف أهم
الأطراف الدولية والإسلامية والعربية.
موقف الأمم المتحدة: لم يكن هناك موقف فوري للأمين العام للمتحدة وإدانته
لعملية الاغتيال، لاحقا رحب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش
بإعلان وقف إطلاق النار في قطاع غزة. الموقف الأكثر جرأة هو موقف المقررة الخاصة لحقوق الإنسان في فلسطين فرانشيسكا إلبانيز؛ التي نددت بالضربات
الجوية الإسرائيلية على غزة، ووصفت "عملية الفجر الصادق" التي تشنها
إسرائيل بدعوى ردع الجهاد الإسلامي بأنها عمل عدواني صارخ وعديم الأخلاق وغير
مسؤول. وقالت أيضا إن القانون
الدولي لا يسمح باستخدام القوة للدفاع عن النفس.
في المقابل، وبعد اجتماع لمجلس الأمن لنقاش وضع غزة وهو المعني بحفظ
الأمن والسلم الدوليين، لم يصدر قرار حتى بموجب الفصل السادس، ولا حتى بيان رئاسي
وإنما صدر موقف عن رئيسه الصيني، فضلا عن مواقف منفصلة لبعض أعضائه، وكل المواقف
وصفية تقليدية، وكأن العدوان على غزة لا يهدد الأمن والسلم الدوليين أو هو تحت
السيطرة، ولا داعي لاتخاذ مواقف أكثر من ذلك.
العبث المقصود أو غير المقصود بقواعد القانون الدولي الراسخة من قبل الدول الكبرى إنما يؤسس لحالة من الفوضى العالمية وتقويض لأسس ومقاصد الأمم المتحدة، وسوف يؤدي -حتما- إلى مزيد من الحروب
موقف الولايات المتحدة
الأمريكية: لم يتغير الموقف النمطي
للولايات المتحدة الأمريكية تجاه الأحداث التي تجري في فلسطين، ودائما تؤكد
الولايات المتحدة على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها مع بعض العبارات الخجولة تجاه
المدنيين. وقد حث المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي الجانبين على الهدوء،
معتبرا أن إسرائيل حليفة الولايات المتحدة ولها الحق في الدفاع عن نفسها. ودعا
جميع الأطراف إلى تجنب مزيد من التصعيد، مؤيدا تماما حق إسرائيل في الدفاع عن
نفسها ضد "الجماعات الإرهابية" التي تحصد أرواح مدنيين أبرياء في
إسرائيل. وتتلقى دولة الاحتلال دعما أمريكيا، ليس سياسيا ودبلوماسيا فحسب، بل دعما
عسكريا وماليا هائلا.
موقف الاتحاد الأوروبي: لم يكن الموقف الأوروبي أحسن
حالا من الموقف الأمريكي تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة، مع بعض الاختلافات في
الصياغة. وفي هذا الخصوص، قال منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب
بوريل إن الاتحاد يتابع ما وصفها بأعمال العنف في قطاع غزة "بقلق بالغ"،
ويدعو جميع الأطراف إلى التحلي بأقصى درجات ضبط النفس من أجل تجنب تصعيد جديد. واعتبر بوريل أن "إسرائيل لها الحق في حماية سكانها المدنيين،
ولكن يجب القيام بكل ما يمكن لمنع نشوب نزاع أوسع من شأنه أن يؤثر في المقام الأول
على السكان المدنيين من كلا الجانبين ويؤدي إلى ضحايا جدد والمزيد من المعاناة".
وحذت بريطانيا حذو الولايات المتحدة مؤكدة حق إسرائيل في الدفاع عن
نفسها، ودعت إلى ضبط النفس، متجاهلة عشرات الضحايا من المدنيين الفلسطينيين بمن
فيهم أطفال ونساء.
موقف روسيا: لم يكن الموقف الروسي أحسن حالا من المواقف الأوروبية، رغم العلاقة
المتوترة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي عقب موقفها الداعم لأوكرانيا في مواجهة
الحرب الروسية. وقد عبرت الخارجية الروسية عنن "قلقها البالغ" إزاء التصعيد في غزة، وأن روسيا تراقب
بقلق بالغ تطور الأحداث التي يمكن أن تؤدي إلى استئناف المواجهة العسكرية على نطاق
واسع، وتفاقم تدهور الأوضاع الإنسانية المتردية أصلا في غزة.
المواقف العربية: لم تدع جامعة الدول العربية إلى اجتماع عاجل لبحث العدوان على غزة حتى على
مستوى المندوبين. بعض الدول العربية أصدرت مواقف سريعة ومنددة بالعدوان على غزة،
بعبارات صريحة وواضحة، كما هو حال الموقف الأردني والكويتي والتونسي والعراقي
واللبناني والجزائري والسوري. أما المغرب، الذي أبرم اتفاقا تطبيعيا مع الاحتلال،
فقد أصدر بيانا عبر فيه عن القلق، ودعا إلى تجنب المزيد من التصعيد خوفا من خروج
الأوضاع عن السيطرة.
الموقف المصري ومن
خلال بيان للخارجية، ذكّر بجهود مصر للتهدئة بهدف احتوء الوضع والحفاظ على الأرواح
والممتلكات. أما الأزهر الشريف فقد أدان بأشد العبارات إرهاب الكيان الصهيوني على غزة وقتل
الفلسطينيين واستهداف النساء والأطفال.
