قضايا وآراء

هل يبحث الغرب عن عدو جديد؟

1300x600

منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي بدأ الغرب في إيجاد عدو بديل للمعسكر الشيوعي الاشتراكي وهذا كان في نهايات عهد الرئيس كارتر ومستشاره للأمن القومي بريجنسكي (1976- 1980)، حيث إن الاتحاد السوفييتي كان تحت قيادة بريجينيف منذ عام 1964 أي كان قد اقترب من 15 عاما من الحكم -ويعتبر ثاني قياصرة الاتحاد السوفييتي بعد الثورة البلشفية- واستمر في الحكم حتى عام 1982، أي 18 عاما، بعد "القيصر" ستالين الذي ظل في الحكم حوالي ثلاثين عاما.. وفي نفس التوقيت توفي الزعيم الشيوعي الصيني ما وتسي تونغ وذلك في سبتمبر 1976. 

في تلك الفترة أي في نهاية السبعينيات تم استدراج الاتحاد السوفييتي للولوغ في حرب أفغانستان التي حدث فيها انقلاب شيوعي عام 78 بدعم من الاتحاد السوفييتي. وكان من الواضح أن الاتحاد السوفييتي والصين الممثلين الأصليين للفكر الشيوعي في العالم على وشك الانهيار والتلاشي وبالتالي كان من الضروري البحث عن عدو جديد لأن العالم الغربي لا يستطيع أن يعيش بدون وجود عدو!

ولعلي أستطرد هنا وأقول: إن ضرورة وجود عدو في تقديري هي حاجة إنسانية لأن الإنسان دائما ما يبحث عمن ينافسه وبالتالي يعتبره عدوه إلا الإنسان الذي يهديه الله سبحانه وتعالى إلى فهم دوره في الحياة وطبيعة هذا الكون والدور المطلوب من الإنسان الذي يعيش فيه مثل العبادة والخلافة والعمارة.. وخير دليل على ذلك قصة أبناء سيدنا آدم عليه السلام فهما أخوان شقيقان ومع ذلك وصلا لدرجة التعادي لمجرد أن أحدهما تم قبول القربان الذي تقدم به والآخر لم يُتقبل منه. فقال له ـ لأقتلنك ـ ولكن الأخ الذي يفهم الدور الحقيقي للإنسان على الأرض قال "لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ"، وبالتالي فإنه على مدى عمر البشرية منذ تلك الحادثة نجد التصارع بين البشر شرقا وغربا وشمالا وجنوبا كما نجد الكثير من النماذج حتى على مستوى الأمم مثل الهكسوس والفراعنة والفرس والروم والدولة الإسلامية وأخيرا الإمبراطورية البريطانية والقيصرية البلشفية والخلافة العثمانية ثم الحرب العالمية الأولى والثانية وما نتج عنهما من دمار شمل العالم كله.

وبعد الحرب العالمية الثانية وحجم الدمار الذي خلفته في العالم، حيث تجاوزت الوفيات أكثر من 60 مليون إنسان (ما يعادل 2.6% من سكان الأرض وقتها) بين العسكريين والجنود أو المدنيين أو حتى من تعرضوا للمجاعات أو الأسر أثناء الحرب وماتوا. 

وبعد الحرب كان المتوقع أن يتعظ الإنسان ولكن هيهات أن يسكت إبليس عن أداء دوره فبدأت فكرة صناعة العدو وكانت البداية بين الشرق والغرب أو بين الرأسمالية والشيوعية واستمرت حوالي ثلاثين عاما ليست بشكل مباشر ولكن من خلال ممثلين لهما مثل ما حدث في كوريا أو في الشرق الأوسط أو في فيتنام أوكوبا وغيرها من مناطق العالم المترامية. وعندما وُجد أن السوفييت لم يعودوا قادرين على القيام بدورهم وكذلك الصين. 

 

بعد إسدال الستار عن أن الإسلام هو العدو كان من الضروري كما ذكرت ظهور عدو جديد.. ويبدو أن ما نراه الآن وما يحدث في أوكرانيا هي المشاهد الأولي في صناعة العدو القادم للغرب فقد تم استدراج بوتين أيضا لبدء الحرب مع أوكرانيا وكان من المتوقع أن تنتهي سريعا كما توقع الروس ولكن ما تزال مستمرة لأكثر من شهر الآن ومن المتوقع أن تستمر إلى مدة أطول.

