نشرت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية مقالا، تحدثت فيه عن السياسة الانتقائية للولايات المتحدة في محاربة الفساد في لبنان.
وأوضحت أن واشنطن تستخدم سلاح العقوبات ضد الخصوم السياسيين في لبنان، في مقابل التغاضي عن تجاوزات شخصيات مقربة منها، على غرار محافظ البنك المركزي رياض سلامة، وهو ما أدى لتمادي النخب المالية والسياسة في نهب المال العام، وفق قولها.
وقالت المجلة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الاقتصاد اللبناني يشهد منذ عامين ونصف، حالة سقوط حر، مع انهيار المؤشرات كافة، المتعلقة بقيمة الليرة، وحجم الناتج المحلي الإجمالي ونسب الفقر.
ومن الأسباب التي عجلت في هذا الانهيار، ما يسميه أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة منظومة شبيهة "بمخطط بونزي" الاحتيالي، إذ إنه على مدى سنوات، استخدم البنك المركزي اللبناني ودائع البنوك العادية من أجل تمويل حكومات لبنانية فاسدة.
اقرأ أيضا: ميقاتي يكشف حقيقة "إفلاس لبنان" ويتهم أطرافا ببث الذعر
وأضافت المجلة أن المستفيدين من هذه المنظومة حققوا أرباحا هائلة، إلى أن انهار كل شيء في 2019، بعد أن حققت النخب اللبنانية الثراء، وغرق ملايين اللبنانيين في الفقر، بسبب هذا النظام الاقتصادي الذي يعتبر فاسدا، حتى وإن كان سليما من الناحية القانونية.
وأكدت المجلة أن السبب الأصلي لهذه الأزمة هو الجشع والفساد، ولكنها تفاقمت بسبب رفض المسؤولين في البلاد تغيير أساليب الحوكمة، أو تحمل جزء من المسؤولية.
واليوم يقف هؤلاء المسؤولون السياسيون والماليون حائلا أمام تنفيذ أي إصلاحات، ترضي المانحين الدوليين وتفتح الباب أمام المفاوضات على حزمة إنقاذ. إذ إن هذه النخب استفادت من المنظومة القائمة، وستخسر امتيازاتها في حال التوصل إلى اتفاق للإصلاح المالي، وفق المجلة ذاتها.
وترى أن الحالة في لبنان تمثل تحديا حقيقيا لإدارة بايدن، التي رفعت شعار مكافحة الفساد كأولوية بالنسبة لها. والمشكل هو أن غالبية المسؤولين في لبنان لا يعيرون أهمية لخطاب الولايات المتحدة، لأنهم يذكرون جيدا أنها كانت دائما متسامحة مع فساد شركائها، وكانت تستخدم إجراءات مكافحة الفساد كسلاح ضد خصومها.
وتقول المجلة إن إدارة بايدن تعاني من فقدان المصداقية عندما يتعلق الأمر بمعضلة الفساد في لبنان، باعتبار أنها كانت دائما تغض الطرف على مخططات الفساد التي تسببت في حالة الإفلاس الحالية، والتي تورط فيها شركاء لها.
وأكدت أن مقاربة إدارة بايدن تجاه لبنان، والتي يفترض أن تسير فيها مكافحة الفساد جنبا لجنب مع منع انهيار الدولة، تمثل اختبارا حاسما لجدية التزام هذه الإدارة بشعار مكافحة الفساد في العالم.
وأوضحت أن لبنان بلد تحكمه الانقسامات الطائفية، وتوزع فيه المناصب بين 18 طائفة تتمتع كل منها بزعامتها السياسية ومعاقلها الإقطاعية. وهذا التقسيم للمناصب بين السنة والشيعة والمسيحيين يسهل وقوع مؤسسات الدولة فريسة لدى النخب، ويسمح لها باستغلال الموارد العامة لمصالحها الذاتية، وإحكام قبضتها على كل شيء في دوائرها الانتخابية.
وشددت على أن الفساد في لبنان ليس مجرد مسألة فشل سياسي وفساد في المقاولات العامة. إذ إن اقتصادها اعتمد على مدى عقود من الزمن على ضخ الاستثمارات الأجنبية. وعندما تباطأت وتيرة هذه الاستثمارات بسبب الصراع في سوريا والأوضاع في العالم، اتجه البنك المركزي منذ 2016 إلى ما سماه "الهندسة المالية"، من أجل سد العجز الحكومي وتثبيت قيمة الليرة بشكل غير مستدام.
