تركض الأيام ركضا نحو 15 أيار/ مايو 2022، موعد
الانتخابات النيابية في
لبنان، علما أن الكثير من التكهنات والإحصائيات والدراسات الممولة وغير الممولة من بعض الأطراف الداخلية والخارجية، تؤكد بقاء القديم على قدمه، وإبقاء المشهد النيابي على توزيعاته الطائفية والحزبية كما هي، باستثناء الاختلاف في الحصول على بعض المقاعد في بعض المناطق واختلافها من دائرة إلى دائرة ومن مذهب إلى مذهب ومن منطقة إلى منطقة. ولكن الحل الحقيقي لانتشال البلد فعليا، يبدأ من ما أقره اتفاق الطائف عبر مجلس شيوخ يحفظ حقوق الطوائف، ومجلس نيابي خارج القيد الطائفي والمذهبي والجندري، فألف مرحبا بمجلس نيابي كله نساء من الكفؤات القادرات على تحمل المسؤوليات الوطنية بعيدا عن وطنجيي الشوارب واللحى المزيفة.
إن الانتخابات القادمة كما يصنفها الكثيرون بالمصيرية والمفصلية هو كلام دقيق؛ إن على المستوى السياسي أو الاقتصادي والمالي، في بلد بات الانهيار فيه صفة ملازمة والإفلاس هو حديث الناس، مما يدفع إلى حسن الاختيار؛ وإن كانت الخيارات لبعض الناس بين المجهول من المرشحين، والسيئ والأسوأ منهم.
وربما هذا هو الحال في الخيارات الضيقة ينطبق على الناس كما ينطبق على المرجعيات الروحية جميعها في البلاد وفي مقدمتها
دار الفتوى اللبنانية، المرجع الأعلى الروحي للطائفة الإسلامية السنية، التي تعاني اليوم ربما من ظلم الأقربين والأبعدين في آن واحد.
يغدو الكباش السني في الواجهة في ظل الانكفاءة المصنفة بالعلامة الفارقة لرئيس تيار المستقبل سعد رفيق
الحريري، مع ما يحمل الاسم من جرح وقيمة في وجدان الطائفة السنية على امتداد الوطن وفي بيروت خصوصا، ولدار الفتوى وسيدها سماحة المفتي دريان تحديدا، الذي واكب مسيرة الرئيس الحريري الابن منذ شهادة الأب دفاعا عن لبنان، وصولا إلى قرار عدم الترشح في الانتخابات القادمة.
إن الرئيس سعد الحريري -كما يريد الجميع القول-
قرر عدم الترشح؛ إن بطلب إقليمي كما يصور البعض أو بقناعة شخصية، لكن المضامين لتلك الاستقالة المقنعة من الحياة السياسية مرحليا، لا تعني أبدا استقالة أهل السنة في لبنان من دورهم في الوطن، كذلك لا تعني أن يغيب أهل بيروت عن وجودهم وحقهم في أن يتمثلوا بأفضل أبنائهم، وإن كان من المرشحين من أصحاب دور الوكيل في ظل غياب الأصيل.
وعليه، إن دار الفتوى لا تستطيع إلا أن تحضن جميع أبنائها على مستوى الوطن ومن كل الطوائف مسلمين ومسيحين، وفي مقدمتهم أبناء الدار من المسلمين السنة على اختلاف مشاربهم، وتدعو إلى انتخاب الأفضل منهم حرصا منها على إبقاء الحضور السني، حتى تتجلى مشاهد المنطقة القادمة من نتائج الانتخابات في 15 أيار/ مايو في 2022، مرورا بإبرام الاتفاق النووي مع إيران من عدمه في فيينا، ومصير المباحثات المتنوعة في دار السلام البغدادية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية في إيران، وصولا إلى تحولات الخارطة الدولية في ظل الحرب الروسية- الأوكرانية، التي لا تعرف حتى الساعة مسارا محددا، إلا مزيدا من التأزم على المستوى العالمي اقتصاديا وسياسيا وإنسانيا.
