آراء ثقافية

"ضد الابتزاز المزدوج: اللاجئون والإرهاب ومشاكل أُخرى"

الابتزاز_

في كانون ثاني/ يناير الماضي، صدر عن دار المرايا للإنتاج الثقافي/القاهرة، كتاب "ضد الابتزاز المزدوج: اللاجئون والإرهاب ومشاكل أُخرى" للفيلسوف والناقد الثقافي السلوفيني سلافوي جيجك. نُقل الكتاب إلى العربية بواسطة الكاتب والمُترجم المصري مينا ناجي. 

الكتاب هو مجموعة من المقالات المتنوعة (14 مقال). تناول فيهم جيجك موضوعات وقضايا وإشكاليات مُختلفة ومُتعددة، كذلك جُلّها مُتداخلة ومُترابطة، مثل: إشكالية اللاجئين في أوروبا، قضايا العنف و"الإرهاب"، حروب الممارسات والسلوكيات الثقافية، الصراعات الطبقية. في ما هو قادم نحاول عرض وقراءة موجزة لما حاول جيجك أن يتناوله. 

ضد الابتزاز

يتناول جيجك في بعضٍ من المقالات ضمن الكتاب، إشكالية تعامل القوى الغربية مع قضايا اللاجئين والعنف. قضيّتان مَطروحتان مؤخرا وبشدّة على الساحة الثقافية والسياسية، أطراف عدة كانت لاعبةً فيها. في مصر على سبيل المثال، وبعد تولي الحكم الرئيس عبد الفتاح السيسي (مايو 2014) وبفضل الإجراءات الأمنية المُشددة التي فرضها على الحدود البرّية والساحليّة. توقفت بشكلٍ كبير أعداد هائلة كانت تُهاجر بطريقة غير شرعية إلى دول الجوار ومن ثمَّ أوروبا أو مباشرةً عن الطريق البحر إلى أوروبا. الصفقة التي عقدها نظام السيسي مع الاتحاد الأوروبي وإن كانت غير مُعلنة (لكن دائما ما تأتي في شكل تصريحات من الطرفين)، وهي أن الاتحاد الأوروبي يتغاضى عن ملف حقوق الإنسان في الداخل المصري، مقابل تأمين نظام السيسي لها عدم تدفّق اللاجئين. 

نرى أيضا ذلك، بين الاتحاد الأوروبي من جهة ومن تركيا على الجهة الأخرى، حيث في السنوات الأخيرة، استوعب الأخيرة ملايين من اللاجئين، بل وشكّل صعود التنظيمات الإسلامية الراديكالية خطرا كبيرا على أوروبا، بسبب الشكّ والريبة حول المُهاجرين، إن كانوا سينّوون القيام بأعمال مُسلحة في أوروبا أو هُم على صلة بتنظيمات مُسلّحة. في عام 2015 أخذت تركيا من الاتحاد الأوروبي 3 مليارات دولار، مُقابل منع اللاجئين من الهجرة. ومن هنا ولأسباب أُخرى، ينتقد جيجك تعامل الأنظمة السياسة مع بعضها بورقة الابتزاز (الاقتصاد السياسي للاجئين) بدلا من السعي الحقيقي لاستيعابهم من الحرب والقمع اللّذين حلّ ببلدانهم. 

يٌشير جيجك أيضا في مقالته "من الحرب الثقافية إلى الصراع الطبقي" حيال إشكالية الصراع الطبقي الذي يتعرّض أو يشغل بال اللاجئين. اللاجئون الذين تركوا بلادهم المُدمّرة، لكن في ترحالهم المُستمر من بلدٍ إلى بلد، يبحثون عن البلد الأكثر أمانا اقتصاديا، البلد التي ستوفّر لهم الحق في العيش والتعليم والعمل شرط الكرامة، لا البلد التي ستؤويهم في خيامٍ وتُعاملهم على أنّهم أعراق جاءت من صحراء وقبائل مُتخلّفة وإرهابية. هذا أيضا، نوع آخر من الحرب، بجانب الحرب الثقافية التي يتعرّض من خلالها اللاجئون إلى شتّى أنواع العنصرية بسبب (الاسم، العرق، الدين)، وخصوصا بعد صعود شعبويّات يمينيّة مُتطرفة تنادي بترحيل اللاجئين، الذين يُغيّرون هُوية البلد من حيث (الديموغرافية واللغة). 

