قضايا وآراء

الاختيار.. الاختيار3

1300x600

الاختيار الثاني اسم مسلسل يتم بثه في هذا الشهر الفضيل.. وفي الحقيقة إنني لم أشاهد ما يطلق عليه بمسلسلات رمضان منذ حوالي عشرين عاما، وذلك بعد استقراري بالخارج لم أتمكن من متابعة مسلسلات رمضان لاختلاف التوقيتات وعدم الاهتمام.. ولكن مع رمضان هذا العام أثيرت الكثير من المقالات والتعليقات، حتى قناة الجزيرة والكثير من القنوات العربية مع تغطيتها للحرب الأوكرانية قامت أيضا بالمشاركة في تناول المسلسل واستضافت أحد النقاد الفنيين من مصر للتعليق على مسلسل يبثه التلفزيون المصري تحت عنوان الاختيار3. ويبدو أنه شد الانتباه لتناوله أحداثا قريبة عاصرها الكثيرون. 

ومما شد انتباهي أن معظم التعليقات والمقالات التي تناولت المسلسل كانت هجوما على المسلسل وأنه يزيف التاريخ وأنه مزور وغير ذلك من هجوم على المسلسل والقائمين عليه من ممثلين وإدارة إنتاجه وبالأخص دور القوات المسلحة المصرية وإدارة الشؤون المعنوية بالجيش المصري وراء إنتاج المسلسل بهذا الشكل. لم أشاهد المسلسل ولكن ما شد انتباهي وجعلني أكتب هذا المقال هو كما ذكرت كم الهجوم عليه.

والاختيار الأول هو اسم لفيلم أخرجه يوسف شاهين في عام 71 وكان ببطولة عزت العلايلي ومحمود المليجي وعدد آخر من الفنانين والفنانات.. وقد أثار الفيلم عند عرضه الكثير من السخط والهجوم لأنة لم يكن مفهوما للعامة وللأسف لم يفهم بشكل صحيح، وكان يتكلم عن الفترة الناصرية والحلم الناصري.. والفيلم تم إعداده في حياة عبد الناصر ولكنه عرض بعد وفاته في أيلول (سبتمبر) 70.. وتلا هذا الفيلم وكان أكثر وضوحا عن نفس الفترة ليوسف شاهين أيضا هو فيلم عودة الإبن الضال والذي عرض في نهاية عام 1975. والأول من تأليف نجيب محفوظ والثاني كان تأليف صلاح شاهين.

ومع أن الفيلمين كان محورهما هو تقييم فترة الناصرية وأنها خدعة كبيرة وأنها أضلت الشعب المصري وأضاعت حاضره إلا أنه أيضا لم يتمكن من تقديم الوقائع التي حدثت في عهد عبد الناصر بشكل صحيح وكان به تزييف ولم يذكر كم الظلم الذي تعرض له الشعب المصري خلال تلك الفترة بالإضافة إلى أنه لم  يذكر الحقيقة بصراحة ـ كمقال هيكل الأسبوعي والذي لم يكن به شيئا من الصراحة ـ كما أن أفلام يوسف شاهين اعتمدت أيضا بعض التزييف والتزوير للحقائق عن الفترة التي أراد تقيمها.. كما أن الفيلمين لم يطرحا أيا من الوسائل التي يمكن اعتمادها للوصول إلى الطريق الصحيح الا بالهروب كما في فيلم عودة الإبن الضال.

لذلك تعجبت من الذين تناولوا الاختيار الثاني وهو مسلسل الاختيار 3 بالهجوم وكان بعضهم من الإعلاميين ومن الفنانين وبعضهم ممن يعمل في الحقل الإعلامي من فترات ليست بالقصيرة، وبالتالي يعلمون أن أي عمل إعلامي غير الوثائقي هو عمل مزيف بشكل عام ويختلف من عمل إلى عمل في درجة التزييف التي يطل بها على المشاهد. حتى القنوات الإخبارية التي تنقل الأخبار نجد فيها بعض التزييف والتزوير.. وهناك أمثلة كثيرة ونستطيع مشاهدة ذلك عندما نستمع إلى الجزيرة عندما تنقل الخبر وتستمع إلى العربية أو سكاي نيوز العربية أو مع الترجمة لنفس الخبر على "سي أن أن" أو "بي بي سي" أو غيرها من القنوات، نجد اختلافا مع أنه نفس الخبر.. ولكن دائما نجد اختلافا في تقديم الخبر وهذا نتيجة أن أصحاب قناة الجزيرة لهم أهدف بالتأكيد تختلف عن أهداف قناة العربية، ونفس الحال بالنسبة للقنوات الأجنبية، وبالتالي تقوم كل قناة بتقديم الخبر وعرضه من الجانب الذي يحقق أهدافها ومصلحتها على سبيل المثال لا الحصر. 

الخبر الذي نحن بصدده وهو احد مسلسلات رمضان الذي يذاع في المحطات التلفزيونية المصرية بعنوان الاختيار 3 يتناول الأحداث التي حدثت في مصر منذ عقد من الزمان (نقطة) هل كل القنوات عرضت الخبر وتوقفت عند النقطة؟ بالطبع لا !!!!

فما بالنا بالأعمال الفنية الدرامية؟ بالتأكيد يجب أن يكون داخلها تزييف وتزوير، وهذا كما اأتقد شيئ طبيعي. قد يقول قائل إن هناك تزييف مقبول وتزوير وتزييف غير مقبول، وهذا ممكن وتعود في الأساس لكنه هذا الشخص وموقفه من الأطراف التي ظهرت في العمل وكيف رآه؟ فعلى سبيل المثال إذا كان المتحدث أو المعلق من طرف السيسي سيرى العمل صادقا وأن التزييف إن وجد سيكون للحبكة الدرامية.. أما إذا كان المعلق من الطرف الآخر وهو الحركات الإسلامية والإخوان فبالتأكيد سيكون انزعاجه شديدا وتقديره لعملية التزييف والتزوير أكبر وأشد ولكن دائما في النهاية الرأي للمخرج.. وكما نقول دائما "المخرج عايز كده" وهى مسؤوليته. 

