انطلق العد العكسي للاستشارات البرلمانية الملزمة لتكليف الشخصية التي ستشكل الحكومة
اللبنانية الجديدة، وذلك مع إرسال الأمانة العامة لمجلس النواب لائحة أسماء النواب بحسب الكتل النيابية والنواب المستقلين إلى الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية؛ التي باشرت بدورها التحضيرات لدعوة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون للاستشارات التي قد تُجرى خلال الأسبوعين المقبلين على أبعد تقدير، خصوصاً أنّ الانهيار المالي والاقتصادي والمعيشي لا يتحمل استمرار حكومة تصريف الأعمال طويلاً، فيما استحقاق
انتخابات رئاسة الجمهورية بات على مسافة بضعة أشهر والتي من المرجح أن تشهد فراغاً كبيراً ريثما تتمظهر التطورات الإقليمية، وتحديداً تلك المتعلقة بمصير الاتفاق النووي والحوار الإيراني- السعودي.
وهنا تكمن أهمية الحكومة التي سيجري تشكيلها مستقبلاً لإدارة مرحلة الفراغ والارتطام، إذ إنّ الدستور ينص على أنّه "في حال خلوّ سدّة الرئاسة لأي علّة كانت، تُناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً بمجلس الوزراء مجتمعاً"، علماً أنّ الحكومة تُعتبر مستقيلة عند بدء ولاية رئيس الجمهورية.
أمّا إذا لم يجرِ تأليف الحكومة وبقيت حكومة ميقاتي تصرّف الأعمال، ولم يُنتخب رئيس للجمهورية فور انتهاء ولاية عون، يدخل البلد الفراغ على مستوى السلطة التنفيذية، ويصبح الوضع مفتوحاً على كلّ الاحتمالات والتي باتت مفتوحة على هرطقات دستورية جرى الاستعانة بها من قبل فريق رئيس الجمهورية منذ 2016، بغية ضرب اتفاق الطائف.
إذا لم يجرِ تأليف الحكومة وبقيت حكومة ميقاتي تصرّف الأعمال، ولم يُنتخب رئيس للجمهورية فور انتهاء ولاية عون، يدخل البلد الفراغ على مستوى السلطة التنفيذية، ويصبح الوضع مفتوحاً على كلّ الاحتمالات والتي باتت مفتوحة على هرطقات دستورية جرى الاستعانة بها من قبل فريق رئيس الجمهورية منذ 2016
وربطاً بملف تسمية رئيس جديد للحكومة، بدا واضحاً من خلال انتخاب رئيس مجلس نواب ونائبه بوجود كتلة متماسكة -إلى حد كبير- درة تاجها حزب الله وحركة أمل ومتحالفة مع جهات سياسية "على القطعة"، كالتيار الوطني الحر ونواب مستقلين آخرين. وهذه الكتلة الصلبة قادرة على الإمساك وتحديد الملفات الأساسية وفرضها مستقبلاً، طالما أن الكتلة المعارضة وتحديداً القوات اللبنانية والكتائب وقوى التغيير غير متماسكة ولا متراصة، وبالتالي، فإنّ هذه القوى لا يزال أداؤها السياسي والبرلماني يفتقد الى الوعي السياسي واللعب بين النقاط والتقاطعات المفصلية.
بالمقابل، فإن كل الصالونات السياسية والدبلوماسية تتحدث عن واقع حكومي مفاده أنّ لا خيار آخر عن إعادة تكليف نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة المقبلة وفق تقاطعات فرنسية- أمريكية، ويجري العمل على ضم السعودية ومصر وقطر إلى تلك التقاطعات، في إطار واضح وهو التحضير لمرحلة طاولة حوار لبناني كبيرة في باريس تعيد مناقشة العقد السياسي والاجتماعي. وهذه التحضيرات تحتاج لشخصية يراها ماكرون أكثر قدرة على التناغم مع السياسات الفرنسية في لبنان -أي نجيب ميقاتي- وهذا الطرح يعجب حزب الله وبري وجنبلاط ويتقاطع معه الحريري؛ الذي لا يود فتح المجال امام أي شخصية جديدة للدخول لنادي رؤساء الحكومات وخاصة أن الخطوط مفتوحة بين الرجلين ويتشاوران بكل الملفات.