وأوضحت المجلة أيضا، أن البنك المركزي كان يدفع للبنوك التجارية نسب فائدة مرتفعة في مقابل ودائعها بالدولار، وهذه البنوك كانت بدورها تقدم نسب فائدة من أجل جذب المودعين. وهكذا فإن كل المتدخلين في هذه المنظومة حققوا أرباحا كبيرة، في وقت كان فيه القطاع المالي يمر بمخاطرة كبيرة.
ورأت أن مخطط الهندسة المالية لم يكن فقط مجرد مخاطرة لدفع عجلة الاقتصاد والعملة، بل إنه يمثل نسخة جديدة من الوفاق القائم بين الحكومة والنخب المالية، من أجل تسخير الموارد العامة لصالح القطاع البنكي.
اقرأ أيضا: لبنانيون يتفاعلون مع إعلان إفلاس بلادهم.. ماذا قالوا؟
إذن؛ فعالم السياسة في لبنان متداخل بشكل كبير مع عالم المال. ومن أبرز الشخصيات في هذا الصدد هنالك سعد الحريري الذي تولى رئاسة الوزراء بين 2009 و2011 ثم بين 2016 و2020، والذي يعد مساهما رئيسا في أحد أكبر بنوك لبنان. ورغم أن استفادة أمثاله من المسؤولين من سياسات البنك المركزي تظل قانونية، فإنها بالتأكيد تمثل وجها من أوجه الفساد، وفق قولها.
وترى المجلة أن كل الخطوات التي قامت بها الولايات المتحدة مؤخرا لإظهار جديتها في مكافحة الفساد تبقى غير مقنعة، بالنظر إلى العلاقة الوثيقة بينها وبين البعض من كبار المسؤولين عن الأزمة الحالية في لبنان.
رياض سلامة
ومن أبرز هؤلاء محافظ البنك المركزي رياض سلامة، الذي عمل مع واشنطن لمكافحة تمويل حزب الله. ويواجه سلامة اليوم اتهامات جدية باستغلال المنصب والإثراء غير المشروع، إلا أن كثيرين في لبنان يعتبرونه شخصا لا يمكن المساس به، وذلك على خلفية علاقته مع الولايات المتحدة، خاصة أن السفيرة الأمريكية في بيروت دوروثي شيا كانت في مقابلة تلفزيونية في 2020 قد أشادت به، وأكدت أنها عملت معه بشكل وثيق على مدى سنوات، وأنه يحظى بثقة المجتمع المالي الدولي.
وعدّتها إشارات تأتي في وقت تؤكد فيه مصادر عدة، أن رياض سلامة في تحالف مع لوبي البنوك وأعضاء في البرلمان، عارضوا خطة للحكومة للتعافي المالي، كانت ستمثل الأساس للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وستحرم النخب المالية من امتيازاتها.
ويبدو أن سلامة وحلفاءه فازوا في هذا الصراع، حيث إن المحادثات مع صندوق النقد الدولي انهارت، والأزمة الاقتصادية اللبنانية متواصلة منذ أكثر من سنتين، وفق قولها.
ورأت المجلة أن المشكلة الأساسية ليست فقط في تغاضي واشنطن عن الفساد في الماضي، بل أيضا في سماحها بتسييس جهود مكافحة الفساد، بشكل قوض مصداقيتها.. حيث إن إدارة ترامب أيضا كانت قد استخدمت العقوبات كسلاح ضد شخصيات مثل جبران باسيل، فقط لأنه حليف لحزب الله.
وبالتالي، فإنه إذا كانت إدارة بايدن ترغب في أن يأخذ قادة لبنان خطابها على محمل الجد، فيجب عليها إصلاح ما لحق من ضرر بسمعة الولايات المتحدة، وإيقاف التسامح مع فساد النخب الصديقة لها، وتبديد الانطباع بأن إجراءات مكافحة الفساد والعقوبات ليست إلا أداة لتحجيم نفوذ حزب الله في لبنان، على حد قولها.
ولم يرد في تقرير المجلة تعليق من رياض سلامة.
الغارديان: بريطانيا تفتح المخابئ لتخزين أسلحة نووية أمريكية
WSJ: هجرة مئات آلاف "العقول" من روسيا منذ بدء حرب أوكرانيا
مركز روسي: العقوبات الأمريكية على روسيا تضر بأوروبا