 

إن الاختيار 3 عمل مثل أي عمل فني درامي سينمائي أو تلفزيوني وأعتقد أن عموم الشعب المصري يدرك أن هناك تزييف للوقائع وهذا ليس مهما أو يجب أن يشغلنا، ولكن الأهم والضروري هو ما يجب أن نفعله حتى لا نقع في نفس الخطأ مرة أخرى وأول خطوة في هذا الطريق هو تقويم ما حدث والله أعلى وأعلم وهو من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

 



وكما ذكرت فإن هذه القضية أو المشكلة قد شاهدناها كثيرا قبل ذلك وحتى على المستوى العالمي بعد الحرب العالمية الثانية كان المنتصر هو الغرب بقيادة الولايات المتحدة، وبالتالي كانت معظم الأفلام التي تم إنتاجها عن تلك الحرب معظمها تمجد الجندي الأمريكي وأنه أنقذ العالم من الألمان والنازية. وحتى بعد ذلك في حرب فيتنام ومع كل الدمار الذي قام به الجندي الأمريكي في فيتنام فإن هناك بعض الأفلام قدمت الجندي الأمريكي كأنه منقذ البشرية.. وعادة التزييف والتزوير للوقائع ليست حديثة بل منذ أيام الفراعنة كان الملك المنتصر يغير في النقوشات في المعابد لصالحه وهكذا.. في النهاية كما يقال إن التاريخ يكتبه المنتصرون.

ولكن هل هذه هي النهاية؟ بالتأكيد لا.. فإنه من حق الجميع أن يقدم وجهة نظرة تجاه الأحداث التي تحدث، وبالتالي فإنه من حق الإخوان أن يقدموا وجهة نظرهم تجاه ما حدث عن نفس الفترة الزمنية والتي هي من 2011 إلى 2013 بل يمكنني القول إنهم مطالبون ويجب عليهم فعل ذلك، كما يجب ألا يكرروا نفس الخطأ الذي وقعوا فيه عام 1954 عندما لم يوثقوا للمرحلة من 1952 ـ 1954 ولم يصدر عن الجماعة بشكل رسمي تقييم أو تقويم عن تلك المرحلة وهذا في تقديري من أسباب الوقوع في نفس الخطأ عام 2011 لأنهم لم يتعلموا من التجربة السابقة التي لم يتم تقييمها وتوثيقها بالشكل الصحيح.

وكانت قد صدرت عدد من الكتب كتبها أفراد الأخوان ممن عاشوا تلك الفترة مثل صفحات من التاريخ للأستاذ صلاح شادي رحمه الله وكتاب نقاط فوق الحروف للأستاذ احمد عادل كمال حفظه الله وأمد في عمره وغيرهما، ولكن للأسف كانت تلك الكتب تعبر عن رأي كتابها وبينها اختلافات كثيرة.. وهذا نتيجة أنها أعمال فردية ورؤية تخص أصحابها وبالتالي لا تقدم الصورة الكاملة للأحداث.

لذلك فإنني أتصور ـ وقد ذكرت هذا قبل ذلك منذ وقوع الانقلاب ـ أنه من الضروري أن تقوم الجماعة بعمل تقييم وتقويم موثق لتلك المرحلة منذ بداية 26 يناير 2011 واتخاذ قرار المشاركة في المظاهرات في ميدان التحرير وحتى 30 يونيو وعزل الرئيس والهجوم على الدار في المقطم. 

قد يقول قائل إن من كان يدرك واقع الأحداث وملم بها في السجون الآن (فرج الله عنهم وفك أسرهم جميعا)، وهذا في تقديري ليس مبررا لأن ما تم اتخاذه من قرارات خلال تلك الفترة المفترض أنه كان موثقا.. فمن الضروري تقييم ما تم وبيان المبررات التي تم بناء عليها اتخاذ القرارات الأساسية مثل قرار المشاركة في مظاهرات 25 يناير.. وقد كانت الإخوان قد دعيت قبل ذلك في المشاركة في مظاهرات أبريل 2006 من حركة كفاية وكان الرد واضحا من الأستاذ عاكف رحمه الله الأخوان "ليسوا مقاول أنفار" فهل ما تم في تونس في نهاية 2010 ساعد على استدراج الأخوان؟ 

والقرار الثاني هو قرار المشاركة في الانتخابات الرئاسية وما هي مبرراته؟؟ من المفترض أن اجتماعات المكتب أو مجلس الشورى كانت تدون ويسجل بها مبررات أي قرار يتم اتخاذه. لذلك فان توثيق ونشر مثل هذه المبررات يساعد الأجيال القادمة على عدم تكرار الأخطاء التي حدثت ولا يتم تكرار أخطاء 1954 التي لم توثق بشكل سليم أو يتم تقويم للمرحلة وبالتالي وقعنا في نفس الأخطاء.

كلمة أخيرة.. إن الاختيار 3 عمل مثل أي عمل فني درامي سينمائي أو تلفزيوني وأعتقد أن عموم الشعب المصري يدرك أن هناك تزييفا للوقائع وهذا ليس مهما أو يجب أن يشغلنا، ولكن الأهم والضروري هو ما يجب أن نفعله حتى لا نقع في نفس الخطأ مرة أخرى وأول خطوة في هذا الطريق هو تقويم ما حدث والله أعلى وأعلم وهو من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

مركز الدراسات الحضارية