رغم الاستقرار الأمني وحركة الإعمار الملحوظة في إقليم كردستان العراق، لكنه يشهد حاليا موجة هجرة غير مسبوقة إلى دول أوروبا، الأمر الذي أثار تساؤلات حول الأسباب التي تدفع الأكراد إلى ترك بلدهم ومواجهة الموت، في محاولة الوصول للقارة العجوز.
الهجرة اللافتة لأكراد العراق إلى دول الاتحاد الأوروبي، خلّفت عشرات الوفيات في صفوفهم، لا سيما على الحدود بين بلاروسيا وبولندا؛ بسبب درجات الحرارة المنخفضة، إضافة إلى غرق العديد منهم في بحر إيجة التركي بعد تحطم قواربهم، بحسب وسائل إعلام محلية.
دوافع الهجرة
وتعليقا على ذلك، قال شيروان ميرزا، عضو "الاتحاد الوطني الكردستاني"، الشريك الأساسي مع "الديمقراطي الكردستاني" في حكومة الإقليم، إن "موجة هجرة مواطني الإقليم بدأت بعد عام 2014 جراء المشاكل السياسية والاقتصادية بين حكومتي المركز والإقليم، والتي نتج عنها انعدام فرص العمل للخريجين والعاطلين".
وأضاف النائب السابق في البرلمان العراقي، في حديث لـ"عربي21"، أن "الدافع الآخر للهجرة هو الخوف من المستقبل، لأن المنطقة عموما لا تشهد استقرارا سياسيا، لاسيما في العراق، فذلك ولّد تخوفا من ظهور منظمة إرهابية مثل تنظيم الدولة، وبالتالي تنقلب الأوضاع الأمنية في المنطقة".
وتابع: "كذلك موضوع الرفاهية هو أحد دوافع الهجرة، فإن هدف عدد من المهاجرين هو البحث عن الرفاهية والحياة الأفضل، لا سيما أن هناك اعتقادا بأن دول الغرب فيها رفاهية كاملة، ولا خوف من المستقبل".
اقرأ أيضا: كيف يصل المهاجرون من الشرق الأوسط إلى بيلاروسيا؟
واتفق مع ذلك النائب السابق والقيادي في الاتحاد الإسلامي الكردستاني، جمال كوجر، بالقول: "صحيح هناك إعمار في الإقليم، لكنه محصور لبعض السياسيين، أما بقية المجتمع، خاصة شريحة الشباب، فهم يمرون بأزمة اقتصادية حادة؛ لأن حكومة الإقليم لم تعيّن فردا واحدا منذ سنوات".
وأضاف كوجر، في حديث لـ"عربي21"، أن "القطاع الخاص يعاني أيضا، خاصة بعد انخفاض سعر الدينار العراقي أمام الدولار، وكذلك أزمة كورونا وما بعدها ضيقت فرص العمل كثيرا، وبالتالي أصبحت البطالة واسعة ومرتفعة جدا بين شريحة الشباب".
ولفت إلى أن "الوضع السياسي متأزم جدا داخل الحزب الواحد وبين الأحزاب، وبالتالي هناك حالة قلق وعدم ارتياح ونفور من الواقع السياسي المأزوم، والأخير مسيطر على كل المشهد الإداري في الدولة العراقية بشكل عام، وفي الإقليم بشكل خاص".
وأردف كوجر قائلا: "الأمر الآخر، غياب العدالة في توزيع فرص العمل بين أبناء المجتمع، وداخل الأحزاب، الأمر الذي ولّد حالة نفور داخل الشعب، لذلك كانت نتائج الانتخابات صادمة للأحزاب الحاكمة في عموم العراق، وحتى في الإقليم أيضا".
وأكد النائب الفائز في الانتخابات الأخيرة أن "البعد الاجتماع أيضا يُعد أحد أسباب الهجرة، لأن هناك أزمات اجتماعية جراء العولمة والسلطة والظرف الاقتصادية، وكلها أنتجت ظروفا اجتماعية لها إفرازات سلبية كثيرة، وبالتالي هناك نفور من الزواج، والطلاق متفشّ".
قمع الحريات
وبخصوص حديث القوى المعارضة في إقليم كردستان عن قمع الحريات، أكد عضو "الاتحاد الوطني الكردستاني" شيروان ميرزا "وجود ضغط على الحريات في بعض مناطق إقليم كردستان، وجزء كبير من شباب ناحية شيلادزي في منطقة بهدينان بمحافظة دهوك هم بين اللاجئين الأكراد الذين يتواجدون بين حدود بلاروسيا وبولندا".
