على وقع نتائج
الانتخابات اللبنانية والتي يشعرك البعض بأن الكون بأسره كان بانتظارها، وأن العالم سيقف على قدم واحد لترقب نتائجها التي ستهز أنظمة وتعزز أخرى في الإقليم وسوف تنتشل ليس لبنان بل العالم من ظلمة أزمته الممتدة على مدار المعمورة، كان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش يحذر من مجاعة عالمية حقيقية بفعل الأرقام المخيفة على مستوى الغذاء، حيث الحديث عن تضاعف عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي من 135 مليونا إلى ما يقارب 300 مليون إنسان، علما أن الفاو (منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة) قد قدرت في وقت سابق أن كميات منتجة من الغذاء تصل إلى ١.٣ مليار طن تفقد أو تبدد كل عام، وهذه الكميات تمثل أكثر من أربعة أضعاف الكميات المطلوبة لإطعام 870 مليون شخص جائع في العالم. وقد تم تمويل الدراسة من جانب الحكومة الألمانية.
وفي ظل حجم الضغوطات الهائلة عالميا كانت
الهند تحجب قمحها وهو رغيف الفقراء في ظل الأزمة الأوكرانية- الروسية، وكانت الدول الغربية تسعى لتعزيز عقوباتها على روسيا- البوتينية، بينما بعض دولها على طرفي النقيض؛ الأولى تسعى صاغرة وإن بأساليب ملتوية للدفع بحسب مشيئة موسكو بالروبل لقاء غاز روسيا الذي على ما يبدو عقدة ليس لها حل للأوروبيين. أما طرف النقيض الآخر فيتمثل بالخطوة الفنلندية السويدية المشتركة للانضمام لحلف الناتو، مع كل ما ستحمله الخطوة من حق سيادي لكلا الدولتين وقلق للجانب الروسي في أمنه القومي.
من الانتخابات اللبنانية البداية، حيث لا غالب ولا مغلوب في لعبة الأكثريات الوهمية والفنتزيات من كل الأطراف. إن التبصر بكل العملية الانتخابية يقدر للحكومة الميقاتية ووزير داخليتها وفريقه إجراء الانتخابات بكل هذه التعقيدات، ولكن على الفور يدرك المراقب أننا كنا في لعبة قانون عنوانه الأبرز اطعن أخاك في اللائحة قبل الخصم، قانون هجين أوصل نوابا يمثلون الأمة بفضل حصوله على بضعة وسبعين صوتا؛ مع رسوب من حصلوا على آلاف الأصوات على أصوات قلائل، بقانون نُسج على أنقاض الحياة الوطنية ومعادلة الشراكة الحقيقية.
ولعلنا نقول إننا كنا في حصة رياضيات ومعادلات تعد حسابيا بين الحواصل والأرقام والأصوات واللوائح التائهة والصناديق الفارغة، فينام الأول نائبا ليصحو ويرى أن كل حصيلة أصواته ذهبت هباء منثورا لتسجل في حساب غيره ويفوز بالمقعد الموعود نيابة عنه. فعورات قانون الانتخاب أكبر من حصيلة النتائج التي قد تذهب بالبلاد إلى مقاربات جديدة ليس أقلها الفراغات المحتملة على الطريقة العراقية أو سياسة الشراء والبيع للملفات بالقطعة وحسب الملف ودسامته، أو مشاهد جديدة من حصيلة النواب الجدد بطريقة لم تألفها الحياة السياسية اللبنانية من قبل، والأيام القادمة شواهد.
لكن الملفت ما أن خرجت النتائج حتى استيقظت
الأزمات النائمة من البنزين وأسعاره الطائرة على بساط الريح ومعها كل مشتقات الطاقة من غاز منزلي وديزل المولدات التي تقض مضاجع اللبنانيين، بحيث اقتربت صفيحة المازوت من الحد الأدنى للأجور السابق بانتظار تطبيق الحد الجديد الذي لا يتجاوز ثلاثة صفائح بنزين، وكما تقول الطرفة اللبنانية "عيش يا فقير".
ولبنان إلى روسيا والأزمات الأحفورية العالمية المنعكسة في أيامنا البائسة حيث البعد القاتل الذي يفاقم أزمات العالم ويؤذي دولا عدة، ومنها لبنان برغيف خبزه ووقود عجلاته، بحيث التضخم يأكل كل شيء متصاحبا مع أزمات القمع الهندي وعقوبات روسيا والغرب المتبادلة، لا سيما في القطاعات الأحفورية. وهنا لا بد من الإشارة إلى تحولات دولية على المستوى المالي الاقتصادي، حيث تسارع الكثير من الشركات الأوروبية إلى فتح حسابات لها مع غازبروم للدفع بالروبل، وعلى رأسها شركة إيني الإيطالية العملاقة، علما أن عدة تقارير أكدت أن أعداد الشركات الأوروبية الدافعة بالروبل تزداد يوما بعد يوم، وذلك مع صعوبة إيجاد بديل يسد فجوة الغاز الروسي.
وعليه، هل تشكل طريقة الدفع على الإيقاع الروسي مدخلا لشرارة صدام بين هذه الشركات وبروكسل حيث المفوضية الأوروبية إذ اعتبر المتحدث باسمها إريك مامر أن "فتح حساب بالروبل لدى غازبروم سيكون انتهاكاً لعقوبات الكتلة، وأي شيء يتجاوز التوجيه المقدم للدول الأعضاء، في فتح حساب بالعملة المتوقعة في العقد، والدفع بتلك العملة والإدلاء ببيان يفيد بإتمام الدفع بمجرد توصيل الغاز بتلك العملة، يعد انتهاكاً".
وعلى الوقع ذاته، ومن لبنان إلى الهند التي أعلنت عن وقف صادراتها
القمحية، معللة قرارها بسبب موجات حر قائظ أدت لتقليص الإنتاج، وبالتالي نحن أمام خطوة ستسهم في تعميق الأزمة الغذائية ومعدلات التضخم العالمية، عبر رفع الأسعار العالمية للقمح إلى مستويات قياسية جديدة، ما سيؤثر سلبا على المستهلكين الفقراء في بلدان آسيا وأفريقيا التي تعتمد على القمح بشكل رئيس، لا سيما لبنان الذي يعتمد على ما يفوق ثلثي وارداته من مناطق النزاع.
وبالتالي نحن اليوم أمام فوضى واضطراب في التداولات، نتيجة هذه الخطوة التي تعتبر ضربة لأسواق القمح، والتي تعاني أصلا على وقع الحرب الروسية الأوكرانية. فالهند كونها من أكبر الدول المصدرة للقمح بالعالم، وترتيبها هو الثامن في قائمة تلك الدول من بعد أوكرانيا مباشرة، فإن صادراتها من القمح كان يتم التعويل والاعتماد عليها بشكل واسع للتعويض بعض الشيء عن نقص إمدادات القمح الروسية والأوكرانية بفعل الحرب وتضرر سلاسل التوريد، إلا أن الواقع الجديد سيفاقم أزمة لبنان ودول كثيرة في المنطقة.
مع تقديرنا لقيمة الانتخابات وديمقراطية حصولها في لبنان، إلا أن السؤال الكبير: ما فائدة الانتخابات في ديمقراطيات هشة قد تؤدي إلى صراع المناصب والفراغ القاتل على الطريقة العراقية؟ وما فائدة التغيرات الطفيفة المحلية في واقع اقتصادي مشلول محليا ومأزوم عالميا من أوكرانيا وروسيا وصولا إلى بلاد الهند؟
mmoussa@mees.com