كتاب عربي 21

"ما خفي أعظم": قمّة المهدي المنتظر والمسيح الدجال

1300x600
لا أعرف لبرنامج "ما خفي أعظم" مثيلاً في الفضائيات العربية، ذكّرنا بسلفه "سري للغاية" الذي كان استعراضياً وترفيهياً وسياحياً أيضاً، يقدمه يسري فودة على طريقة جيمس بوند في فيلم "لا وقت للعزاء". يقارب "ما خفي أعظم" ملفات ساخنة، وتحرص الجزيرة على عرض البرنامج وتلخيصه وتحليله في نشرات الأخبار، وكأنه حدث سياسي، حتى لا يهمل في زمن تقتل فيه الأخبارُ الأخبارَ دهسا تحت الأقدام، وقد مرّت حلقات منه شديدة الأهمية بغير أثر سياسي في هذا "المولد" الكبير، حيث كل أحد "سيدي العريان".

أغلب الظنّ أن حلقة أمس عن معركة سيف القدس، قد جرت بدعوة من حماس، لا باجتهاد من محرر البرنامج المجتهد تامر المسحال، أو ربما وقعت برغبة منهما معاً، وقع حافر على حافر، لتحذير إسرائيل من مغبة اقتحام المسجد الأقصى بمسيرة الأعلام. ويبدو أن إسرائيل ماضية في خطة احتلال المسجد الأقصى وبناء الهيكل، وتحقيق النبوءة التوراتية التي تنتظرها واشنطن أيضاً، وتعمل على تدبير مواعيد نبوءات دينية إسلامية سنية مسيحية شيعية تحت قبة الصخرة. ساعة التاريخ ترن في أذن المستقبل.

يغضب كثير من المفكرين العرب "التقدميين" من خلط السياسة بالدين، لكن حيثما تجد السياسة يكون الدين إما خافيا أو ظاهرا، خاصة في الحروب. لنذكر تصريحا للرئيس الأمريكي عن عقيدة المهدي الذي يوصف بالمنتظر في العقيدة الشيعية قبل أيام، أخبرنا أنه وظف بروفيسورا يشرح له عقيدة المهدي "المنتظر" التي خلبت لبه كل أربعاء، على الغداء. ويبدو أنه يريد أن يفرش للمهدي السجادة الحمراء في إحدى العاصمتين الدينيتين؛ القدس أو مكة. وينظم لقاء قمة بين الاثنين؛ المهدي المنتظر والمسيح المخلص، والوليمة هي دماء أهل السنّة الشهية.

لم تنتصر ثورة في دولة إلا بمعونة من دولة ثانية، وقد وجدت أمريكا أن إسناد دور البطولة إلى وصيفتها اللدود إيران أكثر نفعاً لها من إسرائيل التي شاخت وبال الدهر على دمنتها، وأرهصت بزوالها نبوءات وتحليلات اجتماعية وعمرانية، إحداها من هنري كيسنجر، أهم صنّاع الاستراتيجيات الأمريكية في نصف قرن. شاعت مقالة رئيس الوزراء السابق ايهودا باراك، والتي وجد فيها أن إسرائيل لم تعمر خلال تاريخها أكثر من ثمانين سنة، وسميت بلعنة العقد الثامن.

وكانت أمريكا ومعها فرنسا التي ساهمت في تتويج الخميني قائداً للثورة "الإسلامية" الإيرانية، قد انتبهت لشيخوخة نظام الشاه شرطي الخليج، ففتحت لإيران "الإسلامية" الباب لاحتلال العراق ولبنان واليمن وسوريا، وقد حان دور فلسطين. يجدر بالذكر أنّ روسيا توشك على الانسحاب من الحدود السورية وتوكل أمر المواقع المخلاة للكتائب الإيرانية التي يتخوف منها الملك الأردني على ملكه، فحشد جيشه على الحدود خوفاً من غزو إيراني سافر أو مقنّع بالسياحة المقدسة لأضرحة آل البيت في مؤتة.