وأشار ميرزا إلى أن "ظاهرة الهجرة ليست جديدة، ولا تقتصر على العراق وإقليم كردستان، لكن المخرج الأفضل لمعالجة هذه الأزمة أن تتعاون بغداد وأربيل لحل المشاكل السياسية والاقتصادية، حتى يكون استقرار في هذه الملفين، وبالتالي توفير فرص عمل للخريجين والعاطلين عن العمل".
ونوه إلى أنه "منذ 2008 وحتى 2013 عادت الكثير من العائلات الكردية من الهجرة، لا سيما المقيمين في دول أوروبا واستقروا في إقليم كردستان، لأنه في ذلك الوقت كان شبه استقرار أمني وسياسي واقتصادي وفرص عمل في القطاعين الخاص والعام".
من جهته، قال النائب السابق، جمال كوجر، إن "الحريات أصبحت أيضا سببا من أسباب الهجرة، لا سيما في محافظة دهوك، بلغ عدد معتقلي الحريات نحو 82 شخصا، وبالتالي ولّد حالة من عدم الارتياح وقلقا".
وأردف: "إذا ذهبت الحكومة لتقييد الحريات في عالم مفتوح لمواقع التواصل الاجتماعي، فإذا جرى اعتقال شخص أو أستدعي للأجهزة الأمنية بسبب تعلق واحد، فبالتالي يصبح الفرد بين تضييق للحريات على هذه المواقع وبين التضييق المحلي".
وأكد كوجر أن "أكثر المحافظات في إقليم كردستان العراق التي جرت فيها الهجرة، كانت مدنا شهدت فيها عمليات اعتقالات وقمع للحريات، لا سيما ناحية شيلادزي في محافظة دهوك".
ولفت إلى أن "الفساد المستشري في الحكومات أيضا ضيّق على الجميع، حيث رفعت حكومة الإقليم مؤخرا من الضرائب وقيمة الجمارك، وبالتالي أصبح كل شيء باهض الثمن، في وقت لا تجد في جيب الشباب ولو 5 دولارات".
اقرأ أيضا: احتجاجات في بغداد ضد نتائج الانتخابات.. وغلق المنطقة الخضراء
واتهم كوجر "الأيادي الخارجية بالتشجيع على الهجرة، لأن بلاروسيا لديها مشاكل مع الاتحاد الأوروبي، وبالتالي من مصلحتها أن تؤجج الدول التي لديها مشاكل، حتى تذهب إليها قوافل المهاجرين، وتكون لديها ورقة ضغط على أوروبا".
وعود حكومية
أما الجهات الحكومية في إقليم كردستان، فقد قال المتحدث باسم حكومة كردستان العراق، جوتيار عادل، إن من بين العوامل التي تدفع شباب كردستان العراق إلى الهجرة "مشاكل الأمن الإقليمي والركود العالمي".
وأضاف عادل في بيان، الخميس، أن "حكومة إقليم كردستان ملتزمة بمعالجة الأسباب الجذرية لهذه الظاهرة"، وستشكل لجنة مكلفة تقديم توصيات للحكومة، مشددا على أن حكومة الإقليم "ستواصل تطبيق الإصلاحات الرامية إلى خلق مزيد من الوظائف للشباب، وتحسين مستوى المعيشة لكل الناس في منطقة كردستان".
وتابع البيان بأن حكومة إقليم كردستان "تحض الحكومة العراقية على المساعدة في التخفيف من حدة الأوضاع من خلال ضمان إرسال كامل حصة إقليم كردستان من الميزانية في المهل المحددة، وعدم حجز الرواتب العامة".
يشار إلى أن إنتاج إقليم كردستان العراق من النفط يتراوح من 600 ألف إلى 750 ألف برميل يوميا، يصدّر منها 500 ألف برميل يوميا أو أكثر إلى عدة دول، منها تركيا واليونان، وفق تصريحات للحكومة العراقية.
هل تلغي واشنطن انسحابها من العراق بعد استهداف الكاظمي؟
هل يستثمر الكاظمي الدعم الأممي للتحرك ضد المليشيات؟
تحرك إيراني لاحتواء أزمة محاولة اغتيال الكاظمي.. ماذا وراءه؟