قد يحمل عنوان هذه المقالة شيئا من التناقض بين الصداقة بكل ما تعنيه من أمان وسكينة وطمأنينة، والأفعى التي ترمز عادة إلى الخبث والغدر والمكر، لكن هذه الصداقة أمر واقع في حياة البشر طالما أن فيهم الطيب والخبيث، الصالح والطالح، الصادق والكاذب، الأمين والغدار.
تتحدث إحدى القصص القديمة عن امرأة عاشت وحيدة في منزل لم يشاركها فيه أحد، حتى عثرت ذات يوم على أفعى صغيرة جدا، فجاءت بها إلى منزلها عساها تؤنس وحدتها وتعيش معها، وهكذا كان. كبرت هذه الأفعى يوما بعد يوم، واعتادت اللعب دوما حول صاحبتها والنوم في فراشها، وكأنها حيوان أليف بعيدة كل البعد عن الصورة النمطية التي ارتبطت على الدوام باسمها (الأفعى).
نمت علاقة الأفعى مع صاحبتها واستمرت، وقد كبرت وازدادت طولا وحجما، حتى جاء يومٌ أصبحت فيه قليلة الحركة تلزم الفراش وتستلقي فيه قريبة من مربيتها دون أن تأكل طعامها الذي تحب. حزنت المرأة على الأفعى بعد أن وجدتها في هذا الحال البائس، فقررت أن تسأل حكيما ذا خبرة في أمور الحيوانات، علّه يجد حلا لتلك الأفعى المسكينة.
قصَّت المرأة روايتها على الحكيم فقال لها: ينبغي ألا تنسي أن من تقومين بتربيتها إنما هي أفعى وقد اقتربت من هدفها، إنها تستلقي بقربك لتقيس طولها مع طولك، وهي لا تأكل الآن حتى تجوع كثيرا فتصبح قادرة على بلعكِ والتهامكِ بعد أن تبلغ من الطول ما يزيد عن طولكِ. صُدِمَت المرأة من قول الحكيم وجال في خلدها كل الحب والعطف والحنان الذي أحاطت به تلك الأفعى، معتقدة أن هذه الصداقة كفيلة بأن تكون تطبعا يغلب الطبع، ومتناسية القاعدة التي تقول إن الطبع يغلب التطبع.
إن صداقة الأفعى هي صداقة من طرف واحد، يعطي فيها الإنسان صدقه وطيبته ومحبته لإنسان آخر لا يستطع أن يخرج من ثوب الأفعى، بل يتماهى في هذا الثوب حتى يطبع سلوكه بالغدر، ويقتل ما لديه من فطرة إنسانية سوية، فلا عهد له ولا أمان، ولا خير ولا إحسان.
صداقة الأفعى موضوع يتحدث الإنسان عنه غالبا في مرحلة المراجعات والتفكر في ما مضى من علاقات، وذلك بعد أن تتقلب أحوال البشر وتتكشف عورات النوايا، فيأتي العطب من أنياب تلك الأفعى التي انتصرت لطبعها على تطبعها، وكأننا هنا نسمع الشاعر عنترة بن شداد العبسي يقول:
إِنَّ الأَفاعي وَإِن لانَت مَلامِسُها
عِندَ التَقَلُّبِ في أَنيابِها العَطَبُ
* طبيب وباحث أكاديمي سوري- كارديف