توقف إنتاج النفط في حقول رئيسية في ليبيا، بعد إعلان المؤسسة الوطنية للنفط حالة القوة القاهرة عليها، الأمر الذي ينذر بخسائر فادحة، وسط اتهامات لأطراف متنفذة بممارسة ضغط وابتزاز عبر هذا القطاع الحيوي في البلاد، لتحقيق مكاسب سياسية.
وتأتي هذه التطورات بعد أيام قليلة من تعليق مندوبي اللواء المتقاعد خليفة حفتر، أعمالهم في اللجنة العسكرية "5+5"، للمطالبة برحيل حكومة عبد الحميد دبيبة، وتمكين الحكومة الموازية برئاسة فتحي باشاغا، داعين في بيان لهم إلى وقف إنتاج النفط، في محاولة لاستخدام هذا القطاع كورقة ضغط وابتزاز. وفق محللين.
وأعلنت مجموعات قبلية بليبيا، الأحد، وقف إنتاج النفط وتصديره من الحقول الموجودة بمناطقها الواقعة جنوب، وجنوب شرقي البلاد.
وفي بيانات منفصلة قالت مجموعات قبلية من داخل حقل "الشرارة" النفطي، وحقل "النافورة" جنوبي البلاد، إنهم قرروا وقف الإنتاج حتى تتم الاستجابة لمطالبهم، أبرزها "خروج حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة من المشهد وتسليمها السلطة للحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا".
وطالبت البيانات "بضمان التوزيع العادل للموارد النفطية بشكل متساو بين المناطق الليبية كافة ودعم الجهات المختصة للوصول إلى الانتخابات المقبلة بعيدًا عن طمع حكومة الدبيبة"، حسب قولهم.
ويأتي هذا التطور عقب ساعات من خطوة مماثلة صدرت مساء السبت عن أعيان منطقة الزويتينة (وسط) وأعيان الجنوب، أعلنوا فيها "إيقاف إنتاج وتصدير النفط من الحقول والموانئ بمناطقهم لحين تسليم حكومة الوحدة برئاسة الدبيبة السلطة لحكومة باشاغا".
والأحد أيضا أعلنت مؤسسة النفط الليبية، "حالة القوة القاهرة" بحقل الفيل النفطي (جنوب) بسبب توقف الإنتاج الناجم عن إعلان قفل النفط بالحقل، السبت.
و"الفيل" أكبر حقل نفطي في حوض مرزق جنوب غربي ليبيا بقدرة إنتاجية 125 ألف برميل يوميًا بينما تحوي منطقة الزويتينة حقولا نفطية إضافة لأكبر وأهم موانئ التصدير في البلاد وهو ميناء "الزويتينة" النفطي.
اقرأ أيضا: ليبيا تعلن "القوة القاهرة" بميناء الزويتينة وحقل الشرارة
و"الشرارة" هو أكبر الحقول النفطية ويقع في صحراء مرزق، جنوب غرب طرابلس، وينتج 300 ألف برميل يوميًا ويمثل إنتاجه أكثر من ربع الإنتاج الليبي من الخام البالغ حاليا مليوناً و200 ألف برميل، بحسب تصريحات رسمية.
أما حقل "النافورة" يقع بين مدينتي "جالو" و "اجخره" (جنوب شرق) ويضخ ما يقارب 60 ألف برميل يوميًا من الخام، بينما تحوي تلك المنطقة حقولًا أخرى بينها حقل "الآمال" الذي ينتج حاليا 10 آلاف برميل يوميًا.
والأحد كانت وزارة النفط بحكومة الوحدة الوطنية، قد دعت جميع الليبيين لـ"إعلاء المصلحة الوطنية وعدم الاستجابة لأي طرف سياسي للزج بقطاع النفط في أتون المعركة السياسية لتحقيق مكاسب".
وقالت الوزارة في بيان إنه "سينجم عن تلك الإقفالات خفض الإنتاج قسرا ما يمنع الحصول على عوائد مجزية منتظرة عن بيع النفط والغاز مستفيدين من الارتفاع الحاصل في الأسعار العالمية".
وتابعت: "ذلك يشكل تفويت فرص ربحية وإضاعة دعم الخزينة العامة والاحتياطي النقدي بالعملة الصعبة"، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن الإقفال سيكون له "أضرار بموقع المؤسسة الوطنية للنفط في الأسواق العالمية نتيجة لعدم تمكنها من تنفيذ التزاماتها، وكذلك الإضرار بالمكامن والبنية التحتية والتسهيلات السطحية للمنشآت النفطية التي هي في حالة حرجة وتعاني من مشاكل فنية عدة وبحاجة إلى أعمال للصيانة".