 



بدأ الغرب منذ نهاية السبعينيات في البحث عن عدو جديد وكان العدو المرشح هو الإسلام وذلك كما ذكر العديد من المفكرين الغربيين منهم هانتنغتون وبرجينسكي وغيرهما.. وفي تقديري لأكثر من سبب أولهم أن الإسلام مع بداية السبعينيات كان قد بدأ في الانتشار، وقلت قبل ذلك نتيجة خروج الإخوان المسلمين من السجون الناصرية وانتشارهم ودعوتهم إلى كافة ربوع الأرض.

ولصناعة العدو الإسلامي تم القيام بخطوتين رئيسيتين هما إقامة كيان شيعي في إيران وتكوين جماعات سلفية في أفغانستان، ففي إيران كان الشاه رجل أمريكا في المنطقة ومع ذلك تخلت عنه وسمحت بقيام دولة شيعية متشددة مكانه، وفي أفغانستان تم دعم الجماعات السلفية مثل القاعدة والجهاد الأفغاني ضد الروس من خلال السعودية وغيرها من دول الخليج بأوامر أمريكية بالطبع. 

وبدأت المناوشات مع إيران باحتلال السفارة الأمريكية في طهران عام 79 وفشل الرئيس كارتر في تحرير الرهائن الأمريكيين مع أن هناك تقارير تفيد بانه حدث ترتيب لقاء بين الخميني وبريجنسكي في فرنسا قبل قدومه إلى إيران ليتزعم الدولة الشيعية الوحيدة في المنطقة والعالم. لانه كان من الضروري أن يكون هناك دولة واحدة على الأقل تمثل هذا العدو الجديد فتم اختيارها لتكون شيعية حتى يكون هذا العدو الجديد به أدوات أنقسامه داخليا. وكانت الخطوة الأولي في إظهار ذلك العدو هي غزو العراق للكويت عام 90 وما نتج عنها من تكوين تحالف دولي بقيادة أمريكا لتحرير الكويت.

والكل يعرف كيف ساهمت أمريكا في دفع صدام إلى غزو الكويت وأن لقاء السفيرة الأمريكية أبريل غلاسبي في بغداد وقتها ساهمت في استدراج العراق لهذه الخطوة. عندما ذكرت لصدام حسين عندما قابلته قبل الحرب وبعد أن بدأ التوتر بين البلدين أن الولايات المتحدة ليس بينها وبين الكويت أي معاهدات عسكرية دفاعية مشتركة ولكن هناك معاهدات مع العربية السعودية. والجميع يذكر كيف كونت أمريكا تحالفا دوليا وفيهم العديد من الدول العربية لحرب العراق. 

 

لصناعة العدو الإسلامي تم القيام بخطوتين رئيسيتين هما إقامة كيان شيعي في إيران وتكوين جماعات سلفية في أفغانستان، ففي إيران كان الشاه رجل أمريكا في المنطقة ومع ذلك تخلت عنه وسمحت بقيام دولة شيعية متشددة مكانه، وفي أفغانستان تم دعم الجماعات السلفية مثل القاعدة والجهاد الأفغاني ضد الروس من خلال السعودية وغيرها من دول الخليج بأوامر أمريكية بالطبع.

 



وفي النصف الأول من التسعينيات تنامت قوة الجماعات الجهادية القاعدة وغيرها وانتقالهم إلى السودان ومحاولة قتل حسني مبارك في أثيوبيا وما حدث في الأقصر عام 1996 ثم عودة القاعدة إلى أفغانستان مع سيطرة طالبان في نهاية التسعينات وغيرها ثم جاءت ساعة الصفر لتدشين العدو والمشهد الرئيسي كان في يوم الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 بانهيار برجي التجارة العالمي في  نيويورك. وما تلا ذلك من القتال مع ذلك العدو الذي تم تصنيعه سواء في أفغانستان للقضاء على طالبان وتلا ذلك الحرب على العراق بحجة وجود أسلحة نووية وما تلا ذلك من ظهور للعنصرية تجاه المسلمين في الكثير من بلدان العالم.