تقايض حماس السنيّة إيران الشيعية؛ الشرعية الدينية بالمال والمشورة العسكرية، إيران لا تريد من منشد المقاومة سوى التحيّة والخطبة لها كما في الأعراس. نُسب إلى خالد مشعل قوله إن حماس اشترطت على إيران عدم تدخلها في شؤون حماس الداخلية. أهم شؤون إيران هي رعاية الأضرحة وتقديسها وحمايتها وتقديم القرابين لها، وغزة هي غزة هاشم، وهاشم هو من أجداد الحسين رضي الله عنه. يعتبر كثيرون أن مديح حماس لإيران اعتداء على أخواتها السنيّات العربيات، أو مباركة له، أو سكوت عليه. المبررون يقولون: هو أكل لحم ميتة اضطرارا.

يشعر السنّة بالمرارة من تمجيد حماس لإيران التي احتلت أربع عواصم عربية، وشردت أربعة شعوب عربية، وأن يصير لحم الميتة طعاما أساسيا، لكن حماس -وهي محاصرة في شعب أبي طالب- تظنُّ أنها تتخذ الضرغام الفارسي بازاً لصيدها.

نجحت إيران في تشييع "الجهاد الإسلامي" سياسياً، وتسير حماس على طريق الجهاد الإسلامي، والطرفان (إيران وحماس) يتجنبان ذكر الفروق العقائدية ويغفلانها، ليس مثل محمد مرسي الذي ذهب إلى إيران وترضّى على الخلفاء الراشدين واحداً واحداً حتى خشينا أن يترضى على أصحاب بيعة الرضوان وأهل بدر، لكن الإيرانيين قاموا بترجمة خطابه أحسن ترجمة، فصارت سوريا البحرين.

حماس محاصرة من إخوتها العرب، وليس لها نصير سوى إيران الشيعية، وتلبس قفازاً سميكاً يقي معصمها من براثن البازي.

سبب هذه المقدمة أن اسمي حليفي حماس، حزب الله والحرس الثوري، ظهرا في الفيلم الوثائقي "قلب المعادلة": ورد اسم كتائب القسام في الشارة أولاً، يليه اسم حزب الله، ثم الحرس الثوري من الأعلى إلى الأسفل.

إيران تقدم دعماً مادياً وعسكرياً لحماس سعياً منها لاحتلال القدس، فالعواصم العربية مغلقة أمام حماس، سوى عاصمة عربية وحيدة تقدم لها منصة إعلامية، بموافقة أمريكية مضمرة. إيران في فضائياتها تستعمل توقيت القدس لا توقيت مكة، قِبلتها هي النجف وكربلاء لكن لا بأس بالقدس من أجل احتلال مكة، وفيها أضرحة عمار بن ياسر وحمزة بن عبد المطلب والعباس جد الحسين. فيها أيضا قبر أبي لهب.

يتميز السنة غضباً من تحول حماس إلى "بوق إيراني"، وأن الأمر زاد عن حده، بل ذهب كثيرون عند المقارنة بين العدوين الإسرائيلي والإيراني، وأن الذئب أرحم من الإخوة، لكن حماس محاصرة أمام عدو يتجهمها وقريب يتملك أمرها، وهي تظنُّ أنها تستطيع المشي على حد السكين، متسلحة بيقظة شعبها. نذكّر أن علامة الخلافة قديما كانت الخطبة على المنبر باسم الخليفة.

تدرك أمريكا التي تضع بيضها في سلال كثيرة أن إيران مفيدة أكثر من إسرائيل.. إسرائيل تعيش في غيتو بين الأسوار، بينما تتقدم إيران على الجهات العربية فاتحة العاصمة تلو الأخرى بالأضرحة والقبور.

نذكر أن إيران احتلت خمس عواصم عربية بالقبور بغير مساعدة حربية من أمريكا أو مالية، وتقوم بتشييع الشعوب العربية، وستملأ الفراغ الذي قد تخليه روسيا أو إسرائيل.. الأردن والسعودية والكويت هي فرائسها التالية.

يشيع لدى العرب شعار هو مركزية القضية الفلسطينية، وإنَّ العرب في سبيل القضية المركزية خسروا عواصم أهم من القدس، أو مثلها هي؛ دمشق والقاهرة وصنعاء وبيروت.

سيقضي المهدي المنتظر على السنّة قبل أن تكتحل عيونهم برؤية عين الأعور الدجال الكحيلة. عندما يصل الدجال إلى القدس لن يحتاج إلى عينين، تكفيه عين واحدة.

twitter.com/OmarImaromar