عواقب وخيمة
وبينما يعتقد الكاتب والمحلل السياسي، عبد الله الكبير أن الجهات التي أوقفت إنتاج وتصدير النفط، تتبع قوات حفتر والأطراف المسيطرة على البرلمان الليبي، بالنظر إلى البيانات الصادرة عنها، وفقا لما صرح به لـ"عربي21"؛ حذر المحلل السياسي، محمد شوبار من أن غلق الحقول النفطية له انعكاسات وخيمة على الاقتصاد الليبي، باعتبار أن النفط والغاز هما مصدر الدخل الوحيد للبلاد.
وشدد شوبار في حديث خاص لـ"عربي21" على أن الأمم المتحدة "لن تقف مكتوفة الأيدي أمام مثل هذه الأعمال غير المسؤولة من حفتر ومجموعة الضباط الخمسة التابعين له الذين ينفذون أجندة روسية بغية إحداث أزمة اقتصادية في أسعار النفط"، مشيرا إلى أن المجتمع الدولي متفطن لكل هذه الأعمال الشريرة التي لا طائل من ورائها إلا فرض المزيد من العقوبات على روسيا وكل من يتحالف معها وذلك أصبح واضحا للعيان.
اقرأ أيضا: لماذا فشل باشاغا في دخول العاصمة الليبية انطلاقا من تونس؟
وقال شوبار وهو متحدث باسم "مبادرة القوى الوطنية الليبية"، إن المبادرة كانت تتمنى أن يعمل المسؤولون الليبيون على صيانة وتطوير البنية التحتية للحقول والموانئ النفطية بهدف زيادة إنتاج النفط والغاز في ظل ارتفاع أسعارها، وهذا كان سيساهم في رفع المعاناة عن المواطن الليبي من ضنك معيشي وسوء في تقديم الخدمات، معتبرا أن غياب التطوير يعد "دليلا قاطعا على فشل كل المؤسسات في إدارة الدولة".
أهداف عكسية
المحلل السياسي، فرج فركاش قال إن وقف إنتاج النفط "يبدو أنها محاولة ضغط من بعض أطراف صفقة التمديد وتقاسم السلطة وبإيعاز منها". مشددا في حديث متلفز تابعته "عربي21" على أن هذا العمل يأتي بأهداف عكسية في مرمى الحكومة الموازية (حكومة باشاغا) ولا يخدم أهدافها ولا شعبيتها، ولا يخدم أطراف صفقة التمديد وتقاسم السلطة.
وفي إشارة إلى توجيه تقوم به أطراف بعينها لوقف إنتاج النفط، قال فركاش، إن البيانات المنفصلة التي صدرت من الجهات التي أوقفت تصدير النفط، هي بيانات ذات صيغة واحدة وعممت كخطبة جمعة، وهي في الواقع تعبر عن حالة من اليأس وعن حالة من الإفلاس في محاولات تمكين الحكومة الموازية من تسلم مقاليد الحكم في طرابلس.
وشدد المحلل السياسي على أن هناك "تشققا على ما يبدو في حلف أطراف الصفقة، حيث رفض باشاغا في بيانه الأخير منذ أيام استخدام النفط كورقة سياسية، بينما أطراف أخرى متحالف معها تسعى لذلك".
ورأى أن النقطة الهامة التي يغفلها أو تغافل عنها من يقف وراء تعطيل إنتاج النفط أن هناك شريكا دوليا في معادلة النفط في ليبيا، قائلا: "سنرى قريبا بيانات دولية تطالب بإبعاد النفط عن المعترك السياسي أو استخدامه كورقة ضغط أو ابتزاز".
وتشهد ليبيا حالة انقسام سياسي وسط مخاوف من الانزلاق لحرب أهلية على خلفية تنصيب مجلس النواب في طبرق، فتحي باشاغا رئيسا للحكومة الجديدة بدلا من حكومة يرأسها الدبيبة والذي يرفض تسليم السلطة إلا إلى حكومة تأتي عن طريق برلمان جديد منتخب.
"السفينة اللغز" بتونس.. هل تورطت بتهريب النفط الليبي؟
لماذا فشل باشاغا في دخول العاصمة الليبية انطلاقا من تونس؟
ما مصير اللجنة العسكرية الليبية عقب تعليق حفتر عمل ممثليه؟