هذه الكتلة الصلبة قادرة على الإمساك وتحديد الملفات الأساسية وفرضها مستقبلاً، طالما أن الكتلة المعارضة وتحديداً القوات اللبنانية والكتائب وقوى التغيير غير متماسكة ولا متراصة، وبالتالي، فإنّ هذه القوى لا يزال أداؤها السياسي والبرلماني يفتقد الى الوعي السياسي
لكن يبدو واضحاً أنّ رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل يسعى إلى تسمية شخصية سنية أخرى تستطيع التماهي مع خياراته وهواجسه، وخاصة بعد الحرب التي شهدتها الأيام الماضية بين ميقاتي وفريق باسيل على خلفية ملف الكهرباء، لذا يسعى باسيل لاستجلاب شخصية تعمل على إنجاز تشكيل حكومة تسمح له بإبعاد من يحملون حظوظاً مرتفعة لسدة الرئاسة الاولى، بالإضافة لضمان حكومة تقوم بإجراء تعيينات قضائية وأمنية، تسمح له بتوسيع دائرة نفوذه داخل إدارة الدولة لمرحلة ما بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون.
وكذلك يسعى باسيل لأن يعود هو إلى الحكومة وزيراً للداخلية أو الخارجية، بعد إبعاده عن الحكومات عقب انتفاضة 17 تشرين؛ التي حيّدته عن المشاركة المباشرة في الحكومات، وهو ما سيجعله في موقع تأثير أكبر، مع دخول البلاد في الفراغ الرئاسي المتوقع.
لكن لا تبدو الامور بهذه السهولة، وخاصة أن حزب الله كان واضحاً مع باسيل حول تكليف رئيس حكومة مستفز للأغلبية السنية. بالتوازي، يبدو أن تلك السهولة المتخيلة ليست دقيقة على الرغم من أن باريس تتولى خلية لبنان الدولية والإقليمية مع كل الأطراف بغية المساعدة في تأمين ولادة الحكومة -ولكن ليس أي حكومة- واستغلال رغبة حزب الله بعدم القيام بأي مغامرة تطيح بالمبادرة الفرنسية مع الرياض وطهران وسط ظروف سيئة اقتصادياً واجتماعياً يشهدها لبنان، في ظل صيف مفتوح على
أزمات كهربائية وخدماتية وعدم التوصل لاتفاق حقيقي مع صندوق النقد الدولي حول تنظيم العمل المصرفي والمالي.
لذا يميل ماكرون وفريقه إلى بقاء ميقاتي في رئاسة الحكومة، ويبدو أن باريس حصلت على دعم أولي من إدارة الرئيس جو بايدن حول توسيع رقعة نشاطها في الملفات الأكثر عمقاً في لبنان، وخاصة أن الإدارة الأمريكية انتهت في تقييم الواقع اللبناني منذ تشكيل حكومة ميقاتي إلى نتائج الانتخابات البرلمانية؛ إلى أنها وكل المجمع الدولي باتت تفترض أن تركيبة حكومة ميقاتي لا تشكل عنواناً للانقسام الحاد حتى ولو بقيت قوى الاعتراض خارجها، وتحديداً القوات اللبنانية وقوى التغيير.
لبنان أسير وضوح الصورة الإقليمية وهو ينتقل من مستنقع إلى آخر ريثما تنتهي الورش الإقليمية، فالأولوية للورشة الهائلة في المنطقة، والتي تعطي الأولوية القصوى لاستكمال مسار التطبيع مع إسرائيل، وإقامة توازنات جديدة مرتبطة بتعقيدات الملف النووي مع إيران
فيما الموقف السعودي، لايزال نفسه بعدم إعطاء أي شخصية سنية غطاء سعوديا وخليجيا طالما أن شكل الحكومات هو نفسه، بمشاركة حزب الله والتيار العوني في اللعبة الحكومية، لذا سعى ميقاتي للاستفادة من علاقاته مع الكويت وقطر لاستمالتهما لإعادة تكليفه، إلا أنه توصل لنتيجة أن الموقف الخليجي متماسك حيال لبنان، فيما الموقف السعودي مرتبط بجلاء غبار المعارك الإقليمية ابتداء من فيينا وليس انتهاء بانتظار النهايات السعيدة لزيارة بايدن المرتقبة للمنطقة، وشكل العلاقة المستقبلية بين واشنطن والرياض، وأخيراً مستقبل الحوار السعودي- الإيراني وما قد يتمخض عنه من تفاهمات في اليمن والعراق ومستقبلاً سوريا ولبنان.
وعليه، فإن لبنان أسير وضوح الصورة الإقليمية وهو ينتقل من مستنقع إلى آخر ريثما تنتهي الورش الإقليمية، فالأولوية للورشة الهائلة في المنطقة، والتي تعطي الأولوية القصوى لاستكمال مسار التطبيع مع إسرائيل، وإقامة توازنات جديدة مرتبطة بتعقيدات الملف النووي مع إيران؛ انطلاقاً من أزمة عدم قبول واشنطن برفع العقوبات عن الحرس الثوري الإيراني، ما يعني ربط مستقبل لبنان بمخرجات الاتفاقات الكبرى.