وحتى ينتهى فيلم العدو الإسلامي كان من الضروري القضاء على الحركة التي ساهمت في تقوية المسلمين وإعادة لحمتهم بعد أن تم تقسيمهم عام 1923 وهي بلا شك جماعة الإخوان المسلمين التي أسست لكيان عالمي وانتشرت في أكثر من سبعين دولة وكانت تسير بخطوات واضحة لتحقيق ما يتمناه أي مسلم ويخشاه أي كاره للإسلام.. لذلك كان يجب أن تستدرج هذه الجماعة لكي تتحمل المسؤولية وهى غير مستعدة لذلك ثم يتم إفشالها بكافة السبل وبالفعل تمت أحداث ما يسمى بالربيع العربي وتم استدراج الإخوان. 

والمتابع للأحداث فإن الإخوان في البداية أعلنوا عدم مشاركتهم في الانتخابات الرئاسية وأن منهجهم يتطلب منهم العمل مع المجتمع وأسلمته قبل الحكومة ولكن تم تغيير الموقف وتحملوا المسؤولية ـ وكان هذا هو الفخ اللذي وقعوا فيه ـ وهم كانوا غير مستعدين لذلك بل لم يكونوا قد حققوا المراحل حسب منهجهم الذي تربوا عليه. وانتشر القول بأنه لعل الله قد طوى بين المراحل. وفي تقديري أن استكمال المخطط كان أن يتجه الإخوان للعمل المسلح والعنيف ولكن قدر الله وسلم عن الدخول في هذا الخط ولذلك لم يتبقى أمام المخرج إلا أن يساعد على تقسيمهم ليس في مصر وحدها ولكن في معظم الدول التي تنتشر فيها الجماعة.

وبعد إسدال الستار عن أن الإسلام هو العدو كان من الضروري كما ذكرت ظهور عدو جديد.. ويبدو أن ما نراه الآن وما يحدث في أوكرانيا هي المشاهد الأولي في صناعة العدو القادم للغرب فقد تم استدراج بوتين أيضا لبدء الحرب مع أوكرانيا وكان من المتوقع أن تنتهي سريعا كما توقع الروس ولكن ما تزال مستمرة لأكثر من شهر الآن ومن المتوقع أن تستمر إلى مدة أطول. 

وفي تقديري أن عملية صناعة العدو الجديد بدأت مع التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية نهاية عام 1915 ضد هيلاري كلينتون، وحسب تقارير للمخابرات الأمريكية ووكالة التحقيقات الفدرالية فإنه ثبت أن بعض الأجهزة في المخابرات الروسية وبناء على توجيهات من بوتين قامت بالتأثير على نتيجة الانتخابات الأمريكية لصالح ترامب.. وقد ثبت أيضا اختراق أجهزة الأمن الروسية لمواقع الحزب الديمقراطي خلال فترة الانتخابات وأيضا مدير حملة كلينتون جون بوديستا.. الجانب الآخر هو دور بوتين في كشف ما كان يفعله هانتر بايدن الإبن في أوكرانيا وإبلاغه ترامب بذلك والتي استغلها الأخير في الهجوم على منافسه ومحاولة تشويهه مما أحرج بايدن خلال الحملة الانتخابية الماضية. من جانب آخر تم تصعيد رئيس جديد لأوكرانيا غير موالى لبوتين وهو أصلا ممثل كوميدي ولا علاقة له بالسياسة إلا من خلال الدور التلفزيوني الذي قدمة على مدى أربع سنوات من 2015 إلى 2018 ثم شارك مباشرة في انتخابات 2019 ونجح فيها في مواجهة الرئيس بترو بروشنكو الذي كان مواليا لموسكو.

ولكن كيف سيكون شكل هذا العدو القادم وقد أنهكته الحرب في أوكرانيا؟ من الممكن أن تظهر مرة أخرى فكرة تعدد الأقطاب في العالم ولكن ستكون أقطابا صورية بحيث يكون النموذج لأي قوة عالمية أخرى ـ الصين مثلا ـ تفكر في القيام بأي دور. البديل الأخير هو محاولة بوتين استخدام أسلحة دمار شامل نووي أو كيماوي مثلا فسيتم الانقلاب على بوتين، والله أعلم وهو المستعان وهو من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

* مركز الدراسات الحضارية