ما العمل؟

في مقالته "ما العمل" يحاول جيجك مستندا على بعض اقتراحات فلاسفة ومفكرين آخرين طرح حلول لهذه الإشكاليات. بالنسبة للمساعدات الإنسانية التي تقدّمها الأنظمة للاجئين، فيكون الحل بإعادة تنظيمها وهيكلتها أكثر، بما يناسب ويُفيد بشكلٍ مباشر اللاجئين، كذلك القوانين التي تُصعّب حياة اللاجئين أو بمعنى أصح توقّفها يجب مناقشتها وطرح بدائل لها. مثل قوانين السفر والانتقال، كذلك التعليم والعمل. بمعنى أن يأخذ الإنسان اللاجئ قدر من الاهتمام والمرونة كما تأخذها السلع والبضائع التجارية في هذا النظام الرأسمالي المُعولم.

 يُضاف إلى ذلك القوانين والتشريعات التي تخص الهُويات والثقافات المُتبانية والرافضة لبعضها البعض. بين ثقافة الدولة الحاضنة وثقافة اللاجئين أنفسهم. قوانين تفصيلية وعقوبات سريعة، لكلٍ من يتعدى على ثقافة وحرية اختيار الآخر. في لباسه ولغته وسلوك وشكل ممارساته الحياتيّة. وهذه إشكالية هامّة واجهتها المُجتمعات الغربية مؤخرا (لاسيما فرنسا)، إثر عدم الاحترام، أُنتجت بواسطتها الكثير من الممارسات والجرائم بين الاجتماعات المُتباينة. هذا أيضا ليس حصرا على أوروبا فقط، بل يذكر جيجكمرويات حول العالم، كما في جنوب إفريقيا، إذ يتعرّض هناك أكثر من مليون لاجئ من زيمبابوي إلى عنّفٍ جسدي ولفظي من الطبقات الأكثر فقرا من جنوب إفريقيا، بحجّة أنّهم سرقوا وظائفهم. حدث هذا الأمر بين العرب وبعضهم، في وقائع في المشهد اللبناني، حيث تصدّر تيار لبنانيّ أكثر يمينية وتطرفا حملة تطالب بطرد السوريين من أعمالهم ومن البلاد. 

وفي آخر مقالٍ كما يُعدُّ ملحقا للكتاب "من يخاف من الشرق الأوسط" يَتناقش الكاتب والمُترجم، بشأن الشرق الأوسط وما حدث فيه آخر عدة سنوات من تطورات، وثورات الربيع العربي ومآلاتها وإلى أين انتهى بها الوضع في اللحظة الراهنة، وغير ذلك من إشكاليات قد تّعرضت لها ثورات وتنظيمات ما بعد الربيع العربي، في ظل أنظمة قمعية قاومت الثورات أو استردّت سُلطويّتها بشكل جديد. جدير بالذكر أيضا، أن جيجك في غالبية تَطرقاته حول إشكاليات العنف، الذي ذكر مرويّات كثيرة حول العالم، يرجع بالمقارنة إلى العنف الذي يستخدمه الكيان الصهيوني ضد شعب فلسطين، وممارساته المتنوعة بحق أصحاب الأرض، سواء ممارسات قانونية تستند إلى الفصل العنصري (الأبارتهايد) أو ممارسات عنّفية مباشرة على الجسد، مثل السجن والقتل المُباشر.