تشهد القاهرة جولة جديدة من المفاوضات بين وفدي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، ويبدو أنها ستكون جولة صعبة، أولا من جهة أنها تقع في جمهورية مصر، الضالعة في الأزمة الليبية بقوة منذ العام 2014م، وهو التحفظ أو القلق الذي عبر عنه بعض المختارين لعضوية وفد المجلس الأعلى للدولة.
ثانيا من ناحية اختلاف زوايا النظر لهذه الجولة، فأعضاء البرلمان يرون أنها ضمن خطوات تنفيذ خارطة الطريق التي اعتمدها البرلمان في شهر فبراير الماضي وتنفيذا لما قرره التعديل الدستوري الثاني عشر، بينما يرى الأعلى للدولة أنهم جاءوا أخذا بمبادرة مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفاني ويليامز، والتي اقترحت تشكيل لجنة تضم ستة أعضاء من كل جسم من الجسمين المتنازعين حول مسار تسوية النزاع الراهن.
من ناحية أخرى، وبحسب مداولات اليوم الأول والثاني، فإن الباب فتح لطرح أفكار خارج الصندوق، وهو ما يعني البحث في قضايا عديدة تتعلق بالدستور والحكومة والمناصب السيادية وخطة الاستقرار الأمني وملف الإصلاحات الإقتصادية، وهو ما كشف عنه المقترح المطروح على المجتمعين في القاهرة، والذي تم تسريبه وتداوله على نطاق ضيق.
لم يأت وفد البرلمان بجديد يتعلق بمعالجة النزاع القائم، وكما سبقت الإشارة، فإن موقفهم قائم على أن الاجتماع ياتي في سياق تفعيل مسار تنفيذ التعديل الدستور الثاني عشر.
مقاربة البرلمان، أو رئاسته والفاعلين فيه، تقوم على نهج المغالبة والدفع باتجاه الإمساك بأهم أوراق اللعب والتحكم في مفاصل الدولة، أي القرار السياسي والمالي والأمني، ويمثل نقل النزاع إلى الجبهة الغربية تحديا كبيرا لن يكلفهم شيئا بل سيحقق لهم ما لم تحققه الحروب، وسيعتمد تحقيق التوازن وفرض توافق عادل ومتماسك على مدى تجانس الجبهة الغربية واتفاق مكوناتها على موقف موحد.
بالمقابل، فإن وفد الأعلى للدولة عرض على وفد مجلس النواب مقاربة تتضمن أربع نقاط أهمها تأجيل البث في مسودة الدستورة التي أعدتها الهيئة المنتخبة إلى البرلمان القادم، على أن يتوافق المجلسان على قاعدة دستورية تستأنس بمسودة الدستور وذلك في أجل لا يتعدى 45 يوما، لتكون القاعدة دستور البلاد لدورة انتخابية واحدة، وخلال 20 يوما من التوافق على القاعدة الدستورية يتوافق المجلسان على قوانين الانتخابات ثم تسليمها إلى المفوضية العليا للانتخابات بعد إعادة تشكيل مجلس إدارتها لأجل إجراء الانتخابات في أجل لا يتعدى الـ180 يوما، على أن تقوم الحكومة بالتثبت من السجل المدني والأرقام الوطنية ومراجعة سجل الناخبين وفقا للبيانات المدققة.
وبالنظر إلى الهوة بين الوفدين والتي ترسمها مواقفهما المتباعدة، فإنه من غير المتوقع أن يلقى مقترح الأعلى للدولة قبولا من نظيره، إلا أن أحد أعضاء وفد البرلمان أطلع وفد الأعلى للدولة على أنه يمكن النظر في المقترح وجعله محور التفاوض في الاجتماع وحتى تمرير أهم مضامينه في مقابل إعلان الأعلى للدولة القبول بالحكومة المكلفة من قبل البرلمان.
لا يمكن فصل التجاذب السياسي في القاهرة عن التدافع على الأرض في العاصمة طرابلس ومحيطها بين أنصار الحكومة الليبية بقيادة باشاغا وحكومة الوحدة الوطنية برئاسة ادبيبة، ولأن الضغوط التي يمارسها باشاغا وأنصاره في ازدياد ونجح في تحييد واستقطاب بعض الأطراف التي كانت تعارضه، وإصراره على الدخول للعاصمة في أقرب الآجال، فمن غير المستبعد أن يكون حضور وفد البرلمان للقاهرة لمجرد كسب الوقت وانتظار الأجل المحدد لاتفاق جنيف والذي ينتهي في منتصف شهر يونيو المقبل، أي بعد شهرين، للقول بأن حكومة الوحدة الوطنية التي رفضت الانصياع إلى قرار مجلس النواب بعزلها هي منتهية الولاية بناء على خارطة الطريق التي أقرها ملتقى الحوار السياسي.
في ظل الوضع شديد التأزيم أؤكد على ما سبق تضمينه في مقالات سابقة من أن مقاربة البرلمان، أو رئاسته والفاعلين فيه، تقوم على نهج المغالبة والدفع باتجاه الإمساك بأهم أوراق اللعب والتحكم في مفاصل الدولة، أي القرار السياسي والمالي والأمني، ويمثل نقل النزاع إلى الجبهة الغربية تحديا كبيرا لن يكلفهم شيئا بل سيحقق لهم ما لم تحققه الحروب، وسيعتمد تحقيق التوازن وفرض توافق عادل ومتماسك على مدى تجانس الجبهة الغربية واتفاق مكوناتها على موقف موحد.
البرهان مع القفف في مستودع الخزف
جنرالات السودان وجاهلية القرن الـ21