إن الطائفة السنية عبر التاريخ منذ تأسيس الكيان اللبناني 1920 في قصر الصنوبر، شكلت الشرعية لنشأة لبنان في صورة المفتي النجا مصاحبا البطريرك الحويك، وعليه استمر النهج في دور الإطفائي لحرائق الحرب الأهلية البغيضة، وحفظ لبنان الوطن مع المفتي الشهيد حسن خالد الذي دافع عن صوت كل الناس حتى الشهادة.
ويتجلى اليوم الدور مع المفتي دريان في لحظات حساسة ومفصلية، رغم الانتقادات التي تطال المؤسسة والشخص الكريم، إلا أن الواقع يؤكد صوابية قرارات المفتي دريان للحفاظ على الوطن أو ما تبقى منه، ولتأكيد دور الطائفة السنية فيه والحفاظ على تمثيلهم الأفضل في ظل القادم من الاستحقاقات الداخلية؛ ليس أقلها الاتفاق مع صندوق النقد وخطورته على الناس بالمعنى الاقتصادي والاجتماعي، لا سيما في ظل الحديث عن خطة تعاف اقتصادي مفخخة، إضافة إلى الاستحقاق الرئاسي ودور الطائفة السنية في منح الشرعية الميثاقية للقبول بالرئيس العتيد القادم إلى قصر بعبدا، حيث يشكل قبولهم الغطاء الشرعي الإلزامي لأي رئيس جمهورية قادم على غرار دورهم التاريخي منذ 1920 إلى يومنا الحالي.
إن المطلوب من الجميع يبدو جليا لقراءة مواقف دار الإفتاء هو وضع المواقف في نصابها، فالدار الحكيمة دار لجميع أبناء الوطن، وحرصها واضح على كل الوطن وعلاقته الطيبة مع سائر المكونات الأخرى، كما حرصها على علاقات لبنان مع أشقائه العرب والإقليميين والعالميين في وقت واحد؛ ضمن معادلة مصالح لبنان واللبنانيين في المقدمة.
إن الحديث والغمز من الجفاء بين بعض أبناء الدار وسيدها كلام مردود، والوقائع والأيام السابقة والقادمة تؤكد مدى حرص سيد الدار على دور أبنائه المشاركين والمقاطعين للانتخابات. ولكن من المفيد وبما لا يَحتمل اللُّبس كما تؤكد أوساط الدار؛ أنّ
موقف مفتي الجمهوريّة اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان في خطبة عيد الفطر واضح للعيان بدعوته للمُشاركة في الانتخابات النيابيّة المُقبلة، على أنّ أي تفسير أو تأويل أو تحوير لكلام مفتي الجمهوريّة وكأنّه موجّه ضد الرئيس سعد الحريري، هو مرفوض جملة وتفصيلا ومردود على مَن يطلق أقاويل كهذه وتحليلات لا أساس لها من الصحة. وعليه، العلاقة بين المفتي والحريري متينة وصلبة لا يستطيع أصحاب الأهواء مِن هنا أو هناك ضربها أو زعزعتها؛ لأنها ثمرة محبّة ومودّة وإحترام وبعيدة عن المصالح الشخصية والمآرب السياسية، وكلّ هذا يؤكّد الاتصالات الدائمة بينهما حرصا على الوطن وكل أبنائه.
واقع الأمر يقول إنه على جميع أبناء الوطن بكل طوائفهم وتوجهاتهم المختلفة أن يدركوا أن دار الفتوى هي لكل اللبنانيين، وأن المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان أو أي من يشغل الموقع الجليل ليس مفتي منطقة ولا فئة ولا حزب ولا جمهور معين بذاته، إنما هو مفتي الجمهورية اللبنانية، وأن دار الفتوى المرجع الإسلامي الأعلى؛ وليس حجمها ودورها تحدده دائرة انتخابية من هنا وهناك أو نائب بالزيادة أو النقصان؛ في مجلس نيابي قد يكون مجلس الانهيار لا سمح الله.