أما الإمارات والبحرين،
واللتان عقدتا اتفاقيات تطبيع مع دولة الاحتلال، فقد دعت سفارتاهما في بيانات
منفصلة؛ مواطنيهما الموجودين في إسرائيل بـ"أخذ الحيطة والحذر، وضرورة اتباع
تعليمات السلامة الصادرة عن السلطات الإسرائيلية".
واضح أن مواقف الدول التي
طبعت مع الاحتلال مؤخرا كانت مواقفها باهتة.
مواقف بعض الدول
الإسلامية: لم
تجتمع منظمة التعاون الإسلامي لبحث العدوان على غزة، وإنما اكتفت ببيان خجول. بعض
المواقف التقليدية لبعض الدول الإسلامية لم تتغير وقد أدانت بشدة العدوان على قطاع
غزة، كما هو الحال مع الموقف الباكستاني والإيراني. وجديد المواقف في هذا السياق
هو موقف الحكومة الأفغانية الذي أدان العدوان على غزة والذي أوقع شهداء وجرحى.
أما الموقف التركي فقد
تراجع نسبيا مقارنة ببيانات ومواقف سابقة، وقد أدانت الخارجية
التركية "بشدة" الغارات الإسرائيلية على غزة، وقالت إنه "من غير
المقبول سقوط ضحايا بين المدنيين، بمن فيهم الأطفال". ويأتي هذا الموقف
التركي بعد تحسن العلاقات التركية الإسرائيلية.
الموقف الرسمي الفلسطيني: لم تتخذ السلطة الفلسطينية موقفا عمليا تجاه العدوان على
غزة، كوقف التنسيق الأمني، تطبيقا لقرارات المجلس المركزي وكذلك احتراما لرغبة
معظم الشارع الفلسطيني، ولم يكن موقفها مختلفا عن مواقف عربية أو إسلامية. وفي هذا
لسياق أدانت الرئاسة الفلسطينية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وطالبت بوقفه
فورا، وحمّلت قوات الاحتلال مسؤولية هذا التصعيد الخطير، وطالبت المجتمعَ الدولي
بإلزام إسرائيل وتوفير
الحماية الدولية للفلسطينيين.
كيف نجعل العالم يهتم أكثر بالقضية الفلسطينية؟
إن القضية الفلسطينية ليست قضية محلية أو قضية هامشية في
أحد أطراف العالم المترامي، إنما هي قضية دولية عادلة بامتياز، ويجب أن تحظى
بالاهتمام الدولي المناسب. ويقع على عاتق الفلسطينيين المسؤولية الأكبر في
جذب الاهتمام الإيجابي بها من خلال جملة من الاعتبارات:
- إن تراكم الجهد النضالي كمّا
ونوعا في أرض الميدان، في إطار وحدة وطنية قائمة على أسس من الديمقراطية والشفافية
والشراكة الحقيقية، هو الذي يجذب الاهتمام بالقضية الفلسطينية. إن شعبا واقعا تحت
الاحتلال ليس له خيار إلا مواجهة الاحتلال، حتى وإن كانت التكلفة باهظة، فهي
بالتأكيد أقل كلفة من القبول بالاحتلال أو التعايش معه.
المواقف الغربية لا سيما موقف الولايات المتحدة الداعم للاحتلال الإسرائيلي؛ ليس قدرا محتوما لا يمكن تغييره. يجب جعل الاحتلال الإسرائيلي عبئا على العالم أجمع بما فيه الولايات المتحدة وأوروبا من خلال لغة المصالح، ومن خلال ماكينة دبلوماسية وإعلامية عربية نواتها ورأس حربتها الدبلوماسية الفلسطينية
- لم تعترف الأمم المتحدة
بمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1974 كحركة تحرر وطني إلا بعد إنجازات فلسطينية
وعربية كبيرة (معركة الكرامة، الاستنزاف الكبير لجيش الاحتلال، انتصار العرب في
حرب عام 1973).
- إيقاف كل أشكال
التنسيق الأمني مع الاحتلال وأجهزته الأمنية، فهو يعطي انطباعا للعالم كله بأنه لا
يمكن أن يكون ملكيا أكثر من الملك. ووقف التنسيق الأمني يجعل الشعب الفلسطيني في
مواجهة مفتوحة مع الاحتلال الذي سوف يعجز بالتأكيد أمام بطولة وصمود وتضحيات أبناء
الشعب الفلسطيني، وسوف يدفع العالم دفعا للبحث في حقوق الشعب الفلسطيني.
- إن المواقف الغربية لا سيما موقف الولايات المتحدة
الداعم للاحتلال الإسرائيلي؛ ليس قدرا محتوما لا يمكن تغييره. يجب جعل الاحتلال
الإسرائيلي عبئا على العالم أجمع بما فيه الولايات المتحدة وأوروبا من خلال لغة
المصالح، ومن خلال ماكينة دبلوماسية وإعلامية عربية نواتها ورأس حربتها
الدبلوماسية الفلسطينية. إن المواقف الغربية مرتبطة إلى حد بعيد بالموقف الرسمي
الفلسطيني الذي اعترف بالاحتلال وقمع كل أشكال القوة التي يتمتع بها الشعب
الفلسطيني، على قاعدة غير سليمة وهي الالتزام بالاتفاقيات والملحقات الأمنية، وليس